(1) احتفلت الجماعات اليمينية المتطرفة في بريطانيا، وعلى رأسها المنظمة المعروفة بعصبة الدفاع الانكليزية، بحادث القتل البشع الذي ارتكبه فيما قيل مسلمان من أصل افريقي أمس الأول في حق شخص يعتقد أنه جندي بريطاني في ضاحية ووليتش جنوب شرق لندن. وتناقلت المواقع الالكترونية التابعة لهذه الجماعات خبر القتل فيما يشبه النشوة، ووزعت الصور البشعة التي تواترت عنه وطلبت من أعضائها الاحتفاظ بها وتوزيعها على نطاق واسع. فهذه الجماعات تعرف مقدار التعبئة التي تثيرها مثل هذه المشاهد ضد المسلمين، حيث تغني عن ملايين الخطب. وبالفعل تدفقت مجموعة من المحتجين على شوارع لندن، وتعرضت عدة مساجد لهجمات.
(2)
إذا كانت مثل هذه الهجمات تسعد أعداء الإسلام كل هذه السعادة، فكيف تجد التبرير ممن يزعمون أنهم يدافعون عن الإسلام؟ فبحسب الروايات المتواترة فقد أعلن المتهمان بحادث القتل الأخير عن فعلتهما بالتكبير، وناديا وسط الشهود بأنهما سيحاربان البريطانيين حتى يخرجوا من بلاد المسلمين. ويرجح من المعلومات الأولية أن أحد الرجلين على الأقل نيجيري الأصل، ولعل الإشارة في الحديث عن بلاده تعود إلى نيجيريا ومعارك جماعة بوكو حرام المتطرفة هناك، أو إلى مالي وما يجري فيها من قتال بين جماعة أنصار الشريعة وقوات مدعومة من الغرب.
(3)
جماعة بوكو حرام التي نشطت في نيجيريا خلال الأعوام القليلة الماضية متهمة بدورها بالضلوع في أعمال إرهابية، من بينها تفجير الكنائس. ولم تنفرد المجموعة بهذه الأفعال، حيث نسب مثلها وزيادة إلى مجموعات باكستانية وأفغانية وعراقية وصومالية وسورية وتركية ومصرية وتونسية وجزائرية. وما يربط بين هذه المجموعات انتسابها إلى الدين الإسلامي الحنيف، ودعواها بأنها من أئمة المجاهدين في سبيل الله، كما أن معظم ضحاياها من المسلمين، وكثير منهم من المصلين في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
(4)
إطلاق تهمة الإرهاب على عواهنها من السقطات التي ينبغي على المدققين تجنبها. ولا توجد في الشرع الإسلامي تهمة تسمى الإرهاب، ولكن توجد تهمة تسمى محاربة الله ورسوله والسعي في الارض فساداً، وهي تهمة فرض لها الشرع أشد العقوبات. هذه الجريرة هي ترويع الآمنين والتعدي على الحرمات وقطع السبيل وما إليه من خروج على المجتمع وأمنه. وكثير من الأعمال التي تنسب إلى هذه الجماعات تدخل في هذا الباب. وإذا تجاوزنا عن كل الجرائم الأخرى، فإن العدوان على دور العبادة من مساجد وكنائس ونحوها هو بدون أدنى شك محاربة لله ورسوله، لأن الجهاد لم يشرع إلا للدفاع عن حرية العبادة، حيث بين الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله أن حكمة تشريعه تتمثل في أنه لولاه ‘لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا’.
