يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه من المهم إيقاف الهجرة من منبعها، خصوصاً من شمال سوريا، ويؤكد، «نحن نعمل حالياً من أجل هذا». قبل الانتخابات وعندما أطلق الرئيس التركي اردوغان هذه التصريحات التي تتوعد بإعادة السوريين، قال مناصروه لا تقلقوا ليست سوى تصريحات انتخابية، ولا أعرف كيف يفسر ويبرر البعض تصريحات كهذه مترجمة عمليا على أرض الواقع، بأنها مجرد تصريح انتخابي؟ التصريح الانتخابي يعني أنه جزء من وعود الحزب لجمهوره، ويعني أنه برنامج سياسي، ويعني أنه رغبة لكسب أصوات جمهور الحزب الذي هو في هذه الحالة جمهور إسلامي، وهذا أسوأ ما في الأمر، وعندما تقرن التصريحات بالأفعال، فهذا يعني سياسة ممنهجة مستمرة منذ عام 2016.
تبقى الفوبيا من اللاجئ العربي تهيمن على عقول الأتراك بمختلف شرائحهم وإن بدرجات، ويتفق مناصرو حزب العدالة مع مناصري المعارضة على التخلص من المهاجرين السوريين
في الحقيقة كانت الأفعال تسبق الأقوال، فحتى وقت الانتخابات التركية بلغ عدد السوريين المرحلين للشمال السوري مئات الآلاف، حسب أرقام رسمية نشرتها وزارتا الداخلية والدفاع، وقبل أيام أعلنت وزارة الدفاع التركية أن عدد السوريين الذين عادوا للشمال السوري بلغ مليون سوري، واليوم تشن السلطات التركية أوسع حملة ترحيل واعتقال للاجئين السوريين بحجة مخالفتهم للقوانين، وطبعا اللاجئون السوريون لم يدخلوا تركيا بفيزا سياحية، أو حسب القوانين التركية، بل تمت تسوية أوضاعهم بنظام الحماية المؤقتة، الذي يعتبر من أسوأ أنظمة الحماية للاجئين في العالم، فهو بالحقيقة لا يمنح اللاجئ الحماية من الترحيل للبلد الذي قدم منه! ويمنع اللاجئ من التنقل خارج الولايات التي يعيش فيها، وبما أن مراكز العمل محدودة، فإن آلاف اللاجئين يضطرون للذهاب لإسطنبول للعمل، من دون إذن سفر أو ترخيص عمل، وهكذا تعتقلهم السلطات التركية وترحلهم، وغيرهم يتم اعتقاله وطرده لأتفه الأسباب مثل، أن يتقدم تركي ضده بشكوى! الرئيس التركي هو نفسه الذي طالب الأتراك لسنوات بالتعامل مع السوريين من منطلق المهاجرين والأنصار، قبل أن يرفع الجدران على حدود البلدين، وينصب أبراج الجندرمة، التي حولت المهاجرين لمشاريع شهداء، ثم يجعل الثلاثة ملايين لاجئ سوري مادة للمساومة مع الغرب، بحيث باتت معظم الخدمات الصحية والمعونات المالية تقدم للاجئين السوريين من الاتحاد الأوروبي، رغم أنهم يعيشون على أراضي تركيا. ظلت السنوات الذهبية الأربع الأولى، التي أعقبت الثورة السورية عالقة في أذهان السوريين، عندما فتحت تركيا حدودها للاجئين ومدت لهم يد العون، لكن السياسات التركية انقلبت تماما بعد عام 2015، ومنذ ذلك الحين تحولت تركيا من أكبر بلد يأوي اللاجئين السوريين إلى أكبر بلد طارد للاجئين السوريين، وهذا الانقلاب هو أمر معتاد من حكومة تنقلب على مواقفها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لعدم وجود استراتيجية واضحة وفق رؤية سياسية للتعامل مع ملفات الإقليم، فمن إسقاط طائرة روسية تحت سماء إدلب إلى الاعتذار للرئيس الروسي والتحالف مع موسكو وطهران في سوريا، ومن دعم المعارضة ضد الأسد إلى منع فصائل المعارضة المرتبطة بتركيا من إطلاق رصاصة واحدة على قوات الأسد، فالهدف هو عدو تركيا، القوى الكردية وليس الأسد خصم السوريين السنة الهائمين بوهج الخلافة والسلطنة، ومن التوعد بعدم إطلاق القس الأمريكي إلى إطلاق سراحه ومن حلف الأيمان الغلاظ بمنع انضمام السويد للناتو، بسبب حرقها للقرآن إلى الموافقة على انضمامها، من دون أي شروط عكس ما روجته وسائل الإعلام التركية. ومن التهديد والوعيد بقطع رؤوس قوات النظام، كما صرح أردوغان إذا تقدمت مجددا نحو إدلب وهي منطقة آمنة تضمنها تركيا، إلى القبول بغزو روسيا والنظام لإدلب وباتفاق رسمي، بل القبول بتقدم قوات النظام نحو الحدود التركية السورية.
