جاكرتا: عندما بدأت جوانيتا فياتري التي تعمل مبرمجة لتطبيق على الهاتف المحمول في إرتداء النقاب منذ نحو عشر سنوات، كان المارة يحدقون فيها بنظرات يمتزج فيها الفضول بالشك.
وتقول فياتري التي تبلغ من العمر 32 عاما وهي جالسة أمام جهاز لابتوب، بمكتبها الكائن على مشارف العاصمة الإندونيسية جاكرتا “في ذلك الحين كان الناس يعتقدون أن النساء اللاتي يرتدين النقاب إما إرهابيات أو زوجات لإرهابيين”.
ولا يترك النقاب مساحة مرئية من وجه فياتري سوى عينيها، وهي ترتديه مع عباءة طويلة، وتضيف إن “النظرات المتشككة أصبحت نادرة هذه الأيام، وأعتقد أن الناس أصبحوا يتقبلون النقاب بدرجة أكبر مع إقبال مزيد من النساء على ارتدائه”.
غير أن مسألة ما إذا كان يتعين السماح للنساء بارتداء النقاب على الرغم من زيادة قبول المجتمع الإندونيسي لهذه الممارسة، لا تزال قضية مثيرة للجدل في هذا البلد الذي يعد أكبر دولة في العالم من حيث غالبية السكان المسلمين.
واندلع جدل في آذار/ مارس الماضي في إندونيسيا بعد أن هددت عدة جامعات بطرد الطالبات اللاتي يرتدين النقاب.
وترتدي كثيرات من النساء المسلمات في إندونيسيا الجلباب والحجاب الذي لا يغطي الوجه، غير أن أقلية صغيرة وإن كانت متزايدة من بينها عدد من مذيعات التلفاز اختارت ارتداء النقاب.
وأثارت هذه الظاهرة قدرا من عدم الارتياح بين شرائح من المجتمع الاندونيسي ، جراء الشعور بالقلق من تزايد تيار الأصولية الدينية في دولة تتباهى بتقاليدها الإسلامية المعتدلة.
وأشار استطلاع للرأي أجراه العام الماضي مركز ألفارا للأبحاث وهو مركز محلي للدراسات، إلى أن ما نسبته 23% من طلاب الجامعات الإندونيسية يؤيدون إقامة دولة إسلامية.
بينما يدفع معارضو النقاب بأنه ليس فرضا في الإسلام وأنه مرتبط بالثقافة العربية.
وعلى الرغم من ظهور زوجات أفراد الجماعات المسلحة الإسلامية في إندونيسيا المتهمين بالإرهاب على شاشات التلفاز وهن يرتدين النقاب، فإن هذا الظهور لم يساعد على تبديد الوصمة المرتبطة بتغطية الوجه.
وكانت جامعة سونان كاليجاجا الحكومية الإسلامية الكائنة بمدينة يوجياكارتا بوسط جزيرة جاوا قد أعلنت في آذار/ مارس الماضي، أنها ستقدم استشارات نفسية للطالبات اللاتي يرتدين النقاب، بسبب المخاوف من تعرضهن للأيدولوجيات المتطرفة وتأثرهن بها.
غير أنه تم تجميد هذه الخطة في أعقاب احتجاج عنيف من جانب الجماعات الإسلامية، التي قالت إن هذه الخطوة تعد انتهاكا لحق ممارسة الأصول الدينية.
كما عارضت بعض جماعات الحقوق النسوية هذه الخطوة، قائلة إنه يجب السماح للمرأة لأن يكون لها اختياراتها فيما يتعلق بنوعية الملابس التي ترتديها.
وفي العام الماضي قررت الحكومة الإندونيسية حظر “حزب التحرير الاسلامي”، وهو فرع محلي من منظمة دولية تسعى لإقامة دولة الخلافة الإسلامية في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
وتسعى مجموعة من النساء الإندونيسيات تطلق على نفسها اسم “فرقة النقاب”، إلى إزالة الربط في إندونيسيا بين النقاب وبين التطرف الإسلامي.
وهذه المجموعة التي تضم في عضويتها طبيبات ومحاميات ومصممات أزياء، تعقد لقاءات بشكل منتظم تشارك العضوات خلالها في أنشطة مثل تعلم فن التصوير الفوتوغرافي وركوب الخيل وممارسة رياضة رمي السهام.
وتقول المجموعة إنها افتتحت فروعا لها في ماليزيا وتايوان حيث يعمل كثير من الإندونيسيين، وأيضا في جنوب أفريقيا.
وتقول إنداداري ميندرايانتي التي شاركت في تأسيس “فرقة النقاب” وهي مذيعة تليفزيونية سابقة “عندما ترتدي النساء النقاب فلا يجب الحكم عليهن بالمظهر، ويعد النقاب رمزا للتقوى والشرف”.
وتضيف “يتمثل هدفنا في جعل النقاب مألوفا اجتماعيا، حتى لا يعود الناس يطلقون على ما يرتدونه مومياوات أو نينجا (وهم أفراد كانوا يقومون بالتجسس والاغتيالات والحروب في المدن في زمن الإقطاع باليابان).
وتتابع قائلة “عندما يعتاد الناس على رؤية النساء اللاتي يرتدين النقاب، فنأمل أن تختفي الوصمة المرتبطة به”.
ويشير بعض الإندونيسيين إلى التناقض بين تزايد التيار المحافظ في بلدهم وبين الإصلاحات الجارية في العالم العربي، خاصة في المملكة العربية السعودية مع تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد فيها.
وألغت السعودية مؤخرا الحظر المفروض على إقامة دور السينما، وستسمح في القريب العاجل بقيادة المرأة للسيارات، وهي خطوات تأتي من بين خطوات أخرى لإضفاء مزيد من الحريات في بلد لطالما ارتبط بالسلفية.
ويؤيد يحي شوليل ستاقوف وهو عالم إسلامي من جمعية “نهضة العلماء” – أكبر منظمة إسلامية في إندونيسيا – فرض حظر على النقاب، قائلا إنه ليس جزءا من التراث الإسلامي.
ويضيف “قد يبدو النقاب لا ضرر منه، ولكن يجب أن ننظر إلى الذهنية خلف النقاب التي إن لم يتم مجابهتها يمكن أن تؤدي إلى التطرف”.
ويتابع “لا يجب السماح بالنقاب في الأماكن العامة التي يجب التعرف على هوية مرتاديها”.
بينما تقول المبرمجة فياتري إن شركة التكنولوجيا الناشئة التي تعمل بها ليس لديها أي اعتراض على ارتدائها النقاب”.
وتضيف فياتري التي تقوم أيضا بتعليم الأطفال في الحي الذي تسكن فيه كيفية كتابة رموز برامج الكمبيوتر، “أعتقد أن الأشخاص الذين يعملون بقطاع التكنولوجيا منفتحون ذهنيا، والذي يهم هو ما إذا كنت قادرا على أداء عملك بشكل جيد”.
وتختتم كلامها بالقول “إنني لا أهتم بالجدل الدائر حول النقاب، ونادرا ما أقرأ الأخبار التي تتردد حوله”. (د ب ا)