الإبادة البيئية جريمة إسرائيلية متعمدة تهدف إلى تدمير كامل مقومات الحياة في غزة

إسماعيل عبدالهادي
حجم الخط
0

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، يشرع الاحتلال الإسرائيلي بقصف الأراضي الزراعية على الحدود الفاصلة شرق وشمال قطاع غزة وصولاً إلى المساحات الخضراء في عمق قطاع غزة، بعد ادعائه أن تلك المساحات يتواجد بداخلها منصات إطلاق صواريخ عدا عن فتحات لأنفاق تتبع لفصائل المقاومة، وهذا التدمير الهائل أدى إلى حدوث إبادة بيئية خطيرة ومتعمدة، لجعل منطقة غزة غير قابلة للعيش.
ويعتمد سكان قطاع غزة على ما تنتجه المحاصيل الزراعية محلياً، حيث توجد في القطاع مساحات زراعية واسعة من الحمضيات والفواكه وغيرها، ويغطي إنتاج هذه المحاصيل احتياجات السوق المحلي ويصدر في بعض الأحيان الفائض منها إلى أسواق الضفة الغربية، لكن الاحتلال دمر أكثر من65 في المئة من المساحات الزراعية، لاسيما في منطقة جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا شمال القطاع وتعتبر هذه المناطق إلى جانب مدينة خانيونس سلة غذاء قطاع غزة.
وقال برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن القصف العنيف للمناطق المأهولة بالسكان يمكن أن يلوث التربة والمياه الجوفية على المدى الطويل، كما يؤدي الاستخدام المفرط في الذخائر وانتشار المواد الكيميائية الخطيرة إلى انتشار العديد من الأمراض الخطيرة بين السكان، ويزداد هذا الخطر مع تقليص المساحات الخضراء من جراء عمليات التدمير والتجريف للمساحات الزراعية بشكل واسع.
وأظهر تحليل لصور أقمار صناعية نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، تعرض مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في غزة للتدمير والتجريف، حيث قدرت تحليلات الأقمار أن ما يقرب من نصف الأشجار الموجودة في غزة دمرت بشكل كامل، فيما قال خبراء إن هجوما إسرائيلا على النظام البيئي إلى جانب التلوث الهوائي والمائي المتزايد، جعل القطاع منطقة غير قابلة للعيش، ووفق التحليل فإن الحجم الكامل للأضرار في غزة لم يوثق بعد كاملاً، لكن تحليلات الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية تظهر تعرض نحو 48 في المئة من الغطاء الشجري والأراضي الزراعية للتدمير الكامل. في المقابل وصفت سامان موافي مساعد مدير الأبحاث في مركز فورينسك التدمير الحاصل بالبيئة داخل قطاع غزة بالمنهجي، موضحة أن الباحثين استخدموا صورا ملتقطة من الأقمار الصناعية لتوثيق عملية متكررة من مواقع عدة تظهر حجم الدمار بالمساحات الزراعية.
ومع بدء عملية التوغل البري في قطاع غزة وبدء المرحلة الثانية من الحرب الإسرائيلية، قام الجيش بإجراء عمليات تجريف واسعة لكافة المساحات الزراعية، وتدمير منطقة بيت حانون بشكل كامل ومسحها عن الخريطة، كما تم تدمير كامل المساحات الزراعية في منطقة بيت لاهيا وجباليا إلى جانب تجريف ما تبقى من أشجار نخيل وزيتون في المساحات الزراعية التي توجد في عمق مدينة غزة، وهذا ما حصل من عمليات تجريف ممنهجة وسط القطاع لإنشاء طرق وبنى تحتية، عندما أقام الاحتلال شارع 749 في محور نتساريم الذي يفصل شمال القطاع عن الجنوب، ودمر من أجل إقامة الشارع نحو 5 آلاف دونم زراعي خاص بأشجار الزيتون والحمضيات والنخيل، وهذا يدل على أن الاحتلال يتعمد إلحاق الضرر والأذى بالقطاع البيئي والزراعي في القطاع، حيث باتت المساحات الزراعية قاحلة وعبارة عن كثبان رملية بفعل عمليات التجريف.
وإلى جانب التدمير الإسرائيلي المتعمد للمساحات الزراعية، أدى انقطاع غاز الطهي وصعوبة الحصول عليه لإعداد، إلى عودة مهنة التحطيب التي اندثرت منذ فترة زمنية بعيدة، حيث يقوم مواطنون وفي ظل عدم وجود جهات رقابية، بقطع الأشجار المعمرة في الطرقات والشوارع وبعض المساحات الزراعية المتروكة، من أجل الحصول على الحطب وبيعه، وبات التحطيب من أكثر المهن المدرة للمال خلال الفترة الحالية، نتيجة احتياجات المواطنين الماسة له لإيقاد النار، خاصة أصحاب التكيات الخيرية الذين يعملون يومياً على صناعة الطعام للفقراء، ويحتاجون لكميات كبيرة من الحطب، ويتسابق تجار الحطب على جمع أكبر كمية يومياً لجلب المال في ظل الظروف المعيشية الصعبة، متجاهلين المخاطر الكبيرة الناجمة على النظام البيئي.
يقول المزارع عاطف ورش أغا إن الاحتلال دمر أكثر من ثلاثين دونماً زراعياً خاصا به في منطقة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وذلك من إجمالي آلاف الدونمات والحمامات الزراعية المحيطة بأرضه والتي تعود لمزارعين، بعد أن أقدمت جرافاته على جرف كافة المساحات وتحويل المنطقة إلى كثبان رملية وتمركز للقوات فيها، وذلك خلال عملية اجتياح المدينة في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وأوضح لـ«القدس العربي» أن المساحات الزراعية في منطقة بيت لاهيا وبيت حانون الملاصقة للمدينة، تغطي كافة احتياجات مدينة غزة وشمالها من الحمضيات وبعض أنواع الفواكه، ولكن بعد الدمار الهائل سيضطر السوق المحلي إلى الاستيراد من الأسواق الإسرائيلية، وبالتالي سينعكس ذلك على المواطنين بارتفاع أسعار البضائع نتيجة تكاليف الاستيراد والنقل، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة بعد توقف المئات من العمال والمزارعين عن العمل.
أما أحمد خضر فقد عبر عن بالغ استيائه من تعرض أراضيه الزراعية الواسعة ومزرعة خاصة بإنتاج حليب الأبقار شرق مدينة جباليا للتدمير الكامل من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث لم يعد ممكنا التعرف على أرضه التي محيت بشكل كامل، وهذا الدمار أثر سلباً على واقعه المعيشي، بعد أن فقد أفراد عائلته الذين يعملون في الزراعة مصدر رزقهم، وتكبده خسائر مالية فادحة بعد أن قام بتجهيز المحاصيل الزراعية خلال الفترة الماضية بأساليب زراعية حديثة، لكن الاحتلال تعمد إلحاق الضرر بالمزارعين والعديد من القطاعات الأخرى وينتقم من المدنيين وذلك كعقاب على ما يتكبده من خسائر بفعل عمليات المقاومة.
بدوره يقول الخبير البيئي باسم أبو حسين إن الاحتلال تعمد منذ بداية الحرب تدمير كل مقومات الحياة في قطاع غزة بما في ذلك القطاع الزراعي والصناعي والتجاري، بهدف جعله منطقة منكوبة غير صالحة للعيش، وبالتحديد قطاع الزراعة الذي يعتبر من أهم القطاعات الإنتاجية في غزة، حيث قام بتجريف وحرق مئات الآلاف من الدونمات الزراعية.
وأكد لـ«القدس العربي» أن عمليات القطع المتواصلة للأشجار خاصة المعمرة منها في الشوارع والطرقات، تؤدي إلى إحداث خلل في التوازن البيئي على المدى القريب والبعيد، وبالتحديد في ظل انتشار الغبار والسموم الناجمة عن القصف الإسرائيلي المتواصل، وتعرض المواطنين للاستنشاق المباشر لهذه السموم.
وطالب المؤسسات الدولية ذات الاختصاص، برفع دعاوى قضائية ضد الاحتلال، للتحقيق في الإبادة البيئية الخطيرة التي تعمد ارتكابها داخل قطاع غزة، وما يفرزه هذا الدمار من آثار سلبية وكارثية خطيرة على البيئة، كما دعا الجهات المحلية ذات الاختصاص، للعمل على الحد من تمادي المواطنين في قطع الأشجار المعمرة وغيرها من الطرقات العامة ومن داخل المستشفيات والمدارس.
وينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، على أن تعمد شن هجوم مع العلم بأنه سيسفر عن إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يعد جريمة حرب، كما تحضر اتفاقيات جنيف استخدام الأطراف المتحاربة وسائل وأساليب تلحق بالبيئة الطبيعية أضرارا.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية