ليبيا: رغم دحر مليشيا الجنرال الانقلابي خليفة حفتر من مناطق جنوب العاصمة الليبية طرابلس ومدينة ترهونة، إلا أن الفظائع والجرائم التي ارتكبتها في تلك المناطق ما زالت تتكشف يوما بعد يوم.
ففي 4 أبريل 2019 أوعز حفتر لمليشياته بإطلاق عملية للسيطرة على طرابلس، دامت نحو 14 شهرا وباءت بالفشل.
ومع التقدم السريع الذي حققه الجيش الليبي في الأسابيع الأخيرة، خسرت مليشيا حفتر قاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية أولا، ومن ثم مناطق جنوب العاصمة، ومدن مثل ترهونة وقصر بن غشير وبني وليد، حيث بسطت القوات الحكومية سيطرتها على مساحات واسعة.
** قتلى وإعدامات ميدانية
ومع انسحاب مليشيا حفتر ومرتزقة شركة “فاغنر” الروسية الأمنية التي تقاتل في صفوفها، تكشفت فظائع وجرائم وإعدامات ميدانية ترقى إلى “جرائم حرب”.
وأعلن الجيش الليبي العثور على 106 جثث في المستشفى المركزي بمدينة ترهونة، عندما تم تحريرها في 5 يونيو/ حزيران الجاري، فضلا عن 26 جثة في حاوية للمستشفى.
كما تم الإعلان في 10 يونيو/ حزيران الجاري، عن العثور على حاوية أخرى مليئة بالجثث في ضاحية قصر بن غشير الواقعة جنوب طرابلس بينها نساء وأطفال.
وفي 8 حزيران/ يونيو انتشلت فرق الطب الشرعي جثث 5 أشخاص من بئر للمياه في منطقة العواتة جنوبي ترهونة، وأظهرت الفحوصات الأولية وجود آثار تعذيب وإعدام ميداني عليها.
وكانت مليشيا حفتر تتخذ من مدينة ترهونة مركز إمدادات في هجماتها على العاصمة طرابلس لأكثر من عام. وتواجه مليشيا “الكانيات” المحلية التابعة لحفتر، اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في ترهونة باستهداف العائلات والقبائل التي تعتبرها منافسة أو معادية لها، دون تمييز.
** مقابر جماعية
وفي مدينة ترهونة ومحيطها تم العثور على 11 مقبرة جماعية عقب تحريرها من قبل الجيش الليبي، الأمر الذي أكدته الأمم المتحدة.
وتتم أعمال الحفر في المقابر المكتشفة في المناطق الريفية، بحضور عناصر الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، وخبراء الطب الشرعي، وطواقم طبية تدعم تلك الفرق، فضلا عن رجال الشرطة الجنائية.
وتضطر الفرق العاملة في تلك المناطق، لارتداء كمامات بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من المقابر أثناء الحفريات، فيما تنتظر سيارات الإسعاف على أهبة الاستعداد.
وقال مسؤولون ميدانيون، إن الجثث التي يتم انتشالها يعتقد أنها دفنت خلال آخر 12 شهرا وذلك فق المعطيات الأولية، وأكدوا استمرار أعمال الطب الشرعي لتحديد التفاصيل من قبيل أعمار الضحايا، وطريقة قتلهم وتوقيت ذلك.
وأوضح المسؤولون، أن بعض الجثث المستخرجة، تم العثور عليه مكبلة اليدين، ما يؤشر إلى تعرضها لإعدامات ميدانية.
ولفت المسؤولون، إلى أن أعمال البحث والحفر، ستستغرق وقتا، بسبب استخراج جثث من أكثر من نقطة في مناطق المقابر الجماعية، وسط توقعات بوجود مزيد من الجثث في نقاط أخرى.
** مقتل 39 شخصا بسبب الألغام
وبحسب معطيات المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب، فقد قتل ما لا يقل عن 39 شخصا بينهم أطفال ونساء، وأصيب أكثر من 100 آخرين، في 57 انفجار ناجم عن ألغام ومتفجرات مصنوعة يدويا، زرعتها مليشيا حفتر.
وقال ليام كيلي مدير مكتب ليبيا في “المجموعة الدنماركية لنزع الألغام” وهي منظمة غير حكومية، إن “أكثر من 400 ألف مدني نزحوا من ديارهم جراء الحرب”.
وأضاف كيلي أن “الكثير من هؤلاء لا يستطيع العودة إلى منزله بسبب الألغام”.
وأشار إلى تفخيخ العديد من المنازل في منطقة واسعة في عدد من الضواحي جنوب العاصمة.
وأوضح كيلي، أن “هناك متفجرات مختلفة خلفتها المليشيا، مثل الألغام المضادة للأفراد والدروع، والقذائف الصاروخية، وقذائف الهاون”.
