الإعلامية المصرية نادية أبو المجد: نريد صحافة مهنية تلتزم بالحقيقة بعيدا عن الأهواء والتحزبات

حجم الخط
2

التقتها: فاطمة عطفة: إعلامية تمتاز بتجربة واسعة وتحرص على الالتزام بالمهنية الصادقة ونشر المعلومة الحقيقية بنزاهة وشفافية.
إنها ناديا أبو المجد ولدت في الكويت ودرست في الجامعة الأمريكية بالقاهرة وحصلت على الماجستير في العلوم السياسية، وهي تعمل في الصحافة والإعلام منذ عام 1989، قامت بزيارة العراق وغطت أحداثه قبل الحرب وبعدها بفترة قصيرة، كما غطت أحداث 11 سبتمبر. وأكثر أعمالها كانت مع وكالة الأنباء الأمريكية، كما عملت في الجزيرة الإنكليزية وفي صحيفة ناشيونال الإماراتية، وهي تعمل حاليا مدير تحرير الأخبار في قناة مصر العربية، كانت في قلب أحداث مصر وغطت ثورتها المظفرة من البداية. ونظرا لأن لقاءنا كان في المنتدى الإعلامي في دبي قبل نحو شهرين، كان لا بد من الاتصال هاتفيا بالسيدة نادية لإضاءة بعض المتغيرات التي جرت بعد 30 يونيو، وقد اكتفينا ببعض اللمسات لا أكثر، وخاصة أن التغيير في الإعلام يحتاج إلى وقت ‘.
ـ نتوقف قليلا مع الإعلامية، كي تتابع مسيرتها وتتدرج بهذا الشكل حتى تستلم مسؤولية إدارة الأخبار في قناة متميزة، من وجهة نظرك هل النجومية والنجاح يأتي من الدراسة والجهد والمصداقية في الإعلام، أم أن المصادفة أو المحاباة هي التي تساعد في التسلق والوصول دون سهر أو تعب؟
* ‘هناك الشكلان، هناك من يتسلق وهم الذين قيل عنهم يعرفون كيف يلعبون أو كيف يصلون، الإعلام جزء كبير منهم يعتمد على العرض. من الممكن جدا أن الشكل له دوره أيضا، خاصة بالنسبة للسيدات. فوصول السيدة يكون أصعب خاصة إن لم تكن تعتمد على شكلها أو غير ذلك. وأنا اخترت الطريق الصعب وغطيت حروبا ذهبت إلى العراق قبل الحرب بفترة قصيرة سنة 2003 وبعدها، وغطيت ثورة يناير، فأنا لم أختر طريقا سهلا أو تقليديا خاصة أني سيدة عربية، وأن يصل الشخص لصحافة أجنبية إضافة للصحافة العربية، فهذا وراءه علم وتعب. وأنا مسيرتي منذ 24 سنة ولا أعتبر نفسي وصلت للنجومية التي أستحقها، ومن رأيي أن الناس لا تعرف ما يعانيه الإعلامي، ولكن كل شخص له اختياراته وهو الذي يجني ثمرات هذه الاختيارات’.
ـ بين إدارة الأخبار وبين المحررة، ما الذي يترتب على الإدارة من التعامل مع الطاقم الإعلامي من ناحية الحرية الإعلامية الممنوحة؟ وما هو الفرق بين المحررة والمديرة، كيف ستتعاملين مع الإعلاميين الآخرين هل هو بنفس المبدأ الذي كنت تعملين به من ناحية المصداقية والمهنية؟
* ‘نعم، أعمل بنفس المبدأ، خاصة أن الشيء الذي أعجبني في الموضوع الجديد هو أنه تطور طبيعي بعد كل هذه السنين من العمل في هذا المجال وتغطية الأحداث من مواقعها، وأهم لدي من فكرة المركز والمنصب أن هذا هو الوقت الطبيعي الذي ينقل فيه الشخص للناس من خبراته. وأنا أشعر أيضا أن هذا من حسن حظي، خاصة أننا في وقت تبدو الصحافة المهنية متردية في معظم البلاد العربية، وفي مصر تمر الصحافة في حالة أقرب إلى المأساة. أنا دوما أقول المقولة لزملائي وتنذاع لناس كثر أنه قبل أن تتكلموا عن حرية الإعلام وحرية الرأي والتعبير، تكلموا عن المعلومة الصادقة والخبر الصحيح. أنت إعلامي مؤتمن، لا تخترع خبرا ولا تروج لإشاعة، ولا تقل أنا في بعض الوقت ناشط، وفي بعض الوقت صحفي. دوما أقول إن الشخص الذي كان يعرض حياته للخطر وهو يغطي الحروب كي ينقل المعلومة الصحيحة، هذا لا يمكن أن يكون إلا صادقا وشفافا. لكن هناك أشخاص جالسون ويخترعون أخبارا تناسب أهواءهم. أنا صارمة جدا مع نفسي ومع الأشخاص الذين أدربهم، فالمشروع كله قام على أنه نحن نريد أن نصنع صحافة مهنية، المفترض منها لحد كبير في مصر، ليس مع الإخوان وليس مع المعارضة، بل مع الحقيقة ومع الخبر الصادق، بغض النظر عن الأهواء والميول والأمنيات والمصالح الشخصية الضيقة، وهذا أمر صعب جدا في مصر حاليا، وربما في أكثر من بلد يمر بحالة انتقالية مشابهة. لكن في نفس الوقت أكثر شيء تحتاجه مصر حاليا هو هذا الصدق’.
