أثار نشر تقرير تقني مفصل، من لدن منظمة العفو الدولية يوم العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الفارط،عن عمليات تجسس ضد هاتفي مواطنين مغربيين نقاشا واسعا داخل المجتمع المدني والسياسي في المغرب. إلا أنه ظهر أن هناك حرجا حكوميا كبيرا إذ أن الإعلام الرسمي لم يشر إلى القضية لا سلبا ولا إيجابا. أما الإعلام المقرب من السلطة، وهو يختلف خطابا ولفظا عن الإعلام الرسمي، وإن كان له الهدف نفسه وهو الدفاع عن النظام ورجاله الأقوياء، فقد هاجم ضحيتي التجسس ساخرا من منظمة العفو الدولية ومن الشخصين المستهدَفين ومعتبرا كليهما «صعلوكين» ـ حسب تعبيره ـ مضيفا أن لا قيمة لهما وأن أي حكومة في العالم لا يمكن أن تجد أي مصلحة في الاهتمام بهما أو التجسس والتضييق عليهما. الشيء نفسه سيقع من الجانب الرسمي والاستعلاماتي لما راسلت شركة واتساب منذ أيام بضعة مغاربة مخبرة إياهم أن هواتفهم قد تكون تعرضت لاختراقات بواسطة برمجيات خبيثة.
شركة «إن إس أو» التي تقف وراء مد الأنظمة العربية السلطوية كالسعودية والإمارات والمغرب بهذه البرمجية الخبيثة، بإذن من الحكومة الإسرائيلية أي عمليا من أجهزة مخابراتها، متخصصة ليس سرا بل علانية في تصنيع برامج التجسس التي تمكن حكومات المنطقة وغير المنطقة من اختراق الهواتف المحمولة بل والتحكم في كل بياناتها ووظائفها. يمكن للموظف الأمني الذي يستعمل برمجية «بيجاسوس» (على فكرة اسم على مسمى) أن يتحكم في الهاتف مهما كانت درجة حمايته التقنية وأن يستعمله بشكل يقترب من الانسيابية التي يستعمله بها مالكه إذ يمكنه أخذ صور في كل وقت كما يمكنه سماع وقراءة كل النصوص والمحادثات السابقة واللاحقة. والحاصل أن رجل الأمن يرى كل شيء ولا يُرى منه شيء بل حتى لا يُحس به أو يكاد. هذه التكنولوجية الإسرائيلية الخبيثة هي الأكثر تطورا في العالم في هذا المجال كما أنها الأغلى إذ دفعت الرياض عشرات ملايين الدولارات للحصول عليها. إن شركة «إن إس أو» مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية فالجنرال أفيغدور بنغال كان يحتل داخل الشركة دورا مركزيا كرئيس لمجلس إدارتها كما أن الخبراء المعلقين في الإعلام حول «إن إس أو» يقولون إنه قد ساهم في تأسيسها أعضاء سابقون في وحدة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية متخصصة في الحروب الإليكترونية.
تبيع اسرائيل هذه المعدات القابلة للاستعمال الإجرامي بدعوى توظيفها حصريا من لدن الحكومات الصديقة أو المهادنة في حربها ضد الإرهاب. لكن ما اكتشف وأُعلن عنه حتى الآن من تجسس بواسطة برمجية «بيجاسوس» من لدن المؤسسة الكندية سيتيزن لاب أو شركة واتساب أو منظمة العفو الدولية يبرهن على أن الحكومات غير الديمقراطية تستعملها ضد المنتقدين للسياسات الرسمية من حقوقيين ومعارضين وصحافيين. وهكذا فإن الحقوقي الإماراتي الشهير أحمد منصور قد توصل، حسب تقرير لسيتيزن لاب في أغسطس/آب سنة 2015 برسالة نصية قصيرة (أس أم أس) تتضمن رابطا خبيثا.