تحمل الاتحاد الاوروبي معظم نفقات اللاجئين السوريين في تركيا في السنوات الأخيرة، مليارات الدولارات تتدفق للحكومة التركية بطلب من أردوغان لرعاية الاشقاء المهاجرين بأموال الغرب، أينما ذهبت في مراكز الرعاية الصحية للاجئين ستجد عبارة ممول من الاتحاد الأوروبي، وعندما ترى صفا طويلا من السوريين ينتظرون أمام ماكينات الصراف الآلي في تركيا، فهم بالتأكيد لن يستلموا أموالا من الحكومة، بل من برنامج مخصص لدعم اللاجئين السوريين والعراقيين في تركيا، فالتكاليف المالية التي تنفقها حكومة الرئيس أردوغان على اللاجئين السوريين محدودة جدا، مقارنة بما تقدمه الحكومات الغربية لهم، سواء في تركيا أو في دول أوروبا الغربية، من مخصصات شهرية ثابتة لسنوات طويلة، ومع ذلك، تبقى الفوبيا من اللاجئ العربي تهيمن على عقول الأتراك بمختلف شرائحهم، الإسلامي منهم أو القومي، وإن بدرجات، لكن الأمر الوحيد الذي يتفق عليه مناصرو حزب العدالة اليوم مع مناصري المعارضة هو التخلص من المهاجرين السوريين، وإعادتهم لمناطق ستؤول لاحقا لسلطة بشار الأسد، فالقوات التركية ستنسحب من الشمال السوري بالتنسيق مع النظام السوري، كما صرح وزير الخارجية التركي نفسه، وكما تشير كل مؤشرات السياسة التركية المنسجمة مع روسيا منذ أن بدلت أنقرة موقفها من داعم للمعارضة السورية، إلى ضامن لسلامة الطيارين السوريين الذين تسقطهم المعارضة السورية! إذن فالموقف من اللاجئ العربي دوافعه قومية أكثر منها اقتصادية، وهو يمثل شعورا عاما عند الأتراك وليس فقط جمهور المعارضة، تزيل السلطات التركية في أزمير اللوحات المكتوبة باللغة العربية، إنها بلدية المعارضة، بلديات إسطنبول وغازي عنتاب قامت بالأمر نفسه في عهد حزب العدالة. وفي آخر نوبات الفزع القومي من كل ما هو غير مستترك، غضب من استخدام الكردية والعربية في البرلمان التركي، ففي مجلس البرلمان التركي قبل أيام، وفي افتتاح إحدى الجلسات، قامت نائبة كردية بإلقاء التحية بالكردية والعربية، فقام نائب الحزب الجيد القومي درويش أوغلو بالاعتراض قائلا، إن اللغة الرسمية لمجلس البرلمان واضحة وتم شرح ذلك بالتركية منذ مجلس المبعوثان، ليرد عليه نائب حزب اليسار الأخضر الكردي، قائلا إن درويش أوغلو قال قبل قليل شرح وهي كلمة عربية كما قال تدخّل وهي عربية كذلك!
كاتب فلسطيني