بعد أن ألقى بايدن خطاب حالة الاتحاد بقليل انفرد به عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كولورادو، الديمقراطي مايكل بنّت، وطالبه بمزيد الضغط على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، فأجاب بايدن «لقد قلت له (ولكن إياك أن تفشي هذا) قلت له: بيبي سوف يكون لنا أنا وأنت عما قريب «اجتماعُ تعالَ إلى يسوع». روى بايدن القصة على سبيل الإسرار مطمئنا إلى أن بنّت هو السامع الوحيد، ولكن ما لم يكن يعلمه هو أن الميكروفون في عِطْف سترته قد بقي مفتوحا! وبما أن الآخرين سمعوه، وأصبح الجمهور على علم، فقد صار ملزما بأن يتدبر أمر الاجتماع الموعود. و«لحظةُ تعالَ إلى يسوع» عبارة تستخدم عادة للدلالة على ذلك الشعور الطاغي المفاجئ الذي ينتاب المرء باكتشاف حقيقة ما، أو الوقوف على سر ما، أو إدراك أمر لم يكن يفهمه من قبل. لحظة وحي أو إلهام تنير الطريق وتفتح مجالا لتغيير الوضع أو إصلاح الشأن. وفي العبارة إحالة إلى الدعوة المنسوبة إلى عيسى عليه السلام في إنجيل متّى: «تعالوا إلي يا جميع المتعبين والرازحين تحت أثقالكم وأنا أريحكم».
وتستخدم عبارة «لحظة تعال إلى يسوع» في الأغلب للدلالة على ما يكتشفه المرء من حقائق بذاته أو ما يأتيه من إلهام لا يعلم مصدره. ولكن بايدن طوع العبارة بحيث صارت تعني أنه سوف يكون له مع نتنياهو مواجهة (لطّفها، فقال: اجتماع) يسلّط فيها عليه لحظة من لحظات تعال إلى يسوع، أي أن المواجهة ستكون لحظة مكاشفة ومصارحة، بل ومصادمة. ولبايدن أن يقول ما يشاء، ولكن من ذا الذي يأخذه مأخذ الجد في هذه القرية الكونية التي تعلم أن إدارته زودت جيش العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر بما لا يقل عن 35 ألف طن من الأسلحة والعتاد نقلتها 300 طائرة و50 سفينة؟! هذا والأنباء تقول، في غضون ذلك كله، إن بايدن حنِق أشد الحنَق على نتنياهو الذي لا يسمع له ولا يعبأ بما يقول. 35 ألف طن من السلاح ورئيس القوة العظمى حنِق مغتاظ! فماذا لو كان فرحا مسرورا؟!
إن بايدن حنِق أشد الحنَق على نتنياهو الذي لا يسمع له ولا يعبأ بما يقول. 35 ألف طن من السلاح ورئيس القوة العظمى حنِق مغتاظ! فماذا لو كان فرحا مسرورا؟
والدليل على أن بايدن لا يمكن أن يؤخذ مأخذ الجد في مسألة الحزم مع إسرائيل أن جبل «اجتماع تعال إلى يسوع» قد تمخض فلم يلد إلا فأرا. وما هو؟ إنه موافقة نتنياهو، حسب تعبير مستشار الأمن القومي جيك ساليفان، على طلب بايدن إرسال فريق إلى واشنطن لبحث بدائل للهجوم البري على رفح. حيث قال بايدن لنتنياهو إن إرسال قوات برية إلى رفح سيكون كارثيا بينما الواقع أن هنالك خيارات أخرى لتحقيق الانتصار على حماس. وأضاف ساليفان شارحا: «وافق رئيس الوزراء على إرسال فريق. وله بالطبع وجهة نظره بشأن عملية رفح، ولكنه وافق على إرسال فريق إلى واشنطن لإجراء هذه المباحثات». هذا إذن هو أعلى ما ركبه بايدن من خيل. ورغم أن نتنياهو كذاب أَشِر، فإن روايته لما جرى في المحادثة الهاتفية مع بايدن تبدو أقرب للتصديق. حيث قال إنهما تحادثا بشأن تصميم إسرائيل على تحقيق جميع أهداف الحرب: القضاء على حماس، تحرير جميع أسرانا وضمان عدم عودة غزة إلى أن تكون مصدر خطر على إسرائيل أبدا، مع توفير المساعدات الإنسانية الضرورية التي ستساهم في تحقيق هذه الأهداف.
ونظرا إلى أن حالات الحزم الأمريكي مع إسرائيل نادرة، فقد نقّب الكاتب أندرو بارازيليتي فلم يجد إلا حالة «تعال إلى يسوع» حازمة واحدة تعود إلى 12 أغسطس/آب 1982. كان ذلك أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان. يومها هاتف رونالد ريغان مناحيم بيغن في أعقاب 12 ساعة من القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي المدمر على بيروت. كتب ريغان في يوميّاته: «كنت مُغضَبا. قلت له ينبغي وقف الهجوم وإلا فإن مستقبل علاقاتنا بأسره سيتضرر. تعّمدتُ استخدام كلمة ‘هولوكوست’ وقلت له إن ما صار رمزا لهذه الحرب هو صورة ذلك الرضيع ذي السبعة أشهر الذي تطايرت ذراعاه أشلاء. قال لي إنه قد أمر بوقف القصف الجوي. سألته عن القصف المدفعي. زعم أن منظمة التحرير الفلسطينية هي البادئة وأنه قد وقع في صفوف الجيش الإسرائيلي ضحايا. انتهت المحادثة (..) وبعد عشرين دقيقة هاتفني ليخبرني أنه أصدر الأمر بوقف وابل النيران وليناشدني الحفاظ على صداقتنا».
كاتب تونسي