بين ناري ارهاب داعش وارهاب المالكي تعيش الفلوجة والرمادي ومعظم نواحي محافظة الانبار اياما عصيبة اشد وطأة من ايام التعاطي مع جحافل الامريكان، فما يزال يدفع سكان المحافظة العصية تضحيات جديدة تتواصل مع مسلسل التضحيات الغالية المدفوعة منذ معارك الفلوجة والرمادي الاولى والثانية ضد جيوش المحتل الامريكي واعوانه، التي اختبر فيها الغزاة كل الاسلحة والاساليب المحرمة لتطويع ارادتها المقاومة، لكنهم فشلوا وانسحبوا موكلين المهمة لمستخلفيهم الذين اعتبروا مقاومة المحافظة للاحتلال الغاشم تمردا يستحق السحق، ومقاومتها لسياسة المغالبة والتمييز الطائفي ارهابا وخروجا على الشرعية.
لا يغضب اي عراقي تهمه بالدرجة الاولى مصلحة العراق كشعب ووطن ومستقبل من تجييش المالكي للجيوش لصد تنظيم داعش وردع مشاريعه الخطرة، وربما لا يلومه احد وتحت اي يافطة سواء كانت محلية او اقليمية او دولية، من اعتبار مهمة التصدي لتنظيماته ومشاريعه مهمة استثنائية تتطلب شحذ الهمم وتأجيل البت بالخلافات رغم عمقها، ولكن ان تكون حرب داعش ذريعة للنيل من خصومه، واي خصوم هم، انهم اهالي المناطق الغربية الذين يعتبرون نهجه اقصائيا واجتثاثيا وتمييزيا بحس طائفي لا تنفع معه كل رتوش التقية، ولا تربطه بالوطنية العراقية رابطة، وهؤلاء يعلنونها صراحة باعتصاماتهم ومطالباتهم التي استطالت وعلى مدى اكثر من حول، من دون ان تلقى تجاوبا وتفهما، بانهم يطالبون بتغيير النهج القائم واستبداله بنهج وطني جامع وشامل، لا تمييز فيه بين مواطن ومواطن، وبالتالي بين طائفة واخرى او منطقة واخرى او اثنية واخرى. المالكي فعل الافاعيل للقضاء على حركة الاعتصامات الشعبية من خلال تشويه اهدافها ومنطلقاتها، وملاحقة ناشطيها ومحاصرتها واخيرا اغراقها بالدماء.
لقد احس المالكي بان بقاء حركة الاعتصام قوية سيؤدي حتما الى تدهور في مركزه السياسي والحكومي، وبالتالي الانتخابي، وعليه فهي ستكون شوكة في البلعوم الذي يريد ابتلاع السطة بما حملت ولاجل غير مسمى، وبالتالي تكييفها لانتاج دولة على مقاسات حزب الدعوة، وهو يعتقد بان الوقت الانسب لسحق المعتصمين ومطالبهم تماما، قد حل الان، خاصة ان هناك تفاهمات ايرانية امريكية وبالتالي هناك ضوء اخضر من كليهما لمواجهة داعش الذي يعتبر بشكل من الاشكال عدوا للطرفين. اذن المالكي يريد ضرب عصفورين بحجر واحد، وهو واثق من ان الوقت سيخدمه بحكم قرب موعد الانتخابات وتزامنها مع انفراجات الملف النووي الايراني، وايضا مع الشروع بجنيف 2 الذي سيخفف ولو قليلا من غلواء التدخل السعودي القطري بالشأن السوري، وبالتالي سيخفف من الضغط على المالكي المحسوب على الحلف الايراني بمواجهة الحلف الخليجي التركي، امريكا وعلى لسان وزير خارجيتها جون كيري تساند العمليات العسكرية للجيش العراقي ضد تنظيم داعش، وهكذا فعل محمد حجازي نائب رئيس الاركان الايراني، اما بيان مجلس الامن فكان دقيقا في ما يخص المواجهات الجارية، حين اكد على اهمية الوحدة الوطنية وعلى معالجة المشاكل السياسية بالحوار البناء والجاد، والابتعاد عن التفرد والاقصاء لتكوين ارضية شعبية صلبة في مواجهة الارهاب. مقاتلة جيش المالكي لقوات داعش، يمكن ان تكون امرا طبيعيا، على اعتبار انها تنظيم معاد لكل ما هو انساني ومدني وتعددي، ولكن ان يخلط الاوراق بحيث يغطي على نواياه الحقيقية اثناء قتاله لداعش بمقاتلة خبيثة لخصومه السياسيين، فذلك هو الغدر بعينه، لان من يمارس ارهاب السلطة بحق المعترضين وبحجة محاربة الارهاب واقتلاع حواضنه، هو اخطر من الارهاب نفسه، حيث لا مانع لديه من فعل اي شيء للاحتفاظ بسلطته التي يملك اخطر وارهب ادواتها، وهكذا وعلى طريقة ميكافيللي، يصول ويجول بافعال اقل ما يقال عنها، انها معدومة النزاهة والمسؤولية والشجاعة.
