الأزمة الخليجية: من قرصنة وكالة أنباء إلى اكتفاء دولة

نورالدين قلالة
حجم الخط
0

 الدوحة-“القدس العربي”: في الخامس من حزيران/يونيو2017 أعلنت السعودية والبحرين والإمارات ومصر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وبدء حصارها، وطلبت من الدبلوماسيين القطريين المغادرة، وأغلقت كافة المجالات والمنافذ الجوية والبرية والبحرية مع الدوحة. وفور الإعلان ردت الخارجية القطرية في بيان لها أوردته وكالة الأنباء القطرية الرسمية عن أسفها واستغرابها الشديد من قرار دول في مجلس التعاون الخليجي، وقالت إن هذه الإجراءات “غير مبررة وتقوم على مزاعم وادعاءات لا أساس لها من الصحة”. وأضافت أن دولة قطر تعرضت لحملة تحريض تقوم على افتراءات وصلت حد الفبركة الكاملة “ما يدل على نوايا مبيتة للإضرار بالدولة”.

وقصة الأزمة الخليجية الراهنة بدأت باختراق موقع وكالة الأنباء القطرية “قنا” وفبركة تصريحات منسوبة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لتتحول واحدة من أخبث جرائم ومؤامرات العصر الإلكترونية إلى حصار شامل بعد غلق الممرات الجوية والبحرية على قطر وقطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، في سابقة خطيرة داخل بيت مجلس التعاون الخليجي.

على إثر فضيحة الاختراق وجسامتها كسابقة خطيرة في تاريخ العلاقات الدولية، بدأت قطر تحركاتها السياسية والدبلوماسية بحكمة، بالشروع في إجراء تحقيقات بمشاركة مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي” أف بي آي”.

وفي 20 تموز/ﻳﻮﻟﻴﻮ2017 أﻋﻠﻨﺖ وزارة اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ في ﻣﺆﺗﻤﺮ صحافي ﻧﺘﺎﺋﺞ تحقيقها في اﺧتراق ﻣﻮﻗﻊ “قنا” في 23-24 أيار/ﻣﺎﻳﻮ 2017 وﻗﺪﻣﺖ أدﻟﺔ ﺗظهر فيها ﺿﻠﻮع ﻗﺮاﺻﻨﺔ ﻣﺘﻮاﺟﺪﻳﻦ في دول الحصار باختراق الموقع بهدف نشر أﺧﺒﺎر كاذبة ﻋﻦ أمير قطر الشيخ ﺗﻤﻴﻢ ﺑﻦ ﺣﻤﺪ آل ثاني.

كما ذهب ﻣﻤﺜﻠﻮ وزارة اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ إلى أبعد من ذلك ﺣﻴﺚ ﻛﺸﻔﻮا أن ﻋﻤﻠﻴﺔ الاختراق قد بدأت قبل شهر من نشر الخطاب المفبرك المنسوب لأمير قطر. حينها أعلنت الحكومة القطرية أنها ستتخذ كافة الإجراءات المناسبة لمقاضاة مرتكبي هذه الجريمة النكراء.

إضافة إلى ذلك توصل الفريق التقني إلى رقم هاتف أوروبي تم استخدامه في عملية الاختراق.

ردت قطر على هذه القرصنة واتهامها من طرف دول الحصار بدعم الإرهاب، برفضها جملة وتفصيلا، مؤكدة أن قائمة الإرهاب التي أصدرتها دول الحصار ما هي إلا حركة استعراضية ذات أهداف سياسية، لا علاقة لها بالإرهاب، وتضمنت القائمة 59 شخصية، من بينها رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي، وكذلك 12 هيئة، منها مؤسستا قطر وعيد الخيريتان.

وأشارت إلى أن منظمة الأمم المتحدة نفسها انتقدت هذه القائمة وأثارت تساؤلات حول قيمتها، كما أبرزت جهودها في مكافحة الإرهاب، موضحة كيف تدعم وتساند الإرهاب وهي:

-عضو مؤسس في التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، حيث يتم استخدام قاعدة العديد الجوية كنقطة انطلاق لهجمات التحالف.

-عضو مؤسس في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب GCTF حيث تنسق مع 29 دولة أخرى بما فيها الولايات المتحدة وتركيا.

