لم يواجه الإعلام العالمي حدثا يوحده حول حدث واحد كما يواجه اليوم الفيروس القاتل كورونا المستجد كوفيد 19، حتى في زمن الحروب العالمية. كون هذا الخطر عاما وبشكل مواز لا يفرق بين دولة كبرى وأخرى صغرى، ودولة قوية وأخرى ضعيفة. ولا بين غني وفقير، أو رئيس ومرؤوس. فأقوى دولة في العالم ( الولايات المتحدة) تقف عاجزة عن إيجاد العلاج المناسب والسريع لهذا الفيروس، وبالمثل دول الاتحاد الأوروبي.
مصائب قوم
نشرات الأخبار في القنوات الوطنية والعالمية اقتصرت على آخر تطورات المرض وانتشاره، والشخصيات المعروفة التي أصيبت به. وتراجعت باقي الاخبار أو اختفت تماما وكأن الساعة الإخبارية توقفـت عند حـدث كورونا ولا شيء سوى كورونا وانعكاسات المرض على الـوضع الاقتـصادي العـالمي والاجتمـاعي، وحتى السياسي، وتراجعت أحداث الحرب في اليمن، وليبيا، وسورية، وفلـسطين.
مصيبة كورونا ورغم أنها ضربت كل الدول ولو «بنسب متفاوتة» عدديا، لم تخف بعض القنوات، الموالية لأنظمة معينة، رغبتها في توظيف تفشي المرض لدى دول تناصبها العداء سياسيا فتستفيض في انعكاسات الجائحة على وضعها الاجتماعي والاقتصادي. بل ولا تتوانى قنوات كبيرة في تبني مصطلحات عنصرية أطلقها هذا المسؤول أو ذاك للانتقاص من دولة معادية او منافسة كما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اطلاق تسمية مبتكرة لهذا الفيروس بأنه « الفيروس الصيني» وكأن الفيروس بات له هوية سياسية وينتمي إلى شعب معين. أو تظهر قنوات أخرى عبارات تلامس التشفي بما تعاني منه إيران من تفشي المرض بشكل مفجع ويطال مسؤولين كبار في الدولة والقوات المسلحة.
وتردد القنوات الإيرانية ما قاله ولاية الفقيه علي خامنئي: «أن هناك تعاونا استخباراتيا بين الإنس والجن متهما أمريكا بصناعة ونشر الفيروس خاصة بالجينات الإيرانية» بل ولم يتوان أيضا المحامي الأمريكي لاري كلايمان صاحب موقع فريدوم ووتش باتهام الصين بتطوير ونشر فيروس كورونا مطالبا تغريمه بمبلغ عشرين تريليون دولار. ووجه البعض الآخر اتهامات للصين بانها تستغل استفحال المرض في دول مثل إيطاليا سياسيا وتجاريا لترسل أليها فرقا طبية لمساعدتها، أو روسيا التي أرسلت إليها أكثر من مئة خبير طبي في علم الفيروسات.
قرصنة في البر والبحر
وانتشرت أخبار القرصنة بين الدول انتشار النار في الهشيم في القنوات الإعلامية عندما قام التشيك بمصادرة شحنة تحتوي على 680 ألف قناع طبي واق، وآلاف أجهزة التنفس الاصطناعي كانت موجهة من الصين إلى إيطاليا وقد أكد الوزير التشيكي الحادثة وقدم اعتذار الدولة وتعهد بإعادة الشحنة اليها. كما أكد وزير التجارة التونسي أنّ باخرة كانت قادمة إلى تونس محمّلة بكحول طبيّة سُرقت في البحر من طرف إيطاليين، وشبه ما حدث بسرقة التشيك للشحنة الصينية التي أرسلت إلى إيطاليا وان كل الدول الأوروبية تعيش حالة هيستيرية وجميعها تسرق المعدات الطبية خوفا من المرض». قررت وزارة إعلام نظام بشار الأسد تعليق اصدار الصحف الورقية ومنها الصحف الرسمية الرئيسية: البعث، تشرين، الثورة. على أن تستمر بالصدور الكترونيا. وجاء القرار لدرء مخاطر انتقال فيروس كورونا على ورق الصحف، ونشر موقع معارض أن الحجر الصحي على الصحف السورية لن يضير أحدا كون هذه الصحف هي توائم متشابهة ومن فضائلها أنها تقرأ بدقيقة.
كوفيد 19 في خدمة الأنظمة العربية
وتساءلت صحيفة «لوموند» الفرنسية عن السر وراء عدم إعلان النظام السوري لأي حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد « في الوقت الذي تكافح جميع دول المنطقة المرض، لم تسجل أي حالة إصابة في سوريا» حسب تأكيد وزير الصحة السوري نزار يازجي أن الجيش العربي السوري قضى على كل الجراثيم في سوريا الذي أثار سخرية كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي التي تساءل بعضها لماذا لا تقضي جيوش الدول العظمى على الفيروس في بلادها على غرار جيش نظام الأسد. (أنباء تشير إلى أن أربعين إصابة بجنود وضباط من الفرقة الرابعة قد سجلت مؤخرا بعد اختلاطهم بإيرانيين من الحرس الثوري وقد تم حجرهم في مستشفى القطيفة القريبة من دمشق)
وفي فرنسا قررت الصحيفة الساخرة الشهيرة « لوكانارد اونشينية» إنشاء موقع الكتروني للصحيفة لأول مرة بعد قرار الحظر الذي قررته الحكومة الفرنسية.
مجلة ايكونومست أشارت إلى أن انتشار وتفشي فيروس كورونا دفع بالعديد من الحكومات العربية لزيادة قمعها لشعوبها، إلى جانب التجسس عليهم وتوسيع صلاحياتها. وأضافت المجلة أن الفيروس دفع بقادة عرب لإجراءات متطرفة للحد من انتشاره وفرض منع التجول وإغلاق محال تجارية وحجر مدن بالكامل. (ليس خوفا من المرض فقط بل خوفا من الاحتجاجات). وفي واقع الامر توقف الحراك الشعبي في الجزائر بعد عام كامل من المظاهرات التي كانت تعم البلاد أسبوعيا، وكذلك الحراك الشعبي في لبنان. لقد جاء كورونا نكبة كبيرة للشعوب العربية ولكن كان طوق نجاة لأنظمة كانت تحت وطأة المطالبات الشعبية. بينما استغلت الأطراف المتحاربة في اليمن وليبيا من تصعيد هجماتها لتضيف إلى أموات كورونا قتلى القصف.
لم تشهد وسائل التواصل الاجتماعي نشاطا كهذا الذي يقع اليوم. فنصف البشر في الحجر الصحي ولا نافذه لهم على العالم سوى الانترنيت، كمتنفس من إقامة جبرية صحية، وفي ظل هذه الأجواء التي يسيطر فيها الخوف والشك والريبة، انتشرت الشائعات طولا وعرضا على الشبكة العنكبوتية فتحول الكثيرون إلى أطباء الغفلة فمن يقدم لك وصفة شافية ووافية ضد الفيروس، خلطات عجيبة من أعشاب: اشرب اليانسون، كل العسل الممزوج بالليمون والزنجبيل، تغرغر بكأس عرق ثم ابلعه مرة واحدة، تنشق بخار الكينا، اقرأ آية كذا من القرآن الكريم، تمسح بضريح الحسين والعباس. تضرع للـسيدة العـذراء.. بالمقـابل انتشرت التوصيات ونـداءات الـتوعية.
ونقرأ أخبارا صحيحة تكذبها الأنظمة منعا لزيادة المخاوف، واخبارا كاذبة تطلقها الأنظمة تصححها وسائل التواصل فيقع من يتصفح بحيص بيص. ولكن ورغم ذلك هل تصور أحدنا في هذه المحنة أن تكون البشرية بدون الانترنيت..وعليه نطلق شكرا كبيرة لتيم برينرزلي مخترع الانترنيت.
كاتب سوري