أصبح واضحاً أنَّ لدى إسرائيل سياسة ممنهجة تقوم على الإعدام الميداني للفلسطينيين، بدلاً من الاعتقال والمحاكمة، وهذه السياسة لا تقتصر على الضفة الغربية وحدها، وإنما تمتد إلى القدس المحتلة والأراضي داخل الخط الأخضر أيضاً. هي سياسة بالغة الخطورة تعني أن الاحتلال ينتهك بشكل مباشر وصارخ القانون الدولي، ويرتكب جرائم ضد الإنسانية تجعلُ كل فلسطيني في الأرض المحتلة برسم الموت في أي لحظة.
خلال الأيام القليلة الماضية نفّذ جيش الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً نسبياً من جرائم الإعدام الميداني ضد فلسطينيين، كان مؤكداً أنه تم تفويت فرصة اعتقالهم ومحاكمتهم، حيث يتخذ الجنود في كل مرة قراراً بالقتل المباشر، أي الإعدام الميداني من دون محاكمة، وهذه الحالات التي تم تسجيلها مؤخراً هي الأكبر من حيث العدد، ما يعني أن الإسرائيليين أصبحت سياستهم هي التصفية الميدانية للفلسطينيين، حتى من دون أن يكون الجندي الإسرائيلي قد تعرض للخطر، ومن دون وجود مواجهة مسلحة.
الفلسطينيون لم يعد لهم أي ظهير أو حام في العالم العربي، الذي أصبحت دوله وأنظمته السياسية تتسابق على إبرام اتفاقات التطبيع مع الاحتلال
قبل أيام قليلة رأى العالم الشهيد محمد سليمة عندما كان مصاباً بجراح في القدس المحتلة، ومن ثم أطلق عليه الجنود الإسرائيليون النار من مسافة صفر تقريباً، في عملية إعدام ميداني لا تقبل الشك، وليس فيها أي التباس، وبعدها بيوم واحد فقط قتل الإسرائيليون شاباً في سيارته بعد الادعاء بأنه نفذ عملية دهس، وسرعان ما تبين أنه لم يكن مسلحاً، أي أنه لا يوجد ما يُثبت أن الشاب كان يُنفذ عملية أصلاً، بل ربما كان حادثاً مرورياً عابراً، وقبلها بأيام قليلة فقط، قتل الإسرائيليون شاباً، بزعم أنه حاول تنفيذ عملية طعن، وهنا أيضاً قام جنود مدججون بالسلاح بقتل شاب لا يحمل سوى «سكين مطبخ» ومن المفترض أن الجندي المدجج بأحدث أنواع الأسلحة قادر على السيطرة على مدني يحملُ سلاحاً أبيض. الفضيحة الأكبر لجيش الاحتلال الإسرائيلي كانت باغتيال الطفل أمجد أبوسلطان البالغ من العمر 14 عاماً فقط، وهو طفل فلسطيني يسكن في بيت لحم في الضفة الغربية، قام جهاز «الشاباك» باستدراجه إلى منطقة خالية يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ومن ثم أطلق قناصة إسرائيليون ثلاث رصاصات قاتلة في ظهره، ما أدى إلى استشهاده على الفور، ومن ثم احتجزت قوات الاحتلال جثمانه لشهرٍ كامل قبل أن تسلمه إلى ذويه لدفنه. بعد ذلك تبين من تحقيق صحافي لجريدة «هآرتس» العبرية أن الطفل أبو سلطان تم استدراجه إلى حتفه بواسطة محادثات على شبكة «فيسبوك» كان يجريها معه ضابط في «الشاباك» ومن ثم تم قتله في جريمة اغتيال مدبرة وبشعة استهدفت طفولته البريئة. ثمة كثير من الأمثلة على عمليات إعدام ميداني نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد فلسطينيين كان بالإمكان اعتقالهم ومحاكمتهم، وهو ما يؤكد أن الدم الفلسطيني لم يعد له أي ثمن بالنسبة للجندي الإسرائيلي، كما أن هذه الأحداث تؤكد أيضاً أن هناك سياسة اسرائيلية ممنهجة بقتل الفلسطينيين، بدلاً من اعتقالهم، الأمر الذي يعني في نهاية المطاف، أن إسرائيل تمارس إرهاب الدولة، الذي يُشكل جريمة ضد الإنسانية ويشكل انتهاكاً لمعايير القانون الدولي الإنساني كافة، بما في ذلك اتفاقات جنيف الأربعة التي توفر الحماية للمدنيين خلال الحرب، وتحظر قتل الأسرى وتُجرم عمليات الإعدام الميدانية.
سياسة الاعدام الميداني الإسرائيلية مردها، أن الفلسطينيين لم يعد لهم أي ظهير أو حام في العالم العربي، الذي أصبحت دوله وأنظمته السياسية تتسابق على إبرام اتفاقات التطبيع مع الاحتلال، وتتسابق على اعتقال الفلسطينيين ومحاربة مقاومتهم المشروعة لهذا الاحتلال، كما أن المجتمع الدولي أصبح هو الآخر يتفرج على الجريمة المنظمة التي ترتكبها دولة الاحتلال في الأرض الفلسطينية، وهي جريمة لا تتوقف عند الإعدامات الميدانية، وإنما أيضاً تمتد إلى مصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات، والتمييز العنصري، والاعتداء على المسجد الأقصى المسجل على قوائم التراث الإنساني العالمي، الذي يُفترض أنه يحظى بحماية تمنع عنه ممارسات الاحتلال، وغير ذلك الكثير. المطلوب اليوم لمواجهة هذا العدوان الإسرائيلي، تصعيد ملاحقة الإسرائيليين أمام المحاكم العالمية، بما فيها «الجنائية الدولية» التي يُفترض أنها محكمة صاحبة اختصاص في هذه الجرائم، والتي يقع أغلبها في الأراضي المحتلة عام 1967، لأن هذه الجرائم يجب أن لا تمر، من دون حساب ولا عقاب، كما أن من يتتبع تصاعد وتيرتها يُدرك أن استمرار السكوت عليها سوف يؤدي بالضرورة الى زيادتها في المستقبل.
كاتب فلسطيني
سياسة فاشلة والشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده