عمان- «القدس العربي»: يفترض أن يتجاوز المشهد الإسرائيلي الزاحف والمتهور في منطقة الأغوار على أكتاف الحدود الأردنية مجرد تصريح مسرب عبر محطة «سي إن إن» لمسؤول أردني غامض يحاول العودة مجدداً إلى الصيغ التي تتجاهلها حكومة اليمين الإسرائيلي والمجتمع الدولي والولايات المتحدة معاً منذ أكثر من عام بعنوان «إسرائيل قوة قائمة في الاحتلال» و»الأمن والاستقرار في المنطقة لا تصنعه الفرق العسكرية الجديدة».
تصريح مقتضب للغاية نشرته محطة «سي إن إن» على لسان مصدر أردني رسمي تعليقاً على ما أعلنه بنشاط وحماسة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي «يحب التحرش بالأردن ومناكفته» تحت عنوان إنشاء فرقة عسكرية جديدة تتولى الأمن وحماية الطرق والمستوطنات في منطقة الأغوار.
سياسياً وإجرائياً وعملياً، لا يوجد أي تعليق علني وواضح للحكومة الأردنية على القرار الذي اتخذه كل من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان في حكومة تل أبيب اليمينية المتطرفة، مع أن الحديث هنا عن قرار في غاية الخطورة والأهمية قد يؤدي إلى تغير الأوضاع لوجستياً وأمنياً وعملياتياً في منطقة الأغوار، بمعنى فرض السيادة الأمنية الإسرائيلية عليها لأول مرة.
«سي إن إن» بعد «أفيخاي»… والهدف «تهويد الأغوار»
والحديث عن إنشاء فرقة عسكرية جديدة تتولى هذه المهمة، بما يعني ضم منطقة الأغوار وفرض السيادة عليها، وفي النتيجة والتداعيات: منع أي فرصة لولادة دولة فلسطينية وتغيير الوضع بمعناه السيادي في الضفة الغربية وعلى أكتاف الحدود الأردنية مع الضفة الغربية.
الخطوة الإسرائيلية صنفت مبكراً بأنها في قمة العداء، وتوجب -حتى في رأي رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري- إعادة التقييم والتفكير في مجمل موقع الأردن وكيفية دفاعه عن مصالحه في موازاة برنامج تصعيدي على الأرض يحاول الإسرائيليون فرضه بعنوان حسم الصراع بدلاً من إدارته، لا بل ضم الأراضي الحدودية والتوسع في المستوطنات.
حاول أفيخاي أدرعي بوضوح ممارسة لعبة مريبة ومضللة مع الأردنيين عندما أصدر تصريحاً أوحى به إيحاء فقط مدعياً بأن خطوة إنشاء فرقة عسكرية جديدة في منطقة الأغوار ستكون من واجباتها تنسيق حماية الحدود مع الجانب الأردني، علماً بأن السفارة الأردنية في تل أبيب لم تبلغ بأي قرار بهذا الخصوص.
وان الاتصالات عملياً بين الأردن والجانب الإسرائيلي، بمعنى الدولة العميقة في الكيان، مقتصرة منذ وقت بعيد من بعد السابع من أكتوبر على إدخال المساعدات الأردنية الإغاثية الى قطاع غزة.
تضرب الخطوة الاسرائيلية عملياً عرض الحائط بالمصالح الأردنية، لا بل تضع الحالة الأردنية برمتها أمام تموقع في غاية الخطورة والحساسية واختبار قاس عنوانه ليس فقط الحسم ضد الوصاية والوصي في القدس والمواقع المقدسة، ولكن العبث بالأمن القومي والوطني الأردني، والأهم الأمني الحدودي، تحت عنوان وجود احتياجات أمنية ملحة في منطقة الأغوار.
