الأقصى يتسرب والرد ليس بالإدانات

حجم الخط
2

سؤال يحيرني ولا أجد له تفسيرا ولا ردا شافيا، والسؤال موجه إلى رئيس مجلس الوزراء الفلسطيني الصديق الدكتور محمد اشتية، وإلى وزير الخارجية الفلسطينية الصديق الدكتور رياض المالكي، وكذا الفصائل والحركات والتنظيمات الفلسطينية بجميع طوائفها، يسارية كانت أو يمينية.. وطنية أو دينية.
كما أن السؤال موجه إلى جامعة الدول العربية، التي يفترض أن تكون حاملة للهم الفلسطيني، وهذا افتراض وليس واقعا لأن القضية الفلسطينية هي آخر هموم أعضاء هذه الجامعة بعد انفراطها بتوقيع عدد من أعضائها اتفاقات تطبيع مشينة مع دولة الاحتلال، وخروجها عن الصف الوطني والإجماع العربي (نقول ذلك تجاوزا) لاسيما في قضية فلسطين، التي تم التوافق على حلها عربيا، وفق ما يسمى «مبادرة السلام العربية» وتطبيق هذه المبادرة من ألفها إلى يائها وليس العكس، كما فعلت دول التطبيع الرئيسية الثلاث، الإمارات والبحرين والمغرب، من دون أن تلتفت إلى الوراء.
السؤال المحير هو ما معنى أن يخرج علينا مسؤول، أو وزير، أو رئيس حكومة، أو مسؤول تنظيم مسلح، أو رئيس حركة كبيرة، للمرة المليون دون فائدة طبعا، بتصريح يحمّل اسرائيل وحكومتها المنغمسة بالعنصرية برئاسة المستوطن نفتالي بينيت المسؤولية عن هذا الحدث أو ذاك.. نفتالي الذي هو نفسه لا يعير اهتماما لما يقول الفلسطينيون، أو حتى غير الفلسطينيين، هو غير معني بالسلام أصلا، ولا بلقاء مسؤول فلسطيني، خصوصا الرئيس عباس. وهو صاحب اللاءات الثلاث لا تفاوض ولا دولة فلسطينية ولا لقاء مع الرئيس أبو مازن.. وهو القائل أيضا قبل أيام: «لا حل للقضية الفلسطينية وسياستنا «صفر إرهاب» مقابل زيادة عدد تصاريح العمال بعبارة أخرى الأمن مقابل الغذاء. أنا أعرف أن ليس في اليد حيلة لدى هؤلاء، ولكن في الكثير من الحالات يكون التزام الصمت أبلغ ردا من الإدلاء بتصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع. وهذا المقال ليس الغرض منه التهجم على أحد، بل مجرد لفت انتباه حتى لا نكون مهزلة أمام الجمهور والشارع، وأمام العالم.. حتى يؤخذ المسؤول على محمل الجد في ما يقوله ويصرح به، يجب أن تكون أقواله وتصريحات متماشية مع الأفعال وليس مجرد كلمات متبعثرة يرددها هذا المسؤول، أو ذاك كمن يرضي ضميره بعمل واجبه، تصريحات يرددها من بعده الشارع ليس من باب الاقتناع بها، بل هازئا ومستخفا بمجمل الكلام. أحدث هذه التصريحات رد السلطة الفلسطينية على قرار الإدارة الأمريكية المعارض لنتائج لجنة التحقيق الأممية الدائمة المعنية بالأراضي الفلسطينية، الذي وصف تقريرها بـ»المنحاز» ضد إسرائيل. ولا غرابة بالتصريح الأمريكي، بل في تعبير وزارة الخارجية الفلسطينية، عن استغرابها واستيائها إزاء هذا الموقف الأمريكي. وأوضحت أن الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية، ادعى في تعقيبه على التقرير «الحرص على تعزيز حالة حقوق الإنسان (الإسرائيلي طبعا وليس الفلسطيني)».
ويدفع هذا أي مستمع أو قارئ لهذا التصريح ومنهم أنا شخصيا للتساؤل، عما إذا كانت السلطة لا يزال لديها الأمل في أن تغير الإدارة الأمريكية ـ وأقصد هنا أي إدارة أمريكية جمهورية كانت أم ديمقراطية ـ من مواقفها القائمة منذ عشرات السنوات والتصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. والتصريح الأخير هو ذاك التصريح المتكرر للخارجية الذي يحمل الحكومة الإسرائيلية برئاسة بينيت المسؤولية الكاملة والمباشرة عن هذه الاقتحامات العنيفة. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة ما هي العواقب الناجمة التي سيتحملها بينيت وحكومته، فهل نحن كسلطة بحجم هذه التهديدات؟ هل لدينا الإمكانات لجعل بينيت يدفع ثمن تجاوزاته. طبعا الرد «ليس باليد حيلة وليس بوسعنا أن نفعل شيئا.
والأكثر مهزلة هو تحميل بينيت «المسؤولية الكاملة والمباشرة عن التصعيد الحاصل في انتهاكاتها، وجرائمها، خاصة ضد القدس، ومواطنيها، ومقدساتها»، طيب وبعدين فقد فعلتها الحكومة الإسرائيلية مرة ومرتين وثلاث مرات والحبل جرار، من دون أن تتحمل أي عواقب، ومن دون أن يكون هناك رد فلسطيني عملي بمستوى التهديد.

