عندما بدأت الانخراط في الاهتمام بالثقافة الرقمية منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي، توصلت إلى أن دخول العصر الرقمي، بالنسبة إلينا نحن العرب، يمكن أن يكون بداية جديدة لتقويم مسار تطورنا، لبناء مجتمع وثقافة جديدين. كان منطلق ما توصلت إليه يكمن في أننا فوتنا على أنفسنا فرصة تحقيق ذلك في عدة محطات تاريخية حديثة، وإذا ما أبطأنا التعامل مع الرقميات بذهنية مختلفة، ونقد ذاتي لتصوراتنا القديمة، ورؤية بعيدة المدى سنكون قد أخطأنا سلوك الطريق الذي يبعدنا عن تجاوز التأخر التاريخي ليس بمعناه القديم فقط، بل بحمولته المعاصرة أيضا. وبذلك أيضا نعيد تجارب الماضي القائم على الجمود والركود.
يُسلِّم الجميع بأن العصر الرقمي مرحلة كبرى في تاريخ البشرية. تتفاوت المجتمعات في دخوله والتعامل معه. ويبدو أن الدول المتقدمة التي ساهمت في تشكيله وتطويره هي التي تقود الآن دينامية هذا العصر، وحتى بعض الدول التي تأخرت في الأخذ بأسبابه عملت على ردم الهوة، وتجاوز الفجوة، فلحقت بالركب، وها هي تسهم في الانخراط فيه بشكل إيجابي. أما العرب فهم ما يزالون متعثرين في الإمساك بروحه، وإن كانوا أكثر المجتمعات استهلاكا لمنجزاته وأدواته.
تبين لي منذ كتابي الأول حول «النص المترابط» (2005) أننا مطالبون باتخاذ تشكل الرقميات وتطورها إبدالا معرفيا جديدا نتخذه نقطة انطلاق للتحول الاجتماعي والسياسي والثقافي، وكانت قراءتي لتاريخنا الحديث منطلقا لتشكيل هذا التصور. لقد مرّ الوطن العربي بثلاث مراحل كبرى في العصر الحديث: مرحلة النهضة (الاستعمار)، فالاستقلال (تشكيل الدولة «الوطنية»، وجاء «الربيع العربي» (دمقرطة المجتمع) في بدايات الألفية الجديدة. لكننا في كل هذه الحقب أخطأنا التقييم وفتح مسارات جديدة للتطور. لقد بقي النقاش خلال النهضة يدور حول الهوية، وخلال الاستقلال حول الدