برلين ـ «القدس العربي»: انعقاد مؤتمر برلين الخاص لبحث الأزمة الليبية، جاء بهدف محاولة إيجاد حل للصراع الدائر في ليبيا ورأب الانقسام السياسي باشراف دولي لا سيما أن ميركل أعلنت مرارا أن الحالة الليبية تمثل أهمية كبيرة لبلادها بالإضافة إلى دول أوروبية فاعلة أخرى. واستقبلت المستشارة شخصيات فاعلة محورية في الأزمة الليبية في ديوان المستشارية، بينها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
بدأ مؤتمر برلين أمس بالانعقاد بمشاركة 12 دولة، هي: الولايات المتحدة، بريطانيا، وروسيا، وفرنسا، والصين، وتركيا، وإيطاليا، والإمارات، ومصر، والجزائر، والكونغو، بالإضافة إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج، والجنرال المتقاعد خليفة حفتر، في محاولة للتوصل إلى حل سياسي للنزاع. وتأتي القمة بعد أسبوع من محادثات جرت في موسكو وتركها حفتر دون التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار. تلا ذلك زيارة لوزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى ليبيا للقاء حفتر، وقد صرح ماس بعد ذلك أن الجنرال «وافق ضمنيًا» على هدنة إطلاق النار.
تساؤلات
بيد أن صورة المشاركين في القمة بدون السراج وحفتر أثارت التساؤلات، في حين أوضحت القناة الإخبارية الألمانية الثانية أن السراج وحفتر سيتم دعوتهما إلى الاجتماع كل على حدة للاستماع إليهما. ويبدو أن خلافات تدور وراء الكواليس وهو ما تحاول برلين تجنب تأثيره على الافتتاح حسب مراقبين. وبعد أن غابوا عن المشهد بات الأوروبيون، خاصة الألمان، يعولون بقوة على نجاح هذه القمة كـ»خطوة أولى من أجل السلام في ليبيا»، كما جاء على لسان وزير خارجية ألمانيا لصحيفة بيلد أم زونتاغ الصادرة صباح الأحد. فإعادة الأمن والاستقرار لهذا البلد الذي مزقه الحرب منذ تسع سنوات بات «مسألة قومية» للأوروبيين الذين تعصف بوحدتهم أزمة اللاجئين، وليبيا تحولت في السنوات الأخيرة إلى منطقة عبور رئيسية للمهاجرين في شمال إفريقيا.
وكانت وسائل اعلام ألمانية قد تناقلت مقترح مسودة للاتفاق الختامي الذي يجرى عرضه على الدول المشاركة والتي تأمل برلين الموافقة عليه، حيث ركزت المسودة الختامية على سحب الأسلحة الثقيلة والطائرات، مع الدعوة إلى «جميع الأطراف المعنية لمضاعفة جهودها من أجل وقف مستدام للأعمال العدائية وتخفيف التصعيد ووقف دائم لإطلاق النار». يضاف إلى ذلك إطلاق عمليات تبادل الأسرى كخطوة استعادة الثقة. وتريد برلين نزع سلاح الميليشيات أو إدماجهم ضمن قوى الأمن الوطني حيث ترى في ذلك مخرجا من أجل حل الأزمة، بحسب القناة الإخبارية الثانية. وفي حين أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأحد، أن الوقت حان لاتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لمنع نشوب حرب أهلية كاملة في ليبيا، محذرا المجتمعين في مؤتمر برلين من أن الصراع في هذا البلد العربي يمكن أن يؤدي إلى تقسيمه بشكل دائم. طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإنهاء وجود المقاتلين السوريين والأجانب في العاصمة الليبية طرابلس على الفور. وأضاف أن على الأمم المتحدة التفاوض حول شروط الهدنة في ليبيا دون فرض شروط مسبقة من أي من الطرفين المتحاربين.
وقال غوتيريش، في كلمته أمام قادة دول العالم المشاركين في المؤتمر: «نواجه خطرا واضحا بالتصعيد الإقليمي، وأعتقد حقا أنه لا يوجد حل عسكري في ليبيا. لقد حان الوقت لاتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لمنع نشوب حرب أهلية كاملة». وأضاف: «مثل هذا الصراع يمكن أن يؤدي إلى كابوس إنساني تصبح معه البلاد عرضة للتقسيم الدائم». وأصبحت فكرة إرسال قوات دولية لمراقبة إطلاق النار في ليبيا، أكثر تبلورا، مع ترحيب رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج، بالمقترح، وإعراب إيطاليا وألمانيا استعدادهما لإرسال قوات أوروبية لدعم السلام في البلاد، شرط الالتزام بهدنة دائمة.