نزوح شبه جماعي وبالالاف من الفلوجة ومناطق وسط وجنوب الرمادي نتيجة للقصف العشوائي بالمدفعية الثقيلة وقنابل الطيران الحربي، من قبل قوات المالكي، ومآس انسانية، وفضائع بحق المدنيين العزل، كل هذا لاخراج عشرات من مسلحي داعش كانوا قد انتشروا في بعض احياء الفلوجة والرمادي، وبهذا المعنى تحديدا ندد صالح المطلك بسلوك المالكي، على الرغم من انه يشغل موقع نائب رئيس الوزراء، ما يعني ان حكومة لا يحكمها الا القائد العام للقوات المسلحة تصبح فيها كل المناصب الاخرى هواء في شبك.
لقد هدد المالكي قبل الاحداث الاخيرة وجهاء الانبار وعلماء الدين فيها وزعماء العشائر، باقتحام ساحات الاعتصام بالقوة واعطاهم مهلة اسبوع لفض الاعتصامات بانفسهم، وفي هذه الاثناء وجه قواته الخاصة لاعتقال ناشطي المعتصمين والمؤثرين فيهم كما حصل مع النائب احمد العلواني وشقيقه، وراح يغازل بطريقه العاطلين عن العمل من جماعات الصحوة ليكونوا عونا له في معركته القادمة، وعندما لم يتم له المراد وجه جيشه لمقاتلة جماعة داعش في صحراء الانبار لتكون مقدمة مقنعة لغزوته المقررة سلفا، حيث الرمادي والفلوجة.
اغلب عناصرالفصائل العراقية المسلحة التي كانت تقاوم المحتل الامريكي، مثل فصائل ثورة العشرين وجيش المجاهدين والجيش الاسلامي وغيرها تقاتل اليوم جيش داعش، وجيش المالكي، اي تقاتل جيوش الارهاب التكفيري والسلطوي معا، وهناك من بينهم من خرج على الملة وراح يقاتل مع هذا الجيش او ذاك، لذلك يبدو الامر ملتبسا على الجميع.
لقد نسي المالكي اثناء احاديثه الاسبوعية الاخيرة ان اولى نقاط برنامجه الحكومي كانت تحقيق المصالحة الوطنية، عندما ردد وفي اكثر من خطاب عبارة الوحدة الوطنية كحاجة موضوعية لمواجهة الارهاب، اي ان ثماني سنوات من حكم المالكي مرت من دون ان تتحقق المصالحة الوطنية الحقيقية التي تعني الغاء المحاصصات الطائفية والاثنية وتدشين عملية سياسية جديدة لا وصاية فيها لاحد ولا يعتمد فيها المكون كبديل عن المواطنة، فمن لا يستطيع او لا يريد تحقيق المصالحة الوطنية يستحيل عليه بالتالي تحقيق الوحدة الوطنية.
حاول شركاء المالكي من الاكراد، وعلى لسان برزاني تحذيره من مغبة حل الخلافات بالقوة، ووصموا سلوكه تجاه ازمة الانبار بالارتجالي وغير الحكيم، اما عمار الحكيم فتطوع لاجراء وساطة ما مع الاطراف المتنازعة، لكن المالكي ماض بغيه، حتى تحقيق اهدافه القريبة بتشتيت قوى المحافظات الرافضة لحكمه، ومن ثم لجم منافسيه في بغداد بذريعة محاربته الارهاب، سيرا للاهداف البعيدة التي يجملها هو وبنفسه عندما قال: بان السلطة لا نعطيها حتى لا يأخذها احد غيرنا، اي السير نحو مأسسة الوضع القائم ولاجل غير مسمى، حيث يمكن ان يتوارث فيه الاقربون السلطة، كما لو كانت ملكية مطلقة، ولكن باطار انتخابي مخادع.
‘ كاتب عراقي
الجيش العراقي البطل يسحق الارهاب, وايتام نظام المقابر الجماعية تعوي.
الاستاذ تقي ….شكراً لمقالكم التحليلي عن “مختار العصر” المالكي
أنا راسخ الاعتقاد أنه ما لم يحدث تزوير واسع النطاق في أصوات الناخبين في أنتخابات نيسان القادم لمجلس النواب العراقي فلن يكون للمالكي و لا لأعوانه عودة للحكم والذي سيطمئن الناخب العراقي – بأعتقادي – هو أعتماد الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات التصويت الالكتروني وبالتالي فأن هذه التقنية سيكون لها أبعد الاثر في أثبات الحق من الباطل بمجرد مراجعة قوائم الناخبين.