إعلان الحصار

وفي 17 تموز/يوليو 2017 كشفت صحيفة “واشنطن بوست” نقلا عن مسؤولين في المخابرات الأمريكية قولهم إن الإمارات العربية المتحدة تقف وراء اختراق وكالة الأنباء القطرية ومواقع حكومية أخرى، وهو ما أدى إلى اندلاع أزمة الخليج. وحسب الصحيفة، فإنه ليس من الواضح من معلومات المخابرات الأمريكية ما إذا كانت الإمارات هي التي قامت بالقرصنة بشكل مباشر أو أنها أوكلت لمتعاقدين القيام بذلك.

وفي 19 تموز/يوليو 2017 أكدت قناة “أن بي سي” الأمريكية نقلا عن مسؤولين أمريكيين، صحة التقارير عن قرصنة الإمارات وكالة الأنباء القطرية. ونقلت القناة عن مسؤول أمريكي استخباراتي أن واشنطن ترى أن الإمارات مسؤولة عن قرصنة الوكالة، وأنها استخدمت متعاقدين خاصين لتنفيذ العملية.

وكانت مواقع الكترونية أمريكية نشرت في حزيران/يونيو 2017 عينة من وثائق مسربة، تُظهِر سعي الإمارات لاستهداف قطر والكويت بدعم من منظمات موالية لإسرائيل.

وفي الوقت الذي صرح فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب  في تغريدة له إن عزل قطر يمكن أن يكون “بداية النهاية لرعب الإرهاب”. كانت الإمارات تهدد مواطنيها والمقيمين على أراضيها وتقول إن إبداء التعاطف مع دولة قطر أو الميل نحوها أو محاباتها بأي تغريدة على وسائل التواصل الاجتماعي سيعاقب بغرامة مالية باهظة لا تقل عن خمسمئة ألف درهم والسجن النافذ لمدة تصل إلى 15 عاما.

لكن في المقابل قام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بالمصادقة على اتفاقية بشأن تعزيز التعاون العسكري بين بلاده وقطر. ثم توالت النداءات الدولية بضرورة رفع الحصار عن قطر، كما حدث تغيير في بعض مواقف الدول على غرار الولايات المتحدة التي وقعت اتفاقية مع قطر لبيعها مقاتلات أف 15 في صفقة قدرت قيمتها بـ12 مليار دولار. كما أجرت القوات البحرية الأمريكية مناورات عسكرية مع القوات البحرية القطرية، شملت تدريبات عدة تتعلق بالعمليات البحرية، إضافة إلى تمارين بالاشتراك مع الطائرات. وفي هذا الوقت أعلنت مديرية التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع القطرية وصول أولى طلائع القوات التركية إلى الدوحة.

شروط رفع الحصار

وكشفت دول الحصار عن مطالب تقدمت بها إلى قطر كشروط لرفع الحصار عنها، وأهم ما تضمنته، إغلاق القاعدة العسكرية التركية، وخفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، وإغلاق قنوات شبكة “الجزيرة” وكل وسائل الإعلام التي تدعمها قطر. لكن قطر رفضت هذه الشروط جملة وتفصيلا، وأعربت أنها مستعدة للحوار من أجل حل أزمة الحصار المفروض عليها شريطة عدم انتهاك سيادتها. وقال وزير خارجيتها إن قائمة مطالب دول الحصار وضُعت لكي تُرفض. ففي 22 حزيران/يونيو 2017 سلمت الكويت قائمة من 13 مطلبا من دول الحصار لقطر ومهلة 10 أيام لتنفيذها.

وبالفعل في السابع تموز/يوليو 2017 أصدرت دول الحصار بيانا مشتركا تقول فيه إن قطر لم تستجب لمطالبها التي قدمتها عبر الوسيط الكويتي، وإن هذه المطالب باتت لاغية، وتوعدت بإجراءات إضافية في الوقت المناسب، وقالت إن رفض الحكومة القطرية المطالب “يؤكد سعيها لتخريب وتقويض الأمن والاستقرار في الخليج والمنطقة”.

وبعد هذه المرحلة توالت عدة محاولات لتسوية الأزمة الخليجية، أمريكية وتركية وكويتية، ولكن دون جدوى، نظرا لتعنت دول الحصار وإصرارهم على محاصرة قطر. على الرغم من تصريحات وخطابات أمير قطر أن بلاده مستعدة لحل يقوم على مبدأي احترام السيادة والابتعاد عن الإملاء، مؤكدا أن أسلوب الحصار أساء إلى جميع دول مجلس التعاون. لكن الأمر استمر على ما هو عليه وطال الحصار عدة قطاعات في قطر، وبلغ الأمر إلى حد منع القطريين من أداء مناسك العمرة والحج.

