الأردن… يعاني من أزمة أدوات

قابلت مسؤولين في المسار الاقتصادي بحكومة الأردن يضعون أيديهم على قلوبهم خشية الإخفاق في التفاوض مع الدول الكبرى في مؤتمر لندن الوشيك إما بسبب غياب لاعبين لديهم مهارة التفاوض أو بسبب بؤس البرامج والمقترحات التي تم ترقيعها.
في مؤتمر لندن السابق وهو بأجندة اقتصادية تمويلية أخفق الطاقم الذي قاد خارطة المصالح في ترويج الدور الأمني الاقليمي في المنطقة وأطلق عشرات الوعود للرأي العام وتحدث عن ثلاثة مليارات تم تحصيلها لدعم الأردن لم يأت فعلا ربعها.
وقتها عندما سألت سفراء غربيين قيل لي إن «طاقمكم المفاوض لم يكن مقنعا في تقديم مشاريع حيوية وإنتاجية».
لا أحد يمكنه إصدار صك مسبق بالثقة في الطاقم الحالي المفاوض فقد درج سفراء ومختصون غربيون على الاستغراب الشديد لأنهم يسمعون من المسؤولين الكبار الذين يزورونهم طلبا متكررا للدعم المالي فقط وبدون تقديم مشاريع إنتاجية او مقنعة.
يبدو أن المخاوف مستمرة على صعيد بيت الخبرة بأن يخفق الطاقم الذي تم إرساله لحضور الاجتماعات التحضيرية في ترويج «القصة الأردنية» المليئة بالمواقف النبيلة وكذلك احتمالات الفشل في تقديم طروحات وبرامج تنجح في مسك الممول من سترته أو جذب المستثمر.
لا أعرف شيئا عن عالم «جذب المال والمنح» ومعلوماتي سطحية في الملف الاقتصادي.
لكن أتعثر يوميا ومنذ أسابيع بخبراء حذرين يشيرون إلى أن حكومة بلادي لم تستعد جيدا لمؤتمر لندن المهم ولأن الطاقم الاقتصادي الذي يتولى الأمور والتفاوض من أجل مصالح المملكة والدولة الأردنية ليس بالكفاءة ولا بالمهنية اللازمة.
أتعثر أكثر ويوميا بتلك المبالغات التي تسترسل في الحديث عن حزمة «مليارات» قادمة في الطريق لدعم صمود وصبر وتضحيات الشعب الأردني.
حتى حكومة بخلفية اقتصادية أصلا وبطابع «مدني» مثل حكومة الرئيس عمر الرزاز بالغت في الاحتفال بإنجازات مفترضة لا تلامس وجدان المواطن وقد لا ترقى للطموح.
المصيبة ستكون كبيرة إذا تعاملت الحكومة لاحقا مع توصيات وقرارات مؤتمر لندن بخصوص الدول المانحة بنفس «لهجتها» عندما تعلق الأمر بالرقص والغناء والقفز فرحا بالحصول على «سعر تشجيعي» من العراق لنحو 7٪ من حاجات الأردنيين النفطية.

الأردن يعاني من «أزمة أدوات» حيث الارتجال والعشوائية والاستعراض ومصالح شللية بدلا من الاحتراف والمهنية والايمان بالخدمة العامة