دخلت السلطة القضائية بشكل مباشر في سياق مسرحية الدولة/ السلطة هذه، وأعطت لنفسها الحق، بدون سند دستوري أو قانوني، وفي انتهاك صريح لالتزامات العراق الدولية، بتجريم الاعتصامات، والإضرابات، وقطع الطرق، ومحاصرة المؤسسات الحكومية، مع أنها كلها وسائل سلمية
ومنصور كان قد اعتقل في 2011 أي سنة الحراك الديمقراطي في المنطقة والتي خلقت رُهابا حقيقيا لدى حكام المنطقة. سيُطلق سراحه بعد أشهر عدة قضاها في السجن ليعتقل من جديد سنة 2017 فيحكم عليه بعشر سنوات سجنا نافذا بسبب انتقاده لحكومة بلاده.
إن تكنولوجيا التواصل والتجسس جعلت من الهاتف الذكي سلاحا ذا حدين، فهو يوفرللمنتقد أداة ثورية وفعالة لنشر آرائه ومواقفه وفضح فساد أو استبداد الحاكمين، بل إن الهاتف يساعد على التنظيم والتنسيق بين المعارضين وذلك بدون حاجة لجاهزية معقدة أو مثيرة للانتباه. إلا أن هذا الجهاز الصغير والأنيق قد يتحول إلى أخطر حليف للعدو الذي تواجهه. وهكذا فإن الهاتف كان في مركز حدثين مهمين خطيرين وقعا في منطقتنا السنة الماضية، فالصحافي جمال خاشقجي سلم هاتفيه إلى خطيبته قبل سيره نحو حتفه في القنصلية السعودية في إسطنبول ظنا منه أنه حسنا فعل لما تخلص من هذا المرافق الودود الذي يتحول إلى رتل خامس حالَما يمسه خصم متربص. صديق خاشقجي، السعودي المقيم في كندا عمر عبد العزيز، قدم شكوى الشهر الماضي ضد شركة «تويتر» لأنها لم تبلغه باختراق عملاء الرياض لحسابه مما عرضه هو والأشخاص القريبين منه للخطر. وهنا يجب التذكير أن عبد العزيز كان المتعاون الأول لخاشقجي في إطار مشروع «النحل الإليكتروني» الذي كان يريد من خلاله ثلة من المعارضين السعوديين مواجهة الآلة السعودية الرهيبة «الذباب الإليكتروني» التي تضغط وتشهرعلى مدار الساعة بالمنتقدين لسياسات الرياض سواء من السعوديين أو العرب وخصوصا الصحافيين والحقوقيين منهم.
أما الواقعة الثانية فهو اعتقال الصحافي المغربي توفيق بوعشرين من لدن حوالي أربعين من عناصر الشرطة وهو يخرج من مقر عمله في الدار البيضاء في نهاية فبراير/ شباط 2018. كان أول شيء صودر منه هو هاتفه على أساس أنه قد يكون وثيقة إثبات ضده. إلا أن هذا الهاتف اختفى إلى اليوم رغم مطالبة دفاع الصحافي مرارا وتكرارا بإحضار الهاتف لأنه ـ حسب الدفاع ـ يحتوي على معلومات تبرئه وخصوصا رسائل نصية تشتمل على نكت وكلمات ودية، تلقاها أياما وأسابيع قبل اعتقاله، من بعض النساء اللواتي قدمتهن النيابة العامة على أنهن ضحايا الصحافي. كما ذكر الصحافي السجين أمام المحكمة أنه تلقى من لدن أحد أصدقائه، وهو برلماني سابق، رسالة على واتساب نبهته أربعة أيام قبل اعتقاله إلى أن مكتبه ملغم بأجهزة تصوير وتنصت.