ـ ما العقبات التي تتوقعين أن تقف في طريقك حاليا، إن كنت تريدين أخذ هذه المصداقية والحيادية، خاصة في ظل المتغيرات الجديدة في مصر؟
* ‘أنا اعتدت على التحديات ولا يزدهر عملي إلا في التحديات، دعيني أقول كلمة صادقة: النظام السابق لم يفعل شيئا لحرية التعبير وحرية الإعلام. كنا في حالة إعلامية قريبة من الفوضى، وكانت هناك أقوال كثيرة متناقضة كما في أي مكان في العالم، وهذا لا يجوز وغير مقبول أن تروج إشاعات وأمور تمس بالأمن القومي، هذا الذي أنا أقول لك عليه (قول حق يفسد بباطل) أنه لا يوجد شيء اسمه حرية، الحرية يجب أن تقترن دائما بالمسؤولية، مسؤوليتنا جميعا عن وطن وشعب ومستقبل أجيال’.
ـ الثورات العربية انعكست على الشارع وعلى الإعلام، فالشارع والإعلام لم يعد لديه مصداقية، كيف ترين القنوات التي تقدم صور الذبح والقتل والدم بلا مراعاة وكأنهم يقدمون طبقا من ورد، ما هذا الشعور الذي غدا مترديا لدينا بعد الثورات وكل ما فيها من تضحيات؟
* ‘جزء من الموضوع أن الثورات العربية كسرت حاجز الخوف عند الشعب وعند الإعلام، هذه كانت فرصة ذهبية للإعلام أن يأخذ بيد الشعب ويعوضه عن عقود من الظلم والجهل الممنهج المقصود. الإعلام الفاسد، إعلام نظام مبارك والتعليم الفاسد والذي هو أيضا نظام تعليم مبارك، أنا في رأيي مبارك كان يجب أن يحاسب ليس فقط على الذين قتلوا أثناء الثورة فقط، بل إن الجريمة الكبيرة التي اركتبها مبارك تكمن في نظام إعلامه وتعليمه، وهذا للأسف ما زال موجودا. الإعلام بدلا من أن يرتفع إلى مستوى الحدث ويعلم الناس بالحقائق، خاصة أنه أتيحت له الفرصة والآن الأمر أصبح مسألة حياة أو موت، فنرى كثيرين اختاروا الطريق السهل، سواء كانوا مع المعارضة أو مع الإخوان. لكن ليس مهما أنك أنت مع المعارضة أو مع الإخوان، فنحن كلنا مصريون، لكن المهم هل أنت مع الحقيقة أم لا. هذا هو السؤال وقلائل من هم يسألون أنفسهم هذا السؤال. وكما قلت في الندوة، أنا أحارب وأهاجم لأني أتكلم عن الدقة والمصداقية وأقول: ياجماعة أنا أتحداكم أن أنشر خبرا خطأ بشكل مقصود. بينما نرى بعضهم ينشرون كل يوم عشرات الأكاذيب ويروجون لها وتكون مقصودة ولا ينشرون التصحيح لها. هناك جرائم إعلامية ترتكب، ومن الطبيعي أن الشعب الذي لم تكن له أي علاقة بالسياسة كان مضللا، والآن لا يجوز أن يستمر الإعلام بتضليله وتأجيج مخاوفه. الثورة لم تقم كي يحاول جزء من الشعب المصري أن يقصي الآخر، حتى الذين كانوا مع مبارك لا يجب أن يكون هناك إقصاء، نحن مواطنون في بلد واحد. ولكن للأسف نلاحظ هناك إقصاء رهيب، وهذه هي النغمة التي كانت سائدة ونرجو أن تتغير، يعني أنا أغرد خارج السرب. وعندما تقولين يا جماعة، على فكرة أنتم مواطنون من نفس الجنسية، والثورة لم تقم كي نقصي بعضنا عن بعض وليس كي نمزق النسيج الاجتماعي الوحد، كل واحد كان من المفروض أن يرى هذه الروح الشعبية الطيبة ويستغلها في المجال الذي يعمل به ويحاول أن يعوض عن عقود من الاستبداد والفساد والتعتيم وحتى الكذب أحيانا، لكن للأسف نرى أن بعضهم استغلوها لركوب الموجة دون أي علم ولا ضمير ولا دقة ولا مهنية’.
