لا شيء في شوارع البلدة القديمة في القدس يشير إلى بدء شهر رمضان بعد أسبوع؛ بقيت الزينة والأنوار في المخازن، ومحلات كثيرة مغلقة، وبسطات الألعاب والملابس التي كانت تفرش كل سنة في هذا الشهر اختفت، لا ميزة خاصة للمطاعم، حتى بلدية القدس قررت التخلي عن وضع زينة رمضان والاحتفالات التي كانت تقام في السنوات الأخيرة، ساحة باب العامود مدمرة بالكامل بسبب أعمال الصيانة. أمس، وعد العمال بانتهاء المرحلة الرئيسية لأعمال الصيانة في هذا الأسبوع، لكنه وعد يصعب الوفاء به.
بشكل عام، يبدو أن الإحساس بالحزن على مصير الغزيين، وخيبة الأمل والخوف مما سيأتي، غيرت الشعور في شرق القدس بالاحتفال. “عمري 50 سنة، لا أتذكر رمضان مثل هذا. أتذكر الحرب في لبنان عام 1982، في حينه استمر هذا الوضع أسبوعاً أو أسبوعين، ولكني لا أتذكر مثل هذا الوضع”، قال أبو موسى، وهو بائع قهوة في سوق القطانين على مدخل الحرم. “في القدس أجواء خاصة في رمضان، لذا فإن عرب إسرائيل وسكان الضفة يأتون إلى هنا. لن يكون شيء من هذا في هذه السنة، قلوب الجميع موجوعة”، قال أبو كريم النابلسي، وهو بائع شاورما في شارع باب الواد في الحي الإسلامي.
سؤال كل سكان البلدة القديمة وشرقي القدس هو: ما سياسة إسرائيل حول الدخول إلى المسجد الأقصى في نهاية المطاف؟ منذ بداية الحرب والشرطة تقيد دخول العرب إلى الحرم، لا سيما أيام الجمع، وفي كل أيام الأسبوع. القيود تتغير من باب لآخر ومن ضابط لآخر. ولكن بشكل عام، لا يسمح للرجال أقل من 45 – 50 سنة بالدخول. وخلافاً للسابق، هذه القاعدة تسري أيضاً على النساء والأولاد.
التحليل الذي أجراه باحث جمعية “عير عاميم”، افيف تترتسكي، يظهر أن القيود التي فرضت منذ بداية الحرب على الصلاة في الحرم هي الأشد منذ احتلال إسرائيل للحرم في 1967. بالنسبة للعرب في المدينة الذين امتنعوا منذ بداية الحرب الاحتكاك مع رجال الشرطة، يرون هذه السياسة عقاباً جماعياً، تضاف إلى خطوات سياسية أخرى، منها زيادة أوامر هدم البيوت، ومنع التجمع واعتقال الأئمة وحتى مواطنين عاديين بسبب تصريحات يمكن تفسيرها كتأييد لحماس.
هناك خشية من أنه إذا استمرت سياسة فرض القيود في رمضان، فسيشجع الجهات المتطرفة ويؤدي إلى اندلاع أعمال العنف في القدس والضفة الغربية.
قبل أسبوعين، بدأت تظهر منشورات بأن وزير الأمن الوطني، بن غفير، يضغط لفرض قيود استثنائية على دخول المصلين إلى الحرم، سواء من القدس أو من إسرائيل، هذا خلافاً لموقف الجيش و”الشاباك”، الذين يعتقدون بأن إدخال المصلين سيمنع أعمال العنف ويضعف تأييد حماس.
حسب تسريبات من الكابنيت الأمني، وافق نتنياهو على موقف الوزير الذي يقول إنه سيتم أيضاً فرض قيود على دخول العرب الإسرائيليين إلى الحرم في رمضان. من هنا استنتج الفلسطينيون في القدس والضفة الغربية أنه لن يسمح لهم بدخول الحرم.
بعد الجلسة، قال ضباط في جهاز الأمن إنه لم يتم اتخاذ القرار، وإنه سيُتخذ قبل بضع ساعات على الصلاة الأولى المتوقع أن تكون الأحد القادم. وقالوا إن مناقشة ذلك تزيد التوتر. في هذه الأثناء، تقول جهات لها صلة بالقضية بأن جهاز الأمن يسعى لإبعاد القرار عن الشرطة وعن بن غفير، ونقله إلى مستوى رئيس الحكومة. وكما نشر في “هآرتس”، توقف “الشاباك” ومجلس الأمن القومي في الأيام الأخيرة عن إرسال ممثليهم للنقاشات مع بن غفير. والسكرتير العسكري لرئيس الحكومة بدأ يراكم المشاورات حول الاستعداد لشهر رمضان في فترة الحرب.
في السنوات الأخيرة، ورغم التوتر، سمحت إسرائيل لعشرات آلاف المصلين من الضفة الغربية بدخول الحرم أيام الجمعة في شهر رمضان، بل وسمحت بدخول مجموعات صغيرة من قطاع غزة. هذه العملية نجحت ونشرها المتحدثون بلسان الشرطة والجيش كدليل على حرية العبادة التي تسمح بها إسرائيل. في الفترة الأخيرة، لم يستبعد مصدر أمني رفيع إمكانية السماح للمسلمين من الضفة أيضاً بالقدوم في نهاية المطاف. الفلسطينيون من ناحيتهم لاحظوا الاستعدادات في حاجز قلنديا، التي شجعتهم على التفكير بأنه رغم التصريحات، فإن إسرائيل ستسمح بدخول المصلين من الضفة الغربية في نهاية المطاف.
تحاول الأوقاف الإسلامية، التي تدير المسجد الأقصى، أن يبثوا لإسرائيل، ضمن أمور أخرى عبر الأردن، بأنهم يبذلون الجهود حتى لا يحولوا الصلاة في المسجد الأقصى في رمضان إلى استعراضات تأييد لحماس. “سيكون الكثير من الحراس الذين سيهتمون بألا يتم رفع أعلام حماس ولن تكون حجارة، وسنظهر للشرطة بأننا نفي بما نقوله”، قال مصدر فلسطيني في البلدة القديمة.
“إذا لم يسمحوا للناس بالقدوم، فإنهم سيرتكبون خطأ كبيراً جداً”، قال منير الزغير، رئيس لجنة السكان في كفر عقب. “لماذا يتوقعون حدوث أمور سيئة؟ فليسمحوا للناس بدخول المسجد، ولن يحدث شيء. يمكن جلب الشيوخ الذين سيدعون الشباب إلى عدم افتعال المشاكل”.
في هذه الأثناء، محلات كثيرة في البلدة القديمة مغلقة، والشوارع في البلدة القديمة تقريباً مهجورة، والبسطات غير موجودة منذ بداية الحرب. “لماذا نفتح المحلات؟ لا يوجد سياح أو مصلون”، قال أمير النابلسي، وهو صاحب محل فلافل في شارع باب الواد في البلدة القديمة. “عائلتي تمتلك المحل هنا منذ 140 سنة، ولكننا لم نصادق شيئاً كهذا. هذه فترة صعبة جداً. نأمل أن ينعكس الأمر، ويحل سلام، ويأتي الناس. أنوي فتح المحل في شهر رمضان”.
نير حسون
هآرتس 5/3/2024