الأزمة الأمريكية الإيرانية والعودة إلى قرار مجلس الأمن 2231

عبد الحميد صيام
حجم الخط
1

نيويورك-»القدس العربي»: في 8 آذار/مارس عام 2006 قامت الوكالة الدولة للطاقة الذرية بتحويل ملف الانتهاكات الإيرانية لاتفاقية عدم الانتشار النووي (NPT) إلى مجلس الأمن الدولي كون إيران عضوا في تلك الاتفاقية. بدأ مجلس الأمن بمراجعة تلك الانتهاكات وأصدر سبعة قرارات متتالية خلال ثماني سنوات تتعلق بفرض عقوبات على إيران ومطالبتها بالكف عن القيام بأنشطة لا تخضع لمراقبة مفتشي الوكالة الذرية، ما يعني أن هناك نية للسير في طريق إنتاج أسلحة نووية آجلا أم عاجلا. وقد اصطفت الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالإجماع على ضرورة ردع إيران من الاستمرار في برنامجها النووي، بينما ظلت إيران ترفض تنفيذ تلك القرارات إلا إذا تم التوصل إلى اتفاقية ملزمة تحدد مسؤولية كل الأطراف.
أحست الدول النووية الخمس إضافة إلى ألمانيا، صاحبة فكرة دعم شاه إيران في إنشاء برنامج نووي، أن إيران عازمة فعلا على الاستمرار في هذا النهج وأن التهديدات الأمريكية الإسرائيلية السعودية لن تردعها. وبتشجيع من الصين وروسيا ورغبة قوية من الدول الأوروبية الثلاث، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بدأت رحلة المفاوضات العسيرة التي استمرت خمس سنوات إلى أن توصل الطرفان إلى اتفاقية ملزمة تم التوقيع عليها يوم 14 تموز/يوليو 2015. وللحقيقة فإن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما لعبت الدور الرئيسي لإنجازها رغم الضغوط الكبيرة والعراقيل المتواصلة لثنيه عن التوقيع على الاتفاقية بما في ذلك تحريض غير مسبوق في التاريخ قام به رئيس وزراء الكيان الصهيوني ضد رئيس البلاد داخل قبة الكونغرس يوم 3 آذار/مارس 2015 ومع هذا تم التوقيع. وقد أطلق على الاتفاقية اسم «خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA».

قرارات المجلس بين عامي 2006 و 2014 ورزمة العقوبات

اعتمد مجلس الأمن بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية سبعة قرارات. اعتمدت تحت الفصل السابع وبنوع من الإجماع. وكي لا أثقل على القارئ في تعداد تلك القرارات وما جاء فيها إلا أنني أستطيع تلخيص مجمل محتوياتها في مجموعة شروط طلب من إيران تنفيذها، ومجموعة تدابير طلب من المجتمع الدولي الإلتزام بها ومراعاتها للضغط على إيران كي لا تستمر في متابعة بناء قدراتها النووية. فمثلا تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 1696 بتاريخ 31 تموز/يوليو2006 تحت الفصل السابع بغالبية 14 صوتا وامتناع قطر عن التصويت والذي طالب إيران وقف تخصيب اليورانيوم وجميع الأنشطة المتعلقة بالتخصيب مثل البحوث والتجهيز والتطوير. كما طالب الدول الأعضاء بالإلتزام بالقرار ومنع نقل أي أصناف أو مواد أو سلع أو تكنولوجيا قد تساهم في أنشطة إيران النووية وبرامجها المتعلقة. كما فوض القرار الوكالة الدولة للطاقة الذرية بالتحقق من تطبيق بنود القرار. أما الرزمة الثالثة من مضامين القرارات فتتعلق بالقذائف التسيارية. شملت العقوبات التي فرضت على إيران مؤسسات وكيانات وأشخاصا، لهم علاقة ببرنامج إيران النووي. بينما أضاف القرار 1737 المعتمد بتاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر 2006 مجموعة من الإجراءات العقابية ضد سبع شركات وكيانات مشتركة في البرنامج النووي، في مقدمتها هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، فضلا عن كيانات نووية وعسكرية وثلاثة كيانات مشتركة في برنامج القذائف التسيارية وسبعة أشخاص مشتركين في البرنامج النووي وأربعة أشخاص مشتركين في برنامج القذائف التسيارية وكذلك قائد الحرس الثوري آنذاك اللواء يحيى رحيم صفوي.
وتابع المجلس اعتماد القرارات التي تشمل تذكير إيران بمسؤوليتها ومطالبة المجتمع الدولي بحرمان إيران من أي مواد قد تساعدها في تخصيب أو معالجة المواد المتعلقة ببرنامجها النووي وإضافة كيانات ومؤسسات وأشخاص لقائمة العقوبات.
القرار 1747 الذي اعتمد بتاريخ 24 آذار/مارس 2007 والذي أقر بالإجماع أضاف شيئا جديدا وهو مطالبة جميع الدول والمؤسسات المالية الدولية إلى «عدم الدخول في التزامات جديدة لتقديم منح ومساعدات مالية وقروض تساهلية إلى حكومة جمهورية إيران الإسلامية، إلا إذا كان ذلك لأغراض إنسانية وإنمائية». كما ألحق بالقرار مرفقان يحتويان على قائمة اسماء جديدة تشملها العقوبات.
اعتمدت بعد ذلك القرارات 1803 (2008) الذي أضاف قائمتين لمجموعة العقوبات. كما اعتمد المجلس القرارات 1835 (2008) و1929 (2010) بعضها يشمل فرض عقوبات جديدة وجميعها تدعو إيران إلى القيام بالتزاماتها حسب ما نصت عليه جميع قرارات مجلس الأمن. وفي 9 حزيران/يونيو 2015 اعتمد القرار 2224 والذي جدد ولاية فريق الخبراء المكلف بمراقبة العقوبات، لكن أخبار الاتفاق بين الدول الست وإيران كانت قد انتشرت وأصبح من المؤكد رجوع أطراف الاتفاقية لمجلس الأمن لاعتمادها من جهة ومن أجل رفع العقوبات عن إيران من جهة أخرى.