مجرد التأكيد على الحق الإسلامي والفلسطيني في الأقصى، لن يحميه ولن يكون رادعا للمحتلين، كما أن انتهاكات الاحتلال تأتي بسبب «الصمت العربي»

وتذكرنا الخارجية بما يعرفه القاصي والداني، أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في تقويض أية فرصة لتطبيق مبدأ حل الدولتين، وإغلاق الباب أمام تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على سمع وبصر العالم. علينا أن نقرأ ما يتفوه به أعضاء الحكومة الاسرائيلية ورئيسها بينيت الذي يقول بالصوت العالي لا لدولة فلسطينية، وهو اصلا يرفض مبدأ التفاوض.. وهذا الوضع قائم منذ عشرات السنوات. وطالب رئيس الوزراء حتى بح صوته، المجتمع الدولي، وهو يعرف النتيجة، باتخاذ ما يلزم من إجراءات وخطوات كفيلة بوقف سياسة الكيل بمكيالين ومعاقبة دولة الاحتلال على انتهاكاتها وجرائمها وخروقاتها الصارخة للقانون الدولي، بما يضمن ردعها وإجبارها على إنهاء احتلالها لأرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس. وهذا الكلام يكرر مرات ومرات، من دون فائدة مرجوة.
ونذكّر الصديق رئيس الوزراء بقول الشاعر «لقد أسمعت لو ناديت حيـاً.. ولكن لا حياة لمن تنادي، ولو نارٌ نفخت بها أضاءت.. ولكن أنت تنفخ في الرماد». كفى يا دكتور مثل هذه التصريحات لأنك أنت وأنا نعرف أن هذه الدعوات لن تجد آذانا صاغية.. فالوضع قائم منذ 55 عاما أي منذ حرب حزيران/يونيو1967 ولا نتحدث عما حصل قبل ذلك.
وفي ما يخص الأقصى فها هم المستوطنون والمتطرفون يصولون ويجولون ولم يكتفوا بفرض التقسيم الزماني والمكاني، بل يؤدون طقوسهم التلمودية ومنها «السجود الملحمي» ويرفعون الأعلام ويعربدون ويغنون ويرقصون وما باليد حيلة.. وأمام كل هذا لم تؤخذ تصريحات المسؤولين عن الأقصى والسلطة والتنظيمات والفصائل وتهديداتها على محمل الجد. ولم تتسبب كما يحذرون من حرب دينية لا تبقي ولا تذر. وطال انتظار تلك الحرب وليس هناك ما يشير إلى أنها ستقع. الوضع باق على ما هو عليه ويواصل اليهود اقتحامات الأقصى خمسة أيام في الأسبوع ويؤدون طقوسهم التلمودية كما يحلوا لهم، من دون رادع. والأخطر من ذلك كله أن سلطات الاحتلال كما جاء في تقارير صحافية، أنها تعمل على اقتطاع جزء من المنطقة الشرقية من الأقصى لإقامة كنيس يهودي. ومن متابعتي لما يجري في الأقصى فإنه ليس هناك من يردعها أو يوقفها عند حدها.. «قالوا لفرعون مين فرعنك قال ما لقيت حد يردني». وهذه الانتقادات تطال أيضا فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، التي لا يزال بعضها يأمل في أن تغير واشنطن من موقفها.. سفن حكومة بينيت، سارت كما يشتهيها المستوطنون، فمسيرة الأعلام الصهيونية سارت كما خطط لها، وتجاوز عدد المستوطنين الذين غزوا الأقصى في ذاك اليوم، الآلاف لأول مرة. ولا أدري ما يقصد بالتجاوزات، إذا لا نصف ما حدث تجاوزا! إلا إذا كانت الفصائل وعلى رأسها حماس قد توصلت إلى تفاهمات مع دولة الاحتلال ونطالبها أن تكشف عنها.
إن مجرد التأكيد على الحق الإسلامي والفلسطيني في الأقصى، لن يحمي الأقصى ولن يكون رادعا للمحتلين، كما أن انتهاكات الاحتلال تأتي بسبب «الصمت العربي».
وأختتم كما بدأت بسؤال عن الغرض من كل هذه الإدانات التي لا تستحق حتى الإشارة إليها، أو حتى الورق الذي تكتب عليه، إلا إذا كان الهدف هو إرضاء الذات بأن صاحبها عمل وأدى واجبه الوطني. وهذا كما يعتقدون خطأ، قد يسقط عنهم الواجبات العملية الأخرى التي يفترض أن نقوم بها كحكومة ومعارضة وفصائل وتنظيمات وحركات من كل الأطياف السياسية. فشلتم على مدى عشرات السنوات، في تهديداتكم وتحذيراتكم وفشلت معها سياساتكم فاتركوا المجال لهذا الشعب كي يمارس مقاومته وهو قادر ومستعد وجاهز، فبدونها لن ترتدع دولة الاحتلال.
كاتب فلسطيني من اسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Omar Ali:

    مقال جيد ولكن فيه مطالبات لمسيرة التحرك الفلسطيني لن تتمكن السلطة الفلسطينية او الفصائل على تنفيذها. ان احقاق الحقوق الفلسطينية يتطلب بالاضافة الى عمل السلطة والفصائل مواقف من الدول العربية والاسلامية والامم المتحدة وحتى المجتمع الدولي . بالرغم من شراسة القمع الاسرائيلي على الجميع مواصلة النضال من اجل الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينين الى ديارهم. ان النصر اكيد وعلى الجميع الاستمرار في النضال حتى النصر.

  2. يقول سامح //الأردن:

    *اللهم انصر اخواننا في فلسطين على الصهاينة المجرمين القتلة وكل من لف لفهم.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد.

إشترك في قائمتنا البريدية