(5)
كثير من الأفعال التي تجترحها هذه الجماعات المتطرفة مما لا يسوغه خلق ولا عقل، فضلاً عن أن تكون مما يوجبه الدين، فإن الله لا يأمر بالفحشاء ولا بالمنكر. فما حدث مثلاً من خطف المجندين المصريين، أو زرع الألغام في تونس وغير ذلك من الأعمال تطرح أسئلة عما يعتقد أصحاب هذه الأفعال أنها تحقق. فلنفترض أن قتل الأبرياء جائز ديناً وخلقاً، فما هي المصالح المرجوة من مثل هذه الأفعال الإجرامية المشينة؟
(6)
هناك أسئلة أخرى تطرح عن أين كانت هذه الجماعات ‘الجهادية’ أيام الطغاة من أمثال بن علي والقذافي؟ ولماذا لم يخرجوا وقتها للجهاد ضد الظلم؟ فقد سمعنا من قادتهم في تونس أنهم لا يطلبون إذناً من أحد من أجل إعلاء كلمة الله. فلماذا لم يجرؤ أحد منهم على مجرد طلب الإذن وقتها؟ ولماذا تصرف الجهود في تفجير المساجد في باكستان والعراق وغيرها من ديار المسلمين، ولا نسمع بمجرد مظاهرة دفاعاً عن المسجد الأقصى؟ هل لأن البعض يخاف إسرائيل أكثر مما يخاف الله، فيتجرأ على ضيوف الرحمن في بيوته ولا يمس شعرة ممن تجيرهم إسرائيل؟
(7)
بخلاف ما يردده البعض من تعارض بين الدين والعقل، فإن كل الشواهد النصية والعقلية تؤكد أنه لا دين لمن لا عقل له. فإنما يخشى الله من عباده العلماء، وما يذكر إلا أولو الألباب. وفي الحديث ما ينفي صفة الإيمان عن من لا يأمن جاره بوائقه (بدون سؤال عن دين هذا الجار أو سلوكه). فإذا كان هناك من يشكل خطراً دائماً على جيرانه الآمنين، ثم يدعي أن الله تعالى عما يقولون علواً كبيراً- قد أمره بهذا، فإن الدين براء منه. فكيف يصور دين الله على أنه يأمر بالخيانة والغدر والجبن؟ كيف يذهب البعض إلى مكاتب الضمان الاجتماعي لأخذ المعونات من ‘الكفار’ ثم يعلن في محفل آخر الجهاد ضد ‘العدو’ الذي يؤويه ويطعمه؟
(8)
إن كان البعض لا محالة فاعلاً، فليبدأ بالهجرة من ‘أرض الكفر’ إلى ديار الإيمان، ولينبذ إليهم على عهودهم على سواء كما أمر القرآن، فيخرج إلى الطريق العام فيعلن براءته من الجنسية والإقامة والحقوق (بما في ذلك حق اللجوء إلى المحاكم لتجنب الطرد والإرسال إلى ‘دار الإسلام حيث التعذيب والقهر هو الدين المتبع)، ثم ليدعو المقاتلين إلى المنازلة، بدلاً من أن يهجم على المدنيين الغافلين.
(9)
لعل أبلغ إدانة لمثل هذه الأفعال أن كثيراً من المسلمين، بما في ذلك الجماعات المتطرفة، ينكرونها ويتبرأون منها، كما فعل البعض عندما نسبوا تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر لهذا الجهاز المخابراتي أو ذاك. ولعمري إن الخدمات التي تسديها بعض هذه الجماعات لمخابرات الدول الباغية لا تقدر بثمن. وليس بمستبعد أن تكون بعض أجهزة المخابرات تستخدم هذه الجماعات بعلم أو غير علم. وكلنا يعلم كيف فاحت رائحة المخابرات الروسية من أحداث بوسطن الأخيرة، والتي خدمت مصالح روسيا وحلفائها خدمة كبيرة.
(10)
في السجال الأكاديمي والسياسي المتطاول حول ما يسمى بالإرهاب الإسلامي، ظل الكثيرون ونحن منهم- يجتهد في تبرئة الإسلام من الجرائم التي ترتكب باسمه. ولكنا في المراحل الأخيرة أصبحنا بدورنا نجتهد في فهم دوافع مرتكبي هذه الحماقات التي تجاوزت الدين والسياسة إلى مرحلة تقرب من الهوس والجنون، بحيث لم يعد هناك مجال لتفسيرها بأي شكل لا يسيء إلى الإسلام والمسلمين.فهذه جرائم لا تضر سوى المسلمين، ولا تسيء إلا إلى دينهم وعقيدتهم. فهل أنتم منتهون؟
many thanks. i agree100%,and enjoy to read what u always write.
السلام عليكم أستاذي الفاضل عبد الوهاب انا المتابعين لكم بأعجاب لكل ما تكتب ولعل في ما تكتب. تتطابق أفكارنا وذالك هو السر إضافة لإسلوبك الراقي والمتمكن فألف شكر لك ووفقك الله في الدفاع عن الإسلام لعمري انها أفعال من كبائر الأمور لا تخدم الا عنصري الغرب
للاسف بعض الكتبة يتحينون الفرص للتملق، و كان الجندي البريطاني المقتول دمائه تختلف عن دماء عشرات الاف الجنود السوريون الذين يقتلون علي ايدي زملاء هذا الارهابي و كلاهما يتنمون لنفس المدرسة و نفس الفكر، و يمارسون القتل في سوريا بدعم و تشجيع من بريطانيا و امريكا و عملائهم في مشيخات النفط و عملائهم من الكتبة الذين يدعون زورا ان الشعب السوري خرج عن بكرة ابيه ضد نظام الحكم. التملق و النفاق عيب و حرام.
لا تتعجب من عدم قيام هذه الجماعات السلفية باي عمل لصالح القدس او الاقصي، لسبب بسيط وواضح ولا يخفي الا علي المفغلين. فهذه الجماعات الان في خدمة المشروع الصهيوني. فاسرائيل الدولة ترد الجميل الان للتاج البريطاني عن طريق نفس تلك الجماعات. المطلوب الان طرد كل المسلمين من اوروبا حلا للمشكلات الاقتصادية والبطالة المتزايدة والطريق الي هذا المشروع سهل برفع منسوب الكراهية ضد المسلمين كما فعل هتلر ضد اليهود قبل الحرب الثانية الكبري.