كاتب مغربي
غريب أن نسمع أن الواتساب ومنظمة العفو الدولية تخبر بعض الأشخاص بأن هواتفهم مراقبة ومخترقة وكأنهم يشكلون خطرا يهدد بإسقاط نظام الحكم في بلادهم. مؤسف ان يصبح الصحفي المرحوم جمال خشقاجي أداة تستغل لغايات في غير محلها. اما الصحفي بو عشرين فقد حشرفي الموضوع حشرا دون اعتبار للنساء المشتكيات من ممارساته اللاإنسانية.
لماذا لم تخبر الواتساب والعفو الدولية آلاف المواطنين العرب الفلسطينيين خصوصا طالما ان الشركة اسرائيلية وذات علاقة وطيدة بالجيش الصهيوني باختراق هواتفهم ؟ هل النشطاء المغاربة وحدهم يشكلون الخطر المحدق بالنظام ؟
تتبع بعض الحقوقيين أو الصحفيين أو نخب سياسية أو مثقفة مجاهرة بمعارضتها للنظام الحاكم أسلوب متبع منذ عقود لا يخفى على أحد, إنما الجديد يا سيد هيثم إعتماد أجهزة الإستخبارات أكثر اليوم على وسائل تكنولوجية مستحدثة بدل المقدم والمخبر والعميل سابقا.
النظام الذي يفتقد لمشروعية شعبية تجده دوما يتوجس وترتعد فرائسه من كلمة حق تكشف فساده واستبداده ولو جاءت على لسان فئة محدودة من المعارضين, فكلمة الحق لها نور ولها قوة تنفذ بها للعقول والأفئدة بيسر, من البديهي إذن أن تلجأ الأنظمة المتسلطة إلى حجب النقد والتقويم بتكميم الأفواه من جهة ثم بث خطاب مغلوط يزيف الحقائق من جهة أخرى.
شكرا على ملاحظتك القيمة يا أخي أحمد السنوسي. طبعا التجسس على المعارضين بل حتى على الحلفاء في مواقع المسؤولية أمر جاري به العمل وفي أعرق البلدان الديموقراطية. وبالطبع مع تطور التكنولوجيا تتطور أدوات التجسس و أساليبه، لكن المشكل عندنا في المغرب هو أن البعض يغلف مواقف سياسية معارضة طبعا بغطاءات حقوقية؛ ولذلك نجد في الغالب نفس الأشخاص يظهرون في كل الظروف و المناسبات بهذه الغطاءات. خذ مثلا قضية اعتقال الصحفية هاجر الريسوني، عوض الدفاع عنها من منطلق مبدإ الحريات الفردية وحق المرأة في التصرف في جسدها ( أي عدم تجريم العلاقات الرضائية والحق في الإجهاض ) تم تسييس الملف ( رغم أن هذا التسييس موجود بالفعل لإبراز تناقض موقف العم الفقيه الريسوني ) وإظهارها صحفية مزعجة للمخزن وذلك من أجل إحراج هذا الأخير. مع تحياتي الأخوية.
من شبه المؤكد أن البرنامج الخبيث *بيكاسوس* للتجسس على الهواتف الذكية ما هو إلا واحد من عشرات البرامج المستعملة شرقا وغربا من طرف دول عديدة, وما عدد المستهدفين الذين تم إبلاغهم باختراق هواتفهم إلا الجزء المرئي من قمة جبل الجليد العائم, الكثير منا كان لايصدق سابقا إشاعات مراقبة بعض الحكومات الديموقراطية لصحفيين ومثقفين من مواطنيها حتى كشف إدوارد سنودن خبايا برنامج التجسس *بريسم*. فكيف يكون الامر بأنظمة مستبدة لا تؤمن أصلا باحترام حق الإختلاف في الرأي وحرية التعبير؟
الهواتف الذكية تعتبر كنز معلومات بالنسبة لإجهزة مخابرات البلدان الغير ديموقراطية لضبط ومراقبة مواطنيها, من المؤكد أنها لن تتردد برهة إذا أمكنها الوصول إلى تقنيات اختراق الهواتف وتوظيفها لرصد البيانات الخاصة بمعارضيها.