كما اتفق وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو، على ضرورة التوصل لاتفاق رسمي لوقف إطلاق النار، و»آلية مراقبة موثوق بها»، بحسب تغريدة الأخير، دون توضيح طبيعة هذه الآلية.
وفي حال اتفاق الدول المجتمعة في مؤتمر برلين على وقف دائم لإطلاق النار، يحتم عليها إيجاد آلية لمراقبة ذلك، قد تشمل إرسال قوات سلام للفصل بين الأطراف المتنازعة، ولكن ذلك لن يتحقق إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي، شريطة ألا ترفع أي من القوى الخمسة دائمة العضوية حق النقض (الفيتو) في وجه هذا القرار.
قوات السلام
كما لم تتحدد الجهة التي سترسل قوات سلام إلى ليبيا، هل الاتحاد الأوروبي، أم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو الاتحاد الإفريقي بتمويل دولي، أم تركيا باعتبارها وقّعت مذكرة تفاهم عسكري مع حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليا، كما لم تحسم روسيا موقفها بشأن هذه المسألة.
أما بالنسبة لتمويل هذه القوات، فتعتبر ألمانيا راعية مؤتمر برلين، أكثر الدول المؤهلة للعب هذا الدور، بالنظر إلى قوة اقتصادها، وإعرابها عن استعدادها للمساهمة في «مهمة محتملة للجيش الألماني لحفظ الأمن».
وكان متحدث باسم الحكومة الألمانية صرح في وقت سابق اليوم بأن المستشارة ميركل ووزير خارجيتها هايكو ماس اجتمعا برئيس الوزراء الليبي فايز السراج وقائد قوات شرق ليبيا، المشير خليفة حفتر، بديوان المستشارية قبل الانطلاق الرسمي للقمة في حين والتقى بوتين وأردوغان في مباحثات ثنائية قبل انطلاق المؤتمر، وأكدا خلال ذلك أهمية الهدنة في ليبيا. كما التقى وزير الخارجية الأمريكي نظيره التركي مولود تشاوويش أوغلو، وطالب بومبيو بعقد اتفاقية هدنة في ليبيا وبآلية فعالة لمراقبة الوضع هناك.
وبعد أفغانستان وأوكرانيا، تركز الدبلوماسية الألمانية الآن على ليبيا. ويشارك في المؤتمر كل من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ونظيره الإيطالي جوسيبي كونتي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، وممثلين عن الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية. ويمثل الصين في المؤتمر يانغ جيه تشي، رئيس مكتب لجنة العمل الخارجي بالحزب الشيوعي الصيني، فيما يمثل الإمارات بالمؤتمر وزير خارجيتها عبد الله بن زايد آل نهيان. ويتواجد في برلين كل من فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليا، وخليفة حفتر قائد القوات غير الشرعية بالشرق الليبي.
وتدعم تركيا وإيطاليا والجزائر حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة، فيما يحظى حفتر بدعم كل من فرنسا والإمارات ومصر، كما تمتلك روسيا تأثيرا كبيرا على حفتر.
وتطالب الأطراف الداعمة لحكومة الوفاق الليبية بوقف دعم السلاح عن حفتر والاعتراف بالحكومة الشرعية في ليبيا، وعدم تسليم مصادر الطاقة الليبية لدول أجنبية، وانسحاب ميليشيات حفتر من المناطق التي سيطرت عليها من خلال حرب غير قانونية. فيما تطالب الأطراف الداعمة لحفتر إشراك قوات اللواء المتقاعد في إدارة البنك المركزي لليبيا الخاضع لإدارة حكومة الوفاق، ونزع الأسلحة عن قوات تابعة للوفاق حال التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، ونشر ميليشيات تابعة لحفتر بالعاصمة طرابلس، ومنحه قوة سياسية تتناسب بشكل مباشر مع مكاسبه الميدانية التي حققها بقوة السلاح كنتيجة لحل سياسي محتمل.
وتشن قوات حفتر، منذ 4 أبريل/ نيسان الماضي، هجومًا للسيطرة على العاصمة طرابلس (غرب)، مقر الحكومة الشرعية، ما أجهض آنذاك جهودًا كانت تبذلها الأمم المتحدة لعقد مؤتمر حوار بين الليبيين.