الرباط ـ “القدس العربي”: اختار “الأساتذة المتعاقدون” في المغرب الرد على موقف الحكومة من قضيتهم، من خلال تنظيم مسيرة حاشدة بالشموع جابت شوارع مراكش مساء الخميس، فيما نظمت وقفات احتجاجية في مدن مغربية أخرى، واتخذ الاحتفال بيوم المرأة العالمي طابع استنكار العنف الذي طال نساء التعليم المعتصمات والمطالبات بإلحاقهنّ وزملائهن بالوظيفة العمومية، عوض فرض نظام التعاقد عليهن.
الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة اتخذ طابع استنكار التعنيف الذي طال المعلمات المعتصمات
وردد الأساتذة شعارات بالإنجليزية والفرنسية في المدينة السياحية الأولى بالمغرب مراكش، وأناروا ليل هذه المدينة بشموع حملوها مع شعارات تنادي بـ”حرية، كرامة، عدالة اجتماعية”. واختتمت المسيرة التي شارك فيها حوالي ستة آلاف أستاذ بإلقاء كلمة باللغة الإنجليزية، دون أي تدخل من طرف السلطات، بخلاف الأسلوب العنيف الذي جرى التعامل به ليلة الثلاثاء مع الأساتذة المعتصمين أمام مقارّ الإدارات المحلية لوزارة التعليم في عدد من المدن المغربية، وهو الأمر الذي أثار استنكاراً واسعاً.
وعلى غرار مراكش، شهدت مدن أخرى احتجاجات مماثلة، مساء الخميس وصباح الجمعة، استحضرت اليوم العالمي للمرأة وما تعرضت له المشاركات في الاعتصامات ليلة الثلاثاء المنصرم. وأفادت مصادر أن مدينة تطوان عرفت حضوراً مكثفاً للأساتذة القادمين من مختلف أنحاء الإقليم، وسط جو من الحذر من حدوث أي تدخل أمني، وهو ما نقله شريط فيديو، حيث ظهر الإنزال الأمني مكثفاً، وكشف بعض الأساتذة أنه طُلب منهم مغادرة مكان الاعتصام بعد الاحتجاج وعدم الإصرار على المبيت، وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي أن المحتجين طلبوا من رجال الأمن في حالة التدخل عدم استعمال العنف، خاصة بعدما تابعوا ما حصل مع زملائهم ليلة الثلاثاء.
وإلى الجنوب الشرقي، بمدينة الرشيدية، اعتصم الأساتذة المتعاقدون أمام المحطة الطرقية وسط تطويق أمني أول أمس الخميس، فيما خرج طلبة الجامعة في مسيرة تضامنية مع الأسرة التعليمية، وسط تطويق أمني مشدد، وعلى الرغم من ثنيهم عن الالتحاق بالأساتذة المضربين، فقد أصر الطلبة على الالتحاق بهم، ما أدى إلى مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين. وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً للحجارة وإضرام النار وحالة فوضى بالشارع ومطاردات في مختلف الأحياء المحيطة بالمجمع الجامعي، وتحدثت مصادر من عين المكان عن حدوث اعتقالات في صفوف الطلبة.
ولم يغب اليوم العالمي للمرأة عن احتجاجات الأستاذات والأساتذة المتعاقدين الذين خلدوا “العيد” على وقع الشعارات الغاضبة في تجمعات احتجاجية أمام وزارة التربية الوطنية في الرباط، مقررين ـ إلى غاية كتابة هذه التقرير ـ السير في مسيرة احتجاجية نحو البرلمان، تتصدر فيها قضية الأستاذات والنساء عموماً واجهتها وشعاراتها. وهو نفس ما ذهب إليه زملاؤهم في الدار البيضاء، حيث تم تنظيم وقفة أمام مركز مهن التربية والتكوين “غاندي” بحضور مكثف للأساتذة، تركزت شعاراتها حول “إسقاط التعاقد”.
وفي تصريح لـ”القدس العربي”، قالت صفية كجي منسقة “التنسيقية الإقليمية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد: “اليوم يتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وفي هذا اليوم تخرج المربية بالمغرب للاحتجاج على ما آلت إليه المنظومة التربوية والتعليمية من أوضاع، بالنسبة لنا كأستاذات نحن إلى جانب زملائنا نناضل حتى تحقيق العدالة والكرامة وحتى تحقيق الإدماج وإسقاط هذا المخطط المشؤوم”، مضيفة أن السلطات “لم تميز في اعتصام الثلاثاء الذي عرف تدخلاً عنيفاً بين النساء والرجال، حيث كانت هناك إصابات في صفوف الأستاذات، وكان أخطرها إصابة أستاذة على مستوى الرقبة، بالإضافة إلى الكلام النابي والفاحش الذي وجه لنا كأستاذات من طرف القوات الأمنية والنظرة الاحتقارية لنا كنساء التي تقول لنا إنه يجب أن نكون في البيت لا في ساحات الاحتجاج، هناك أستاذة تعرضت لحادث سير أثناء فض المعتصم بمراكش وما زالت بمصحة خاصة وكانت إصابات للنساء على المستوى الوطني في التدخلات الأمنية لفض اعتصاماتنا بعدة مدن”.
وفي موقف لافت، نُقل عن محمد جلول، الأستاذ المعتقل على خلفية حراك الريف وأحد قادته البارزين المحكوم بعشر سنوات سجناً نافذاً في الطور الابتدائي، أنه أعلن تضامنه مع الأساتذة المتعاقدين ومع مطالبهم، معتبراً أن معركة هذه الفئة تدخل ضمن الدفاع عن المدرسة العمومية. وقال في رسالته من سجنه في عكاشة بالدار البيضاء: “بداية أحيي عالياً، من موقع الاعتقال، الأسرة التعليمية التي فرض عليها تحمل مسؤولية الدفاع عن المدرسة العمومية في ظرفية جد دقيقة وحساسة تتجه فيه الدولة نحو التملص من مسؤوليتها اتجاه قطاع مهم وحيوي”، مضيفاً: “كما أعلن تضامني المبدئي واللامشروط مع الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في معركتهم العادلة والمشروعة من أجل الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية أسوة ومساواة بإخوانهم المرسمين بقطاع التربية والتعليم. ولا يفوتني أن أندد وبشدة بجميع الممارسات القمعية واللاأخلاقية ضدهم”، خاتماً رسالته بالقول: “في الأخير، أجدد دعمي وتضامني لجميع المعارك العادلة والمشروعة التي تخضوها الشغيلة التعليمية بمختلف فئاتها دفاعاً عن كرامة الأستاذ والمدرسة العمومية”.
كما حمل القطاع النقابي بالتعليم لجماعة “العدل والإحسان” (الإسلامية المحظورة) المسؤولية للحكومة بخصوص العنف الذي طال الأساتذة المتعاقدين في عدة مدن، ووصف القطاع النقابي في بيان تضامني أصدره أول أمس الخميس، التدخل العنيف بـ”الهمجي”، معبراً عن دعمه وتضامنه المطلق مع المطالب “المشروعة”، ومؤكداً على موقف الجماعة الرافض للاختيارات “اللامسؤولة” التي تضرب مجانية التعليم والحريات النقابية للأسرة التعليمية، على حد تعبير البيان.