الرباط – «القدس العربي»: الحديث عن عوالم الصورة في العالم العربي ومصر لا يمكن أن يستثني كنوزا فكرية تمارس النقد وتواكب تطوير المجال. فهو قامة معرفية تدرجت في مهام كثيرة تجمع بين الكتابة وعالم الصحافة ثم النقد السينمائي.
إنه الأمير أباظة، رئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي، لدول حوض البحر المتوسط. هذا الذي يحمل بداخله روح دعابة وغزارة معارف، يتحدث بشغف وغيرة عن السينما العربية بشكل عام وفي حين آخر بحسرة على تراجع في بعض الأعمال، لكنه لا يستسلم، حيث يعتبر أنه بالكم يمكن أن نصل إلى الكيف، مؤكدا في الوقت نفسه على ضرورة النهوض بالمجال وتوفير دور عرض حتى لا تصبح المهرجانات الملاذ الوحيد لعرض الأفلام السينمائية. التقينا به على خلفية مهرجان سينما الشاطئ في مدينة الهرهورة في المغرب، فأجرينا معه الحوار التالي.
■ أنت الآن في المغرب تشارك في مهرجان سينما الشاطئ الدولي كعضو لجنة التحكيم، هل لديك إطلاع على السينما المغربية؟
أعجبني صراحة أنها تحظى برعاية هائلة من الدولة، وزياراتي المتعددة للمغرب مكنتني من أخذ فكرة كبيرة عنها، وحاليا نبحث كي نقرر في مشاركة بعض أفلام المغرب في مهرجاننا. وقد وجدنا صعوبة في الاختيار، نظرا لتميزها. أعرف أسماء مثل عيوش والشرايبي عبد الإله الجواهري والجيلالي فرحاتي وغيرهم. صحيح هناك أفلام ليست في المستوى، لكن كثرة الأعمال قد تفرز الجودة، وهناك أفلام مغربية نالت عدة جوائز. نعم توجد أسماء جيدة ومحترمة وتنال تقدير المركز السينمائي المغربي. لكن السؤال هل هناك دور عرض كافية؟ وهي الأزمة نفسها في العالم العربي. الأفلام تقدم فقط للمهرجانات أمام قلة الصالات وقلة الجمهور أيضا. والكثير من الدور تقدم أفلاما لكن لأي مشاهد؟
أمام هذا التطور الهائل للتكنولوجيا الرقمية أصبحت السينما مختبر تجارب، لكن لأي مشاهد؟ نعم هناك طفرة مهمة في السينما المغربية، وذلك بوجود أعمال جيدة، لكن هذا لا يلغي وجود أعمال أقل جودة وهذا بالطبع معروف في سائر البلاد العربية.
■ هل تقديم العروض السينمائية في الشاطئ فكرة جيدة؟
هي فكرة مختلفة، وكنت في الأول تساءلت كيف تقدم أفلام في الشاطئ لأنه فضاء للاستمتاع. لكن اكتشفت أنها تجربة متميزة. نحن نفكر أيضا هذه السنة في تقديم عروض في الشاطئ. وأرجو أن تكون متميزة. رغم أن العروض كلها تكون مجانية بالتالي فالمسألة ثقافية بالدرجة الأولى. السينما ثقافة وتربية أولا بأول.
■ تشارك عضوا في لجنة التحكيم في مهرجان سينما الشاطئ في الهرهورة؟
ليست تجربة مختلفة ولا أول تجربة. أما بخصوص الاشتغال بلجنة التحكيم فهو يحتاج تركيزا أكثر. وأرى أنه يجب أن يلتزم بتقاليده وقواعده وأن يتابع بتركيز وبالجو نفسه والمناخ حتى لا يظلم عمل ما، وحتى يحكم على الأعمال بشكل موضوعي.
■ ماذا عن مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي يعتبر من أقدم المهرجانات العربية، فكيف ترى مسيرته بعد 34 دورة؟
لقد تأسس المهرجان منذ سنة 1979.أي قبل أربعين سنة وهو حاضر. طبعا هناك عمل كبير فيه هبوط وصعود، أي تظاهرة عرفت التألق حينا وبعض التعثر حينا آخر، لكن الحمد لله أرى إيجابياته أكبر. فهو مهرجان متوسطي دولي، وفي البحر المتوسط توجد أهم السينما في العالم في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، وكذلك الدول العربية، مثل المغرب ومصر وسوريا ولبنان، إضافة إلى تركيا. ما يعني تنوعا كبيرا ونجوما وأسماء كبيرة في التمثيل والإخراج والإبداع. وهي كلها أمور تدعم فكرة إنجاز مهرجان. قد ينقص الفيلم الأمريكي، لكن ثمة أفكارا ترى ضرورة مقاومتها ومقاومة المد الأمريكي.