هذا الخصم البائس السقيم لا يكفي عمليا لتعويض بدل استعمال الكهرباء والمحروقات لسيارات طبقة الكريمة من رجال المال والأعمال العراقيين المقيمين في الأردن وهو خصم فقير جدا ولا يستحق الاحتفال لأنه لا يعوض عن غسيل سيارات العراقيين المقيمين في عمان فقط على حد تعبير وزير اقتصادي سابق من الرعيل البيروقراطي العميق.
عندما تولى الأمير محمد بن سلمان سلطاته إياها سمع الشعب الأردني كلاما كبيرا عن «20 مليار استثمارات في الطريق».
«ثقب» الأردني أذنه عشرات المرات وهو ينتظر قدوم الاستثمار لكن بقي الثقب ولم يأت الحلق تفاعلا مع الأغنية الشعبية المشهورة.. «وعدوني بالحلق..ثقبت أنا وداني».
أطلق عشرات المسؤولين في الماضي تصريحات بالجملة لأن الكلام بدون جمرك عن مليارات قادمة في الطريق واكتشفنا اليوم أن هؤلاء ومنهم وزراء استثمار وتخطيط وصناعة ومدراء مكاتب في القصر الملكي ورؤساء حكومات كانوا بصورة محددة يتحدثون عن ما حلموا فيه بالليل ليس أكثر.
وأزعم شخصيا أن هذه «الملهاة» من الوعود المبالغ فيها كانت تساهم أيضا في «تضليل القيادة» وليس إلهاء الناس.
سمعت بأذني دبلوماسيا فرنسيا يسأل وزيرا أردنيا: قل لي بصورة محددة لماذا أدفع لحكومتك مالا لا تستطيع إنفاقه كما ينبغي؟.
وسمعت أيضا بنفس الأذن مسؤولا كبيرا عن الإدارة المالية في الدولة يدافع عن موظف بائس وصغير ألقى الأوراق في وجه مستثمر كبير قائلا.. «هذه أوراقك لا نريد استثماراتك في هذا البلد».
يعرف أصغر موظف في المؤسسات الأمنية والبيروقراطية والسياسية ما الذي يحصل مع أي أردني أو عربي يتقدم لمعاملات وتراخيص لها علاقة باستثمار ما في البلاد.
سؤالي هو: لماذا يفترض الضاربون على دف، منافق دائما أن المسؤول الغربي ساذج ولا تعلمه سفارة بلاده عن ما يجري في أروقة مدعي الوطنية الزائفة في طبقة الموظفين الذين يعيقون الاستثمار بعدة طرق؟
السؤال الأهم الذي يطرحه الدكتور ممدوح العبادي: إذا لم يكن بصدد الربح.. لماذا يدفع أي مستثمر مالا عندنا؟.
بكل حال موضوعنا اليوم عن افتقاد النخب الأردنية لمهارة التفاوض ليس أكثر ولا أقل إما بسبب إصرار أصحاب القرار على تعيين «الأصدقاء والمعارف فقط» في مواقع الصف الأول أو بسبب المحاصصة البغيضة التي ترفع شعار «الولاء يسبق الكفاءة».
قلناها مئات المرات ونكررها..الأردن يعاني من «أزمة أدوات» حيث الارتجال والعشوائية والاستعراض ومصالح شللية بدلا من الاحتراف والمهنية والايمان بالخدمة العامة.
قالها الملك شخصيا مرة عندما استفسر.. «هل أحضر لكم وزراء من الصين؟».
لا يحتاج الأمر لأكثر من وزراء ومسؤولين لديهم القدرة على فهم ما الذي يجري في الصين.
باختصار: يرتدي عدد لابأس به من أصحاب الوظيفة العليا في الأردن زيا أكبر من قياسه أو أصغر فيتعثر بملابسه أو حذائه بكل حال وينشغل به ويتوقف عن الانتاج او مقاربات الإبداع…هذا حصريا ما يحصل على الأرجح.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول غادة .الشاويش_بيروت سابقا_عمان الان!:

    توصيف دقيق وموضوعي جدا للازمة سيد بسام أولا شكرا لجريدة القدس على صحفيها وكاتبها البهي الذكي بسام وشكرا لقلمك المرصع بكثير من الواقعية وشلال من الذكاء والاعتدال ويأتي لنا كاردنيين محملا بما يدور فعلا في الصالون السياسي الداخلي والدبلوماسي الخارجي نحن في عنق زجاجة استراتيجي يلزمنا تنويع خيارات وحضارة امنية ضد اختراق الاردن امنيا وسياسيا من بوابة العراق وسوريا والأزمة الاقتصادية وضد التغول الإسرائيلي المتهور الذي يشكل بحق تهديدا استراتيجيا للكيان نحن ندفع ثمن الترهل والفساد السياسي وبدائية مشاريع الإصلاح في أسوأ ظرف إقليمي عرفناه عبر التاريخ فهل نعرف كيف نناور ونسلم من هزات داخلية تستثمر في جوع المواطن الترهل الطبقة السياسية لقلب الطاولة امنيا وسياسيا شعارنا الله أكبر صح بس كمان الله يستر خيي بسام
    المحبة غادة

