تصيد الإعلام المصري تعبير الرئيس السابق محمد مرسي «أهلي وعشيرتي» لتسويق فكرة مؤداها، أنه رئيس للإخوان وحدهم، وليس رئيساً لجميع المصريين، والحقيقة أن الرجل كان يتحدث بثقافته، ولم يكن يقصد ما هو أبعد من ذلك، فالرجل كان بسيطاً، وربما تعوزه الحنكة، ولكنه لم يكن ساذجاً ليفضح انحيازه التنظيمي من اللحظة الأولى، ومع ذلك أعطت هذه العبارة الأجهزة الإعلامية كل المبرر لإعلان الحرب على الرئيس المنتخب وقتها.
كانت حرباً متعددة الجبهات، التقت فيها المصالح المختلفة للإطاحة بالإخوان المسلمين، وقدّم الإخوان في المقابل جميع المبررات لخصومهم السياسيين، من خلال حالة التماهي التي عايشوها مع السلفيين، وبعضهم من المقربين من الحركات المتطرفة، وخابت رحلة البحث عن الحلفاء، وتعويض الشرخ الذي حدث في الجماعة بعد مناكفات جناحي خيرت الشاطر وعبد المنعم أبو الفتوح، ولكن لنعد لتعبير العشيرة، وهو تعبير مركزي ليس في فكر الإخوان وحدهم، ولكن في فكر كل التنظيمات والجماعات السياسية العربية للأسف، وإذا لم يكن في مصر أنظمة عشائرية مشابهة للأردن والخليج العربي، ولم تكن منقسمة طائفياً، كما هي الحال في العراق وسوريا ولبنان، فإن وجود العشيرة الرمزية أمر ضروري، من أجل احتواء الفرد الذي يشعر بضآلته أمام السلطة، وحيث تغيب المواطنة وتصبح حقوق الإنسان ترفاً، ويتصاعد التمييز الطبقي والإقصاء الفئوي، يصبح الحل في البحث عن تعويض الذوبان في مجموعة، لتكن يساراً أو يميناً، أو حتى عصابة، المهم ألا يبقى العراء والانكشاف أمام الوحدة المرعبة للفرد في مجتمع النخبة أو الطغمة، أو حتى العصابة أيضاً.
«المخلص القادم من الأرياف» هكذا وصف الكاتب الصحافي وائل عبد الفتاح الإخواني الذي يأتي إلى المدينة من أجل إنقاذها، وهو في الحقيقة ينتقم من قسوة المدينة وشروطها المجحفة، من محدودية الفرص المتاحة، ومن قلة عدد الناجين، ومن هذه الفئة من الطلبة، ومعهم قطاع واسع من الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، من أبناء المدينة نفسها، شكلت جماعة الإخوان قوامها الرئيسي، وعندما نتحدث عن أدنى الطبقة المتوسطة، فغالباً نعني الطالب الذي يقبع في الدرك الأسفل من الحياة الجامعية، فنسبة قليلة من الفقراء يمكن أن تجد مكانها في الجامعات، حتى في نظام تعليمٍ مجاني، وتتولى الجماعة دور الأهل والعشيرة، وحتى لو مارست سلطتها على أعضائها، فهي سلطة أبوية مقبولة، فالآباء يمكن أن يمارسوا شيئاً من القسوة تجاه أبنائهم، ولكنهم لا يلقون بهم في غيابة الجب، أو يطلقون عليهم الرصاص.
من الضروري أن يتحصل الإنسان العربي على حقوقه الأساسية بوصفها حقوقاً لا منحاً، ولا أعطيات ولا منجزات تحسب عليه
كان اليساريون يشكلون في المقابل عشائر خاصة بهم، ويمثلون تشكلات ورواسب طبقية وفئوية وجهوية معينة، وفي العادة يتوافدون من محبطي الطبقة الوسطى المستقرة، وهي طبقة تبالغ في قلقها وفي مخاوفها، والمتجهون يساراً من أبنائها يتحركون بغريزة الرفض والتمرد، ولذلك غلبت عليهم طبيعة لا انصياعية مختلفة عن أتباع تنظيم الإخوان المسلمين، والتنظيمات الإسلامية في مفهومها الأوسع، ولذلك أخذ اليسار في الانشقاق والتشظي، وتجلت هذه الظاهرة في التجربة الفلسطينية، وإلى حد ما في الأردن، بل يمكن النظر في بعض حالات اليساريين الذين أمعنوا في خروجهم، ليصبحوا جزءاً من السلطة، أو انساقوا إلى العمل مع منظمات وجمعيات، يعتبرها اليساريون مشبوهة، إلى خذلانهم من فشل التنظيم السياسي، الذي يفترض النضج الفكري في أعضائه، من توفير الحاضنة المعنوية والعاطفية، وأحياناً المادية بالطريقة التي يوفرها الإخوان في مسيرتهم.
البحث عن الأهل والعشيرة هاجس أساسي لدى الفرد العربي وجزء من تكوينه، فهو لا يمكنه أن يحصل على حصة من القانون والعدالة التي يمكن في حال فشلها عن توفير الفرص، التي يستحقها أن توفر له، وعلى الأقل، الحد الأدنى من الحماية التي تقيه من الامتهان والإذلال، وحيث لا يمكن للدولة أن تقوم بدورها وفق نظام يؤمن عدالة الفرص، مثل الرأسمالية، أو عدالة المواقع، مثل الاشتراكية، لتسعى بصورة انتهازية من تحقيق مصالحها، يتم البحث عن الأهل والعشيرة، وهي إن لم تمنح شيئاً ذا قيمة، فهي لن تصدر النكران تجاه أبنائها، وهذه العشيرة قد تكون فعلية، أي عائلة ممتدة أو تشكيل قبلي أو طائفة أو مذهب ديني، وقد تكون مصطنعة مثل التنظيم السياسي، الذي يحاول أن يؤدي الدور نفسه، وعادة، وباستثناء التنظيمات ذات الطابع الديني، ما يفشل في تحقيقه.
تبقى الأسئلة مفتوحة حول البداية الضرورية والمنطقية للإصلاح، خاصة بعد الفشل الذي أظهرته التجربة الانتخابية، الأقرب من حيث المزامنة في الأردن، والانحياز المطلق للعشيرة على حساب الأحزاب السياسية، وكيف يمكن تذويب فكرة العشيرة، أو فصلها عن الحياة السياسية، كيف يمكن أن يكون المواطن منتمياً لإطاره الطبيعي، وهو الدولة، كيف يشعر بأنه في مأمن من ديمقراطية المرة الواحدة، ويطمئن لوجود فكرة المداورة السياسية، ويشعر بأن أي خطاب سياسي هو موجه له بوصفه فرداً من مجموعة، وكيف يمكن أن يمارس خياره السياسي بناء على التطلعات والطموحات لا المخاوف والمطامع؟ وعلى الرغم من كثرة الأسئلة وتداخلها وتعقيدها، يبقى من الضروري أن يتحصل الإنسان العربي على حقوقه الأساسية بوصفها حقوقاً لا منحاً، ولا أعطيات ولا منجزات تحسب عليه، فالأحرار هم من يمكنهم صناعة التغيير، أما من يفتقدون لذلك فهم مقيدون لا يمكنهم حتى أن يسهموا في بناء الوطن، أو في إنقاذه.
كاتب أردني
ما تحتاجه الامة اليوم هو اصلاح ديني جذري قبل اي اصلاح اخر. ادعو الجميع الى الاستماع والقراءة ل د. محمد شحرور لنعلم كم اصاب ديننا من الدمار بسبب التناقضات الكثيرة في الفقه الموروث، والتي كانت السبب في انعزال هذه الامه عن الامم المتحضرة. نحن بحاجة لاصلاح ديننا وعدم تجميده في حدود ما قاله الفقهاء القدامى الذين قاموا بجمع الاحاديث، بعد عصر النبوة بمئتي عام. ونقلوا اسلوب حياة من عاشوا بعد عصر الخلافة الراشدة على انه دين. واعتبروا ان تطبيقهم ذلك للدين هو التطبيق النموذجي والوحيد. فاصبحت تفاصيل الحياة القائمة اّنذاك من لباس وطعام وشراب وفنون وغير ذلك، اصبحت كلها تعتبر زورا وبهتانا جزءا من الدين. وهكذا فقد تم وضع مئات الالاف من الاحاديث لتجعل اسلوب الحياة ذلك اسلوب حياة واجب الاتباع من كل الناس الى يوم القيامه. وكان ذلك اما لتدني السقف المعرفي او تحقيقا لمصالح فردية او ارضاء للحكام. واصبح ينظر لاحاديث النبي عليه الصلاة والسلام على انها وحي ثان مواز للتنزيل الحكيم ومطابق له في القدسية وربما اعلى منه في بعض الاحيان.
( أهلي وعشيرتي) ..عبارة مرسي رحمه الله ..لم يكن يقصد بها جماعته وتنظيمه..فقد استقال منها بعد انتخابه ليكون رئيسا لجميع الشعب .وهو ما يقصده – قطعا – بتلك العبارة ..