كما لفت إلى “وجود قذائف لم تنفجر، تم إطلاقها من الجو، والكثير من الأفخاخ المزروعة في المناطق السكنية”.
وحذر كيلي من أن “حياة العديد من المدنيين في خطر جراء تلك المتفجرات النشطة”.
وقال: “لا أستطيع شرح كم هي خطيرة للغاية (المتفجرات)، لقد بدأ نازحون بالعودة إلى منازلهم للاطمئنان عليها، لكن الكثير منهم لم يعد بعد (بسبب الألغام)”.
وأضاف كيلي: “لقد حدثت أكثر من 100 إصابة بسبب الألغام والمتفجرات، ومعظمها في صفوف مدنيين، كما سقط قتلى من عناصر فرق نزع الألغام أثناء قيامها بعمليات تفكيك”.
وأردف: “إذا لم يتم إيجاد حل عاجل لهذا الوضع، فسيعود المزيد من المدنيين إلى منازلهم في المناطق الخطرة، وسيزداد عدد القتلى”.
ولفت إلى أنهم لم يستطيعوا تقديم الدعم الكافي إلى ليبيا، بسبب القيود الدولية التي تسبب بها جائحة كورونا.
وأوضح كيلي، أنه نتيجة لذلك “فإن عمليات نزع الألغام تسير ببطء، وتطهير كافة المناطق قد يستغرق أعواما”.
** الفرق التركية تدمر الألغام والأفخاخ المميتة
وتقوم الفرق التابعة للقوات المسلحة التركية التي قدمت إلى البلاد بدعوة من الحكومة الليبية، بتسهيل عودة النازحين إلى منازلهم من خلال تطهير مناطق سكنية في طرابلس من الألغام والمتفجرات التي خلفتها مليشيا حفتر.
وتتميز الفرق التركية المختصة في رصد ونزع وتدمير الألغام والمتفجرات اليدوية، بحسب مراقبين، بخبراتها الفنية الميدانية وتجهيزاتها الحديثة وأنظمة الروبوتات المتطورة التي تستخدمها.
وبحسب خبراء في تلك الفرق، فإن بعض الألغام والعبوات الناسفة جرى زرعها باستخدام أسلاك خاصة يصعب رؤيتها، والكثير من الأفخاخ المتفجرة تم نصبها في زوايا المنازل، وخلف الأبواب، وبعضها على شكل قنابل موقوتة.
وأعرب مدنيون عادوا إلى منازلهم في منطقة صلاح الدين، بعد تطهيرها من المتفجرات، عن شكرهم للفرق التركية التي تقوم بنزع الألغام في المنطقة.
** مرتزقة “فاغنر”
ومن الممكن رؤية آثار مرتزقة “فاغنر” التابعة لشركات أمن روسية في المنازل المفخخة، في مناطق جنوب العاصمة.
وعلى جدران أحد المنازل التي تم تطهير محيطها من الألغام في منطقة صلاح الدين التي تبعد نحو 10 كم عن طرابلس، شوهدت ملاحظات بالروسية دونها عناصر “فاغنر” التي تقاتل إلى جانب مليشيا حفتر، تشمل معلومات عسكرية وأرقام وإحداثيات.
كما تم العثور على العديد من عبوات أدوية وغذاء عليها كتابات بالروسية.
وعثرت القوات التي قامت بتمشيط المنزل، على كتب بالروسية يعتقد أنها تعود لتلك القوات المرتزقة.
** ليبيا تنتظر تحقيقا دوليا
وعلى إثر تلك الجرائم التي ارتكبتها مليشيا حفتر ومن والاها، طالبت الحكومة الليبية الشرعية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، بإجراء تحقيق دولي حول المقابر الجماعية.
ووجهت الحكومة الليبية عدة نداءات بهذا الخصوص إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان.
وإثر تلك النداءات، قررت الأمم المتحدة تشكيل لجنة تحقيق دولية بشأن ليبيا، تتبع مجلس حقوق الإنسان.
وفي 22 يونيو/ حزيران الجاري قالت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، إن المحكمة “تلقت معلومات موثوقة بوجود 11 مقبرة جماعية في ترهونة”.
وأضافت بنسودا، أن تلك المقابر “تضم رفات رجال ونساء وأطفال، ما قد يشكل أدلة على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
ومؤخرا حقق الجيش الليبي انتصارات على مليشيا حفتر أبرزها تحرير كامل الحدود الإدارية لطرابلس، وترهونة، وكامل مدن الساحل الغربي، وقاعدة الوطية الجوية، وبلدات بالجبل الغربي.
وكانت مليشيا حفتر قد شنت بدعم من دول عربية وأوروبية، عدوانا على طرابلس، انطلاقا من 4 أبريل/ نيسان 2019، ما أسقط قتلى وجرحى بين المدنيين، بجانب دمار واسع.
(الأناضول)