أغلب التقدير أن بعض التسللات والأحداث الأمنية التي حصلت يريد اليمين الإسرائيلي استغلالها، بما فيها عملية البحر الميت الاستشهادية البطولية التي نفذها شابان أردنيان، إضافة إلى العملية التي نفذها الشهيد ماهر الجازي، حيث اختراقات وحالات تتسلل لا تقع في الأصل ضمن مسؤولية السلطات الأردنية، لكن اليمين الإسرائيلي يسعى للاستثمار فيها وتوظيفها، بمعنى فرض وقائع على الأرض وفي الميدان تحاول إعادة إنتاج المشهد في منطقة الأغوار، بمعنى الالتزام أو قطع خطوة عدائية سيادية عسكرية إضافية باتجاه الالتزام بما قرره الكابينت الإسرائيلي أصلاً عندما وسع في نطاق النفقات المالية الخاصة لإقامة المزيد من المستوطنات الإسرائيلية في منطقة الأغوار.
بعد إعلان الفرقة العسكرية، لاحظت المجسات الخبيرة في عمان أن التهويلات الإعلامية تزايدت؛ ففجر الجمعة تحدث الإسرائيليون عن التصدي لطائرة مسيرة وإسقاطها شرقي النهر بالقرب من منطقة البحر الميت، ثم عادت للتحدث عن «متسلل» من أكتاف البحر الميت تبحث عنه السلطات.
يريد الإسرائيليون إنتاج انطباع بأن منطقتي البحر الميت والأغوار بحاجة إلى «ترتيبات أمنية جديدة»، الأمر الذي يوحي بأن الجانب الأردني لا يقوم بالمسؤولية الأمنية المعتادة، علماً بأن كل تلك ادعاءات وغير صحيحة.
صادر الإسرائيليون قبل ذلك أكثر من 1800 دونم في الأغوار لأغراض الاستيطان.
تلك الإجراءات البنيوية تعمل ولأول مرة على «تهويد الأغوار» أمنياً، بتقدير المؤسسة الأردنية، تعني بكل بساطة ووضوح تقويض ليس فقط اتفاقية أوسلو ورفع أجهزة الإنعاش عن السلطة الفلسطينية، كما يقدر ويقرر الناشط السياسي والحقوقي البارز سائد كراجة، فيما يلفت طاهر المصري النظر له عندما يقدر بأن قرار الكنيست الإسرائيلي أصلاً بخصوص وكالة غوث وتشغيل اللاجئين يعادي الأردن ويؤسس لحالة تحرم مواطنيه من حقوق العودة والتعويض بعنوان منع خدمات الأونروا، وبالتالي الانقلاب على اتفاقية وادي عربة.
بدا غريباً للمراقبين أن وزارة الخارجية الأردنية لم تعلق على قرار وزارة الدفاع الإسرائيلية المعلن بإنشاء فرقة عسكرية جديدة، لكن الدوائر العميقة تعلم مسبقاً بأن هذا القرار عبارة عن أجندة مسبقة ومبيتة، بمعنى أنه تم استباقه بكثير من المغالطات الدرامية وتسليط أضواء بعض وسائل الإعلام على أحداث أمنية محددة حصلت في وقت تضطرب فيه المعطيات في الإقليم. هي أحداث ناتجة عن العدوان الإسرائيلي على أهل غزة ولبنان وعلى كل دول الجوار في المنطقة، مع أن الجانب الإعلامي اليميني الإسرائيلي بالغ مؤخراً في الحديث عن اختراقات ومحاولات تهريب أسلحة من جهات إيرانية إلى الضفة الغربية عبر الأراضي الأردنية دون أدنى أدلة أو قرائن على هذه المزاعم والادعاءات، الأمر الذي يعني الآن بوضوح شديد أن العلاقات الأردنية الإسرائيلية في طريقها للتدهور.
وأن الأردن أصبح من واجبه إعادة إنتاج التموقع بالمعنى العملياتي والسيادي والأمني في ظل المستجدات الخطيرة التي تحصل، برأي المصري وآخرين.