  2. يقول عبدالله الفارسي:

    لو تدفقت المليارات الى خزينة الأردن .. فلن يتغير شيء في الواقع الأردني أو تحديدا في واقع الأردنيين البسطاء ..
    الحكومات الفاسدة لا يمكن إصلاحها حتى لو تدخلت معجزات ربانية .

  3. يقول هاني الشرعة:

    من أفضل مقالاتك واشكرك عليه ، الحكومة الحالية ليست بمستوى الطموح ، واعتقد ان جلالة الملك بات صبره ينفذ منها ، البرلمان الحالي من أضعف برلمانات الاردن ، وبالتالي شقي المعادلة ضعيف ، ولا ينتج افكار أو حلول أو برامج داخل وخارج الاردن ، المصيبة في في الجهات التي تزكي اشخاص هم ليسوا لصالح الوطن ، بل لصالح اجنداتهم الشخصية ، وبعد مرور الاسابيع يكتشف الملك والشارع أنهم نتاج تقاطع تلك المصالح ، فيما الوطن يكون على اخر سلم الاولويات ، حمى الله الاردن وجلالة الملك

    1. يقول الحرحشي-المفرق:

      لا يمكن ان يكون من هو الاساس غي المشكلة او الازمة ان يكون الحل. الاردن بحاجة الى اصلاح سياسي قبل الاصلاح الاقتصادي لان الاصلاح الاقتصادي سيكون مصيرة الفشل اذا يسبقة اصلاح سياسي حقيقي لا ضحك على الذقون. الشعب الاردني يريد شيء ملموس غمنذ عشرين عام ويتكلم عن الاصلاح ولم نرى سوى تسويف ومماطلة وكسب الوقت والاردن لا يحتمل اهدار المزيد من الوقت لان الوطن قد وصل الى حافة الهاوية في ظل سياسية فاشلة قادة الى المزيد من المشاكل والمزيد من الفساد واهدار المزيد من مقدارات الوطن. اذا من هو اساس المشكل لا يمكن ان يكون هو الحل

  4. يقول سامح //الأردن:

    *في حاجة غلط وغير مفهومة..؟
    *هل يعقل الأردن يخلو من طاقم
    (اقتصادي) قدير ..؟؟؟!!!
    أصلا الأردن يفتقر لكل شيء إلا الخبرات
    في رجال مخلصين ولكن للأسف مغيبين
    ولم تعطى لهم الفرصة.
    حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين.
    سلام

  5. يقول توجان فيصل:

    القصة ليست قصة مشاريع مقنعة أو غير مقنعة. القصة قصة فساد. و”المانحون” منتخبون ديمقراطيا” ويعرفون اين تذهب المنح التي يدفعونها من أموال دافعي الضرائب وليس من جيوبهم هم . ودافعي الضرائب يشهدون ويروون بل و”ينشرون” ما يشاهدونه من بذخ المسئولين الذي ينافس بذخ ساسة الدول النفطية, ولا يتاح جزء منه لساسة الغرب المنتخبين . والتبرير الوحيد المقدم لهم هو أنهم يشترون بها مواقف لصالح سياساتهم الخارجية, ولكن هذه تم دفع أضعاف ثمنها ومردودها بات سالبا أو حتى عكسيا نتيجة ذات الفساد المسبب لاحتجاجات شعبية متصاعدة.

إشترك في قائمتنا البريدية