■ هل هناك طريقة اشتغال معينة في المهرجان تواكبونها باستمرار لتجعله في توهج دائم؟
في كل دورة ثمة تيمة معينة للاشتغال عليها. فللاشتغال على التظاهرة لا بد من رؤية وإستراتيجية أولا. لمعرفة ضيوف المهرجان أيضا، وغير ذلك من الأساسيات. لقد اشتغلنا على مواضيع الإرهاب والسلام والهجرة وغير ذلك. نحاول تقديم رؤية للمشاهد وللمسؤولين. ومدينة الإسكندرية فضاء عظيم ذو تاريخ وجب تقديم التظاهرة في حلة تليق بهذه المدينة.
■ هناك عدة مهرجانات في العالم العربي، هل ترى هذه الظاهرة صحية؟
ليت هناك مهرجان في كل قرية، فهي أمنية كبيرة، والأهم خدمة المجتمع. عندما أصبحت لي مسؤولية في المهرجان قدمنا نشاطا للشباب السكندري يقدمون فيه أفلامهم. والشباب يتعلمون من طرف مؤطرين، أي حركة أكبر للسينما وللشباب للتعبير عن مجتمعه، إذن أراها شيئا سليما ما دام الشباب في وسط فكري وثقافي. فكما قلت نحن أيضا في مهرجان الإسكندرية، رغم الإمكانيات الكثيرة المتوفرة للشباب نقوم بدعمهم ماديا ومعنويا. فهي إذن تظاهرة تفتح الباب للشباب للتألق والاحتكاك. مهرجان الإسكندرية السينمائي يحرص بشكل كبير على وجود النجوم الشباب أيضا في لجان التحكيم، فأنا أؤمن بضرورة وجود فنانين شباب مع وجود أغلبية لكبار الفنانين. وقدمنا مسابقة لأفلام الطلبة لأول مرة كذلك.
■ أنت ناقد سينمائي ذو تجربة طويلة على الساحة، كيف تجد الإبداع السينمائي المصري؟
صراحة الوضع النقدي في مصر غير مبشر حاليا، الأجيال الكبيرة في النقد رحلت ففي مصر. فترة من ثلاثين سنة مرت لم يتم التأسيس فيها لأسماء أخرى. وكان ظهور عدة نقاد عبر المهرجانات السينمائية من الجيل الأول والثاني والثالث وما بعد ذلك في حاجة لجهود. لا أحد يدرس في الجامعة ليقول سأتخرج ناقدا. والشباب حاليا لا يشاهدون الأفلام كثيرا مثلما كانت الأجيال القديمة. الناس نشأت سابقا على السينما. ربما مع الانترنت قد يكون جيل جديد رغم أني لا أتفاءل بذلك. نحن شاهدنا أفلاما أمريكية وهندية وأوروبية كثيرة والوسط ساعد كثيرا في ثقافة السينما.
■ ماذا عن الساحة النقدية العربية؟
هي الحالة نفسها. فالعمل السينمائي أصبح هناك من يشتغل للتجاري أكثر. والأعمال غير الجيدة لن تفرز نقادا متميزين. هناك أسماء كثيرة أعرفها، كل تظاهرة تفرز نقادها. حاليا في مصر هناك أزمة سينما وأرجو من الشباب أن يكونوا خير خلف.
■ الدراما التركية احتلت القنوات العربية بشكل كبير وحققت نسبة متابعة قوية؟
الأمر صحيح. فبعد سنة 2011 ظهر ارتباك في العالم العربي، حيث أدى هذا الارتباك إلى انتشارها، خاصة أنها انتشرت بلهجة محببة للجميع، ألا وهي اللهجة الشامية، لدرجة أنني كنت في الجزائر، حيث التقيت بصديق جزائري، فقال لي بنتي تتكلم باللهجة الشامية بشكل جيد، فقلت له قلل من المسلسلات التركية. رغم أن هذه المسلسلات غير درامية، لكنها ذات طابع سياحي ونجحت في الجذب أمام القصص والميلودراما، أي أنها تبكي الجمهور.
أما الدراما العربية فتعيش حاليا حالة انعدام التوازن، بدليل أن دراما سوريا كانت منتشرة قبل الحرب، حيث كانت تمول من طرف دول الخليج، بعد ذلك تم الاشتغال على الدوبلاج في هذه المسلسلات. ومصر أيضا مرت بحالة انعدام التوازن بتوقف الإنتاج وتراجعه. كما أشير إلى ارتفاع أجور المبدعين بصور خيالية في السنوات الأخيرة، ما جعل المجال يعيش مخاضات صعبة ماديا ومعنويا.