وفي أواخر شهر تموز/يوليو 2017 قامت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية برفع شكوى إلى المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بحرية الدين والعقيدة، بشأن التضييقات السعودية على حجاجها ومعتمريها.

وبعد إعلان السعودية في التاسع آب/أغسطس “تعطيل أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر حتى يصدر منها تصريح واضح تبين فيه موقفها بشكل علني، وأن تكون تصريحاتها بالعلن متطابقة مع ما تلتزم به” يطالب وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة في 30 تشرين الأول/أكتوبر بتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي “لحين تجاوبها” مع مطالب دول الحصار الأربع.

وبعد ذلك بحوالي شهر يعلن أمير قطر في خطاب بمناسبة افتتاح الدورة 46 لمجلس الشورى أن بلاده اتبعت سياسة ضبط النفس و”التسامي فوق المهاترات والإسفاف” إزاء حملة دول الحصار عليها، مبينا أن هذا النهج أكسب قطر احترام العالم، مشددا على أن مشاريع تنمية البلاد مستمرة، ولن تنجح دول الحصار في عرقلتها.

وفي 17 كانون الأول/ديسمبر يعلن وزير الخارجية القطري في مقابلة مع وكالة الأنباء القطرية بمناسبة اليوم الوطني إن قطر نجحت في إدارة الأزمة “غير المسبوقة” مع دول الحصار، وجدد استعداد بلاده لحوار شفاف من أجل حلها، ولكنه أشار إلى أن الانتهاكات الحقوقية هي التي تثير القلق. وكانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر قد أعلنت إنها استقبلت منذ بدء الحصار 3970 شكوى بانتهاكات، في رابع تقرير يرصد آثار الحصار. وأكدت اللجنة أن ما تعرضت له قطر ليس مجرد قطع علاقات دبلوماسية، وإنما انتهاكات ترقى إلى عقوبات جماعية بحق المواطنين والمقيمين في الدولة ومواطني دول مجلس التعاون.

قطار التنمية يتجاوز الحصار

في 17 شباط/فبراير 2018 يصف أمير قطر الحصار على بلاده بالفاشل. ويدعو خلال مؤتمر ميونيخ للأمن دول منطقة الشرق الأوسط إلى الاشتراك في اتفاقية أمنية جامعة لكي تتمكن من إنهاء الاضطرابات.

وفي 15 اذار/مارس 2018 تطلق قطر خطة للتنمية مدتها خمس سنوات تركز على جعل الدولة الخليجية أكثر اعتمادا على نفسها في مواجهة الحصار الذي تفرضه أربع دول عربية أخرى عليها.

وإذا كانت السنة الأولى من الحصار قد شهدت تحركات سياسية وحقوقية لكشف ظلم الحصار، وتحركات دبلوماسية لمحاولة تسوية الأزمة الخليجية، فإن السنة الثانية اعتبرت الحصار بالنسبة لقطر كما لو كان قدرا محتوما، وبدأت في البحث عن مكنزمات للتكيف مع استمراره، من خلال دفع عجلة التنمية والاعتماد على النفس، والالتفاف حول ضرورة الانتهاء من تجهيز البنية التحتية استعدادا لتنظيم أكبر تظاهرة رياضية في العالم وهي كأس العالم 2022.

وهكذا رفعت قطر التحدي لمواجهة الحصار، على الرغم من أن ما يقرب من 80 في المئة من احتياجاتها الغذائية تأتي من دول الخليج العربية المجاورة خاصة السعودية، فيما ينتج 1 في المئة فقط محليا. كما أن الواردات من خارج دول الخليج تأتي عادة عبر الحدود البرية مع السعودية المغلقة الآن.

وتشكل حصة دول الخليج العربي مجتمعة 11في المئة من حجم تجارة قطر بقيمة 10.4 مليارات دولار، وحصة دول الخليج التي قطعت علاقاتها بقطر تبلغ 9.7 مليارات دولار، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري مع الإمارات 7.1 مليارات دولار معظمها لإعادة التصدير، ويبلغ التبادل التجاري بين قطر والسعودية 1.9 مليار دولار ومع البحرين يبلغ التبادل التجاري 700 مليون دولار. وهو ما يدل أن الحصار لم يضر بقطر، وإنما أضر بدول الحصار نفسها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية