لم يكن مفاجئا أن تتخذ هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي قرارا بغلق أبوابها على موجات الأثير والهجرة إلى العالم الرقمي بعد ثمانية عقود ونيف من العطاء (بدأت البث في 3 كانون الثاني/ يناير 1938). كإذاعة رائدة تربى عليها أجيال من العرب، وخرجت كبار الصحافيين الذين تعلموا أفضل تقنيات العمل الصحافي الإذاعي، والحرية في تناول الخبر وتقديمه، حتى أصبحت مرجعا موثوقا ومتابعا من ملايين المستمعين حول العالم، وخاصة في العالم العربي.
صوت إعلامي باللغة العربية
وكانت بريطانيا تعي تماما أهمية إنشاء صوت إعلامي باللغة العربية موجها للعالم العربي، خاصة وأن الحرب العالمية الثانية كانت على الأبواب، وقد تنبهت ألمانيا النازية لأهمية الإذاعة فسارعت إلى إنشاء إذاعة برلين العربية (والتي عرف فيها المذيع العراقي يونس بحري) وقد سار على منوال بي بي سي الكثير من الدول (إذاعة صوت أمريكا 1942، إذاعة مونت كارلو 1972). لكن رغم تنوع الإذاعات الناطقة باللغة العربية وتعددها بقيت إذاعة بي بي سي الأولى في العالم العربي، وكان العرب يتتبعون أخبار بلدانهم منها كون الإذاعات الحكومية لا تتمتع بالمصداقية الكافية.
وتشمل هيئة الإذاعة البريطانية محطة تلفزيون، وموقعا إلكترونيا باللغة العربية. وأكدت العمل في جميع اللغات والبلدان التي تتواجد فيها ولن تغلق أي خدمات لغوية. وتأتي هذه الخطوة للتكيف مع تحديات المشهد الإعلامي المتغير، وتقليصا للتكاليف.
راديو “سوا المشرق” اتخذ الخطوة نفسها منتقلا إلى العالم الرقمي بدءا من بداية تشرين الأول/أكتوبر وسيتم إطلاق تطبيق مجاني للهواتف المحمولة تتيح للمستهلكين الاستماع للأخبار والبرامج عند الطلب. ولن تقتصر الهجرة الإذاعية إلى العالم الرقمي على البي بي سي، وسوا المشرق، فالمشهد الإعلامي المتغير والتقنيات الحديثة المتطورة تفرض على الإذاعات الأخرى التوجه نحو العالم الرقمي عاجلا أم آجلا.
الإعلام والتطور التقني السريع
تختلـف عملیـات الاتصـال اختلافـاً جـذریاً حسـب تنـوع الوسـیلة، وحسـب الزمـان والمكـان المسـتخدمة فیھمـا، وحسب التقدم التقني والعلمي. ولھـذه العوامـل تـأثیر مباشر على مختلـف الأصـعدة. فـلا یمكـن مـثلاً إذا أردنـا التواصـل مـع بعض شرائح المجتمع التي یغلب على أفرادھا الأمیة، أو مع فئة معینة مـن الأطفـال، أن نتوجـه إلـیھم عبـر صـحیفة أو مجلـة، ولا یمكـن فـي الوقت ذاته إذا رغبنا توجیه رسالة محددة لمجموعـة مـن المثقفـین أن نستخدم الإذاعة أو التلفزیـون علـى سـبیل المثـال.
وكذا نرى أن المتخصصـین فـي مجـالات الاتصـال یعرفـون كیـف، ومتـى، وأیـن، وبأی وسیلة یتوجهون بها إلى مختلف شرائح المجتمع حسب الطلـب، ويتحتم على القائمين على وسائل الإعلام مواكبة التطور التقني كي تبقى هذه الوسائل في متناول المتلقي من ناحية، وتتماشى مع المتغيرات التي تطرأ على المستهلكين لوسائل الإعلام. فالمستهلك يقتني تقنيات اتصال حديثة كالهاتف الذكي، واللوحة الذكية.
وهذه التقنيات الحديثة والمتطورة باستمرار تتضمن خيارات مذهلة إذ يمكن للشخص الذي يقتنيها أن يستغني عن جهاز الراديو، والتلفزيون، والساعة، والآلة الحاسبة، والمسجل، والهاتف الثابت، والبريد،..ويمكنه أن يستخدم كل هذه التقنيات في أي مكان وأي زمان، بالإضافة إلى كل التطبيقات التي تسمح له بالتواصل والاتصال صوت وصورة مع أكبر شريحة من الناس في جهاز واحد ملك يده، وهذا ما يدفع وسائل الإعلام أن تتكيف مع الواقع الجديد. فالدراسات الإعلامية الأخيرة تؤكد أن التلفزيون لم يعد يجذب فئات كبيرة من المجتمع، وخاصة الشباب الذين يفضلون متابعة الأخبار على الهواتف المحمولة.
رموز مورس
كانت البدایة مع اكتشـاف هرتـز للموجـات الكهرومغناطیســیة والتــي أخــذت اســمه وباتــت تســمى بالموجــات الھرتزیة، وخاصیة هذه الموجات أنھا تتحرك في الجو بسـرعة كبیـرة جداً ویمكن أن تحمل ذبذبات صوتیة یمكن إرسـالها واسـتقبالها علـى مسافات بعیدة حسب نوع هذه الموجات أكانـت قصـیرة، أم متوسـطة، أم طویلــة، عــن طریــق أجهــزة معینــة.
وكــان الاســتخدام الأول لهــذا الاكتشاف هو رموز مورس، أي التلغراف الذي كان یسـتخدم مـن قبـل جیوش العالم بأسرھا مع منتصف القـرن التاسـع عشـر وحتـى بـدایات القرن العشرین.
استطاع غوليلمو ماركوني فیما بعـد بفضـل ھهذا الاكتشـاف إرسـال الرسـائل عبر الأثير واستلامها في مناطق بعيدة. وهذه كانت اللبنة الأولى في انطلاق أكبر وسيلة إعلامية حينها: الإذاعة. ولم یكن في إمكـان أحـد أن یتصـور أن الأصوات یمكـن أن تنقل وتسـجل لتسـمع مـن جدیـد آلاف المـرات لـو أراد ذلك. فالكتابة وحفـظ النصـوص وجـد الإنسـان لهـا حـلاً مرضـیاً، ولكن الصوت كان یشكل معضلة أكبر مـن معضـلة الكتابـة لأنهـا كانـت تحتاج لتكنولوجیـا متقدمـة جـداً كـان مـن الصـعب الوصـول إلیهـا فـي عصور سـابقة. فكـل أمنیـات الشـعوب التـي كانـت تصـبو إلـى تسـجیل أصوات أنبیائها، وكھنتها، وزعمائها، ومطربيها تحققت بفعل الإذاعة. فكلمـا ازداد التطـور وتقـدم الفكـر، تطـورت عملیـات الاتصال وازدھرت وسـائلها حتـى باتـت الكـرة الأرضـیة فـي یومنـاهذا قریة كونیة، یمكن لكـل إنسـان فیهـا أن یتصـل بـأي إنسـان آخـر فـي اللحظة ذاتها، یكفي فقط أن یكونا مجھزین بـجهازي هـاتف محمـول، حتـى ولـو كـان یبعـد الواحـد عـن الآخـر آلاف الأمیـال ویتواجـد فـي أمكنـة صــحراویة أو جبلیــة أو فــي عمــق الأدغــال وذلــك بفضــل الأقمــار الاصطناعیة. كما أن باستطاعته أن یرى مباشـرة المباریـات الریاضـیة، أو المعـارك والحـروب الطاحنـة وكأنـه یشـارك فیهـا مـن وراء شاشـة فما نراه سهلاً جداً الیوم ضـمن الانفجـار الإعلامـي الكبیـر بفضـل التقدم العلمي والتقني المذهل للإنسان خـلال القـرنین الماضـیین، كـان بمثابة معجزة كبیرة لإنسان ما قبل الكتابة.
بدأت التقنية الإذاعية على موجات هيرتز القصيرة منها كانت مخصصة للبث البعيد، والمتوسطة للبث داخل حدود جغرافية معينة. الطويلة في حدود محدودة ضمن مدينة ما. لكن هذه الموجات كانت تحتاج لمحطات تقوية تبنى في المرتفعات فالجبال والتضاريس المختلفة كانت تمنع وصول الموجات التي تصطدم بها. كما أن الموجات القصيرة كان من الصعب التقاطها بوضوح. لكن مع اختراع الأقمار الصناعية شهدت الإذاعة قفزة نوعية مع ما أطلق عليه (إف إم) أي أن موجة الإف إم تصعد للقمر الصناعي من هوائي إذاعة ما ثم تعود إلى الأرض بعد انعكاسها إلى هوائي محطة أخرى تبثها على آجهزة الراديو في محيط قطره تقريبا 50 كم، هذه التقنية مازالت مستعملة في الكثير من الإذاعات لكن في العام 1998 بدأت بريطانيا بما يدعى البث الرقمي وهي تقنية معقدة تنتقل من البث التماثلي إلى الرقمي (لا مجال لشرحها تقنيا) ولكن من ميزاتها إرسال أكثر من محطة على قناة واحدة نحو الهوائيات الخارجية الموجودة.
وتُمكن المستخدم من الوصول لباقة من القنوات العامة والمتخصصة، والحصول على جودة رقمية عالية في الصوت والصورة. وهذه التقنية هي تقنية المستقبل لكل الوسائل الإعلامية التي تنتقل شيئا فشيئا إلى الشبكة العنكبوتية العملاقة.
كاتب سوري
جيد// ربما الامر برمته دليل على تغيير العالم ، في موسم هجرة الى عالم جديد، نأمل الا يكون بعد حرب عالمية ثالثة,,, مواسم الهجرة على صفحات الروايات لدحض الرواية الاستشراقية والبروبوجندا العنصرية الاستعبادية الاستعمارية، كان لها زمانها,,,, واليوم احداثيات افتراضية لزمن اخر وادوات اخري لمحاربة العنصرية والاستعباد والعنصرية ، ليس في الفضاء الافتراضي، ولكن في الواقع الانساني المادي,,, لقد اضحت القوى المهيمنة اليوم ، تمتلك ادوات الذكاء الاصطناعي للانتقال نوعيا في تطوير منظومة الهيمنة والسيطرة والاستعباد,,, فهم لم تعد سيطرتهم على الشعوب من خلال السيطرة والتحكم في الانظمة والنخب الحاكمة، بل اليوم هم يسيطرون على الافراد من خلال دراسة سلوكهم الاجتماعي وبالتالي تطويعهم وتطبيعهم وترويضهم نفسيا ليكونوا عبيدا يتم التحكم بهم عن بعد,,, فهل من موسم هجرة لفك شيفرة بروبوجندا الذكاء الاصطناعي وتفكيكها لحماية الوعي العربي والامة من اختراق اخطر من الاختراقات التي سبقت استعمار الوطن العربي وتدميره؟؟؟!!!!!!!!!!