ـ من خلال تجربتك المهنية، المرحلة الجديدة التي تخوضها مجتمعاتنا العربية تتخبط وتبدو غير قادرة على أن تؤسس لبناء ديمقراطية سليمة، هل نحن نحتاج لإعادة تأهيل لمجتمعاتنا، وأين هم مفكرونا وأدباؤنا ودورهم في هذا المرحلة؟
* ‘هؤلاء جزء كبير من المشكلة لأنهم أيضا يتلونون بما يرونه مناسبا لهم ويركبون الموجة. المشكلة تكمن في الثقافة العربية، ودوما أصعب التغييرات تلك التي تتعلق بالثقافة لأنه ليس هناك ثقافة واستعداد لتقبل الآخر بصدق ولا يوجد شجاعة لقول الحق والصدق، لا يوجد ثقافة لأنه كما قلت أنا أسميه جهاد النفس، فأنا أقول الحق ولو على رقبتي، مثلما هناك أشخاص كانت تغامر وما زالت تغامر حتى الآن كي تنقل الحقيقة كما هي من أرض المعركة، على الأقل أن يراقب الشخص أهواءه كصحفي ويعرف الآن أن هناك مسؤولية أكبر من قبل. وكما قلت أيضا في الندوة، هناك أشخاص ممكن أن تموت بسبب كلمة كاذبة يقولها أحد ما أو يؤجج أمرا ما أو يقول معلومة مغرضة، وأكثر الصدامات التي تحدث في مصر هي ناتجة عن هذه الأمور. ومن الغريب أنه بعد ثورة يناير لم يكن هناك صحوة ضمير، الناس محتاجة لثورة داخلية، كل شخص يحتاج لثورة داخلية بدلا من أن كل واحد يضع اللوم على الثاني ويقصي الثاني ويخون الثاني ويشوهه، ومستعد أن يروج تهمة للثاني، ويطعن في رفيق الميدان الذي كان معه. هذا شيء مؤسف جدا’.
ـ كيف ترين الصورة من وجهة نظرك من قلب مصر، وكيف ترين من وجهة نظرك الصراع في ليبيا وتأثيره على مصر والوضع في سوريا حاليا؟
* ‘هو صراع وجود، أما بالنسبة للشق الثاني للسؤال فلا أعلم ما هي تأثيراتهم على مصر، ممكن البعض يستخدم هذه التعابير ونحمد الله أننا لسنا مثل سوريا أو ليبيا فنحن ليس لدينا الطائفية الموجودة في سوريا، وليس لدينا المليشيات الموجودة في ليبيا. أكثر الخلافات التي تحدث في مصر تكون غالبا خلافات فردية بالصدفة أنه أنت مسلم وأنا مسيحي ليس هو هذا الوضع، لا أقول أنه ليس هناك احتقان طائفي في مصر، لكن أنا أنظر له من الصورة الأوسع منه، ليس هناك قبول للآخر أصلا، إن كنت لم تقبلي المواطن الذي هو من دينك أنت ستقولين لي هل ستقبلين المواطن من دين آخر؟ الجزء الأكبر، الإطار الأكبر من هذا ثقافة قبول الآخر بجد وصدق واحترام. لا يوجد صدق مع النفس، الثورة هذه تترنح. لن أقول إنها فشلت لكنها تخبطت، الأهم الآن كل شخص يجب أن يقوم بثورة على النفس كي يفتكر الناس التي ماتت، فهناك أشخاص قد ماتت، وهناك ناس بالآلاف أصيبت بعاهات وستعيش معها بقية العمر، إن كانت الثورة لم تستطع أن تجعل الناس تنظف نفسها، فلن يكون هناك ثورة ثانية ستنظفهم، كل شخص يواجه نفسه بالحقيقة، والمهم أن لا يكذب’.
ـ أنت الآن بعد هذه التجربة، لا أستطيع أن أقول إلا أنك ستكونين صاحبة إطلالة مختلفة على الشاشة من حيث المظهر الرسمي والحضور المؤثر، من وجهة نظرك كيف ترين الشابات اللواتي يقدمن التقرير الإخباري وكأنهن نجوم سينما حيث هناك خلط بين بساطة إيصال المعلومة ونجومية الفن؟ كيف ترين هذا وهل هو منطلق لتأسيس إعلام جيد؟
* ‘كلا طبعا، لأنه ليس بالضرورة السيدة الجميلة أن تكون مثقفة، وليس بالضرورة أن تكون المثقفة تفهم بالسياسة. وفي الثقافة المجتمعية لدينا نلاحظ أنهم يحبون أن تكون السيدة جميلة وصغيرة ونحيفة وطويلة، أما دماغها وأفكارها فهذه أمور لا تشغلهم. نحن لسنا في وقت مزح، فالموضوع محتاج ثقافة وضمير، وللأسف أن الملايين من الناس لا تنجذب لثقافة المذيع أو المذيعة وليس لأنها تقول الحقيقة، لكنها تجذب الملايين لأنها فهمت أدوات اللعبة، وليس مهما ما هي نتيجتها. لكن من وجهة نظري أنه في النهاية لا يبقى إلا الصح، خاصة أننا نتكلم سياسة الآن، وهناك حديث عن حياة وموت ومستقبل. فأعتقد في آخر الأمر أن ما يترك أثرا لدى الناس ليس الشكل، إن كان جميلا أو غير جميل، جزء من الموضوع هو المجتمع وانطباع المشاهد. وأنا دوما أقول للصحافيات اللواتي أدربهن أن السيدة يجب أن تأخذ نفسها بالشدة أكثر من الرجال كي تثبت نفسها، لأن هذا عالم رجال، وكي تثبت نفسها به يجب أن تهتم بثقافتها وإغناء تجربتها. الفكرة هي أنه كيف أعمل على عقلي؟ وما الذي فعلته لعقلي؟ ما الذي فعلته كي أتميز أثناء تغطيتي للأحداث أحسن من أردد كلمات لست فاهمة لها معنى، مثلا ماذا يعني استقطاب؟ ماذا يعني اعتصام؟ نرى بعضهم يرددون كلمات لا يعرفون معناها، وهي مصطلحات عامة والناس يجب أن تعرف وتتثقف. هذه الأمور يجب أن تتغير من أجل مصلحة المواطن، أيضا ليس المطلوب من الإعلامي تسلية المواطن، بل المطلوب إعلامه وطمأنته من غير تهويم أو تهويل لما يحدث’.
ـ نحن في مؤتمر إعلام، هل ترين أن هذه المؤتمرات تأتي بنتيجة مفيدة أم أننا نعيد نفس السيناريو بنقد أنفسنا؟
* ‘كلا، الندوة التي أعطيت في الصباح شعرت بأنها مفيدة إلا أن الواحد يسمع. المؤتمر ما زال في أوله وأكيد أن هناك أمورا مهمة، لكن مثلما أقول لك المؤتمر هذا أو غيره من المؤتمرات ليس به إجبار حتى لو خرج بتوصيات، لأجل ذلك أقول الثورة يجب أن تكون ثورة ضمير، كل واحد مع نفسه، فلن يخرج أحد ويقول ألم تسمع ما خرج به المؤتمر؟ ولماذا لم تطبقه؟ فكرة هو أنا عايز نقود وأنا أظهر على التلفاز وأقول الكلام الذي يكسب النقود؟ أو الطريق الصعب الذي أنا اخترته بأنه سأقول الحقيقة ولو على رقبتي’.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول [email protected]:

    اتق الله يا مدام نادية في بلدك

  2. يقول نادية:

    يا من أستغلت ردود أفعال البسطاء عند زيارة أوباما للقاهرة – أتقى الله فى بلدك وقولى الحق – نحن فى ثورة

إشترك في قائمتنا البريدية