قرار اعتماد الاتفاقية 2231

نجت الجهود الدبلوماسية في التوصل إلى حل شامل ومعقول وبعيد المدى للمسألة النووية الإيرانية عبر اتفاقية «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي أبرمتها الأطراف الستة مع إيران وبحضور ممثل عن الاتحاد الأوروبي، يوم 14 تموز/يوليو 2015.
وقد صوت المجلس بالإجماع يوم 20 تموز/يوليو 2015 على القرار2231 لاعتماد خطة العمل الشاملة المشتركة وأعرب عن رغبته في إقامة علاقة جديدة مع إيران معززة بتنفيذ خطة العمل مقابل إنهاء العمل بكافة قرارات مجلس الأمن والتي تشمل العقوبات الواردة في تلك القرارات. ويضع القرار القيود المحددة التي تسري على جميع الدول والواجب تنفيذها حسب المادة 25 من الميثاق.
والقرار يشمل 28 فقرة عاملة ويصل مع ملحقاته إلى 148 وليس من الحكمة العودة إلى تفاصيل القرار والتي تشمل أجزاء تقنية يصعب استيعابها لغير المتخصصين.
تم اعتماد الخطة رسميا بعد تسعين يوما من قرار مجلس أي يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر 2015، واعتبر يوم 16 كانون الثاني/يناير 2016 هو بداية تنفيذ الخطة.
ويحدد القرار المذكور الجداول الزمنية ودور مجلس الأمن ودور الأمين العام للأمم المتحدة ودور الوكالة الدولية للطاقة الذرية ودور اللجنة المشتركة في قناة المشتريات والتي تشمل مسؤوليتها استعراض وتقديم توصيات بشأن اقتراحات الدول حول المشاركة في الأنشطة المتصلة بالمجال النووي المسموح بها عن طريق فريق عامل معني بالمشتريات.

انتهاك الاتفاقية

بدأ تنفيذ الالتزامات من جانب إيران بالتزامن مع رفع العقوبات. وسارت الأمور بشكل منتظم لغاية انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. وقد وضع إلغاء الاتفاقية جزءا من برنامجه الانتخابي. إيران من جهتها التزمت بنسبة تخفيض اليورانيوم وعدد أجهزة الطرد المركزي كما نصت عليها الاتفاقية. وبدأت تحول مجموعة من المنشآت النووية إلى مواقع أبحاث وإنتاج للطاقة النووية السلمية كما نصت عليها خطة العمل الشاملة المشتركة. كما أوفت أوروبا والولايات المتحدة برفع العقوبات والسماح لإيران باسترداد الأموال المجمدة حسب بنود الخطة. وسارت الأمور على ما يرام لغاية انتخاب دونالد ترامب الذي وضع في أولوياته إلغاء الاتفاقية. وقد برّ بوعده يوم 8 ايار/مايو 2018 حيث وقع مذكرة رئاسية تعلن انسحاب بلاده من الاتفاقية وفرض عقوبات اقتصادية شاملة على إيران بحجة دعم النظام وتمويله «لمنظمات إرهابية أهدر فيها ثروات شعبه» فقد سمح الاتفاق النووي لطهران «بالاستمرا في تخصيب اليورانيوم لأن هذا الاتفاق الكارثي أعطى النظام الإيراني الإرهابي ملايين الدولارات» كما قال ساعة توقيع مرسوم الانسحاب.
كما قام البيت الأبيض ببذل جهود كبيرة لوقف أو عرقلة الصادرات النفطية الإيرانية وإعطاء الإذن لإسرائيل لمهاجمة ناقلاتها البحرية. كما صنفت إدارة ترامب عددا من قوات النخبة العسكرية مثل الحرس الثوري منظمات إرهابية. ووضع ترامب خطة صارمة لفرض عقوبات جديدة تستهدف قطاعَي الفولاذ والبتروكيميائيات كما عزز مواقعه العسكرية في منطقة الخليج.
الشركاء الأوروبيون كانوا يتمنون على إيران أن توفي بالتزاماتها بعد الانسحاب الأمريكي بينما انصاعت لتهديدات ترامب والتزمت بنوكها وشركاتها برزم العقوبات. فماذا كان ينتظر من إيران؟ إذا كان خرق الاتفاقية جاء من الولايات المتحدة وتبع ذلك سلسة من الاستفزازات العسكرية في منطقة الخليج وتسليح متطور للدول الخليجية. كما عمل ترامب على إنشاء تحالف دولي واسع ضد إيران تجسد في مؤتمر «وارسو» يومي 13 و 14 شباط/فبراير 2019 والذي عقد تحت مسمى «السلام والأمن في الشرق الأوسط» شارك فيه نحو 60 دولة من بينها دول عربية عديدة بهدف عزل إيران وتطويقها وتدمير اقتصادها.
إيران توصلت من جهتها إلى نتيجة مفادها أن العودة للاتفاقية لن تتم بالشروط السابقة وأنها إن لم يكن لديها أوراق تفاوض قوية وجديدة حول برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية وشبكة علاقاتها مع دول مهمة مثل الصين وروسيا فلن يأبه بها أحد وستصبح أية مفاوضات في المستقبل نوعا من الإملاءات. وهذا ما تم فعلا حيث أعلنت أنها لن تلتزم بنسبة التخصيب المتفق عليها في الاتفاقية وهي 3.67 ولا بعدد أجهزة الطرد المركزي المنصوص عليها وهي 5060 حيث أعلنت رفع نسبة التخصيب إلى 20 ثم إلى 60 في المئة وأضافت نحو ألف جهاز طرد جديد.

هل الحل بالعودة إلى القرار 2231؟

تغيرت كثير من الأمور في المنطقة في السنوات الأربع الماضية. الاقتصاد الإيراني في وضع صعب والتململ الداخلي واضح حيث اضطرت قوات الأمن لإخماد المظاهرات بالقوة. كما أن إيران إضافة إلى توسع برنامجها النووي نجحت في تعزيز ترسانتها من الصواريخ البالستية بعيدة المدى وطورت قواتها البحرية والطائرات المسيرة. أضف إلى ذلك تشابك أجهزتها الأمنية وخبرائها العسكريين في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن، ووضعت مفاتيح حلول تلك الأزمات في يدها. وكل ذلك أوراق ضغط في مفاوضات فيينا.
نعتقد أن مفتاح الحل للأزمة النووية الإيرانية مع الدول الست هو في إعادة الإلتزام بقرار 2231 مع بحث إمكانية التوصل إلى بروتوكول إضافي يتعلق بالأزمات الإقليمية من جهة وحرية الشحن البحري وتصدير النفط مقابل رفع العقوبات بشكل كامل. لقد فشل ترامب في جر أعضاء مجلس الأمن لتأييده في إعادة تفعيل العقوبات. ولم يجد من يؤيده في تلك المحاولة إلا الجمهورية الدومنيكانية مقابل 13 عضوا. هذا يعني أن الغالبية الساحقة ملتزمة بالاتفاق من جهة وبقرارات مجلس الأمن حول الموضوع من جهة أخرى. قد يتفاوضون في فيينا لأشهر طويلة لكن لا حل للأزمة إلا برفع العقوبات وعودة الجميع إلى الإلتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة والتي تم تفعيلها واعتمادها دوليا بقرار من مجلس الأمن اعتمد بالاجماع.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عائشة، المغرب:

    صحيح أن الحل المقترح في هذا المقال الملم جدا بهذا الملف، هو الانجع للصراع بين طهران وواشنطن. لكن ماذا لو كان الهدف من هذه المحادثات والدراما التي رافقتها منذ سنوات هو منح ايران المزيد من الوقت لتطوير قدراتها النووية حتى تفاجئ العالم هي الاخرى بإجراء تجارب نويية وتضع الجميع أمام الامر الواقع، مثلما حدث مع كوريا الشمالية؟ لسنوات كنا نبيت ونصبح على أخبار الصراع بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة حول البرنامج النووي الذي انتهى بلقاء ودي بين ترامب وكيم وكأن شيئا لم يكن، ودخلت كوريا ساحة القوى النووية ولم نعد نسمع بتهديدات واشنطن والعواصم الغربية. غزو العراق وتهديمه انتهى بتمكين النظام الايراني وتمدده في المنطقة عبر اذرعه في كل من العراق، لبنان وسوريا. فمن الصعب تصديق أن هناك صراعا حقيقيا بين واشنطن وايران واسرائيل. الحلف الامريكي والاورو اسرائيلي هو حلف المكر والخداع ولقد كان العرب أهم ضحاياه في المنطقة. ولو كان هدف مسلسل المفاوضات النووية هو حقا منع إيران من تنمية قدراتها النوويية، كما يزعمون، لكلفت إدارة ترامب إسرائيل بنسف كل مرافق البرنامج ولو كانت في سابع أرض. أخشى أن تكون العصابة الغربية وحليفها الاسرائيلي كعادتهم يقولون عكس ما يفعلون..

إشترك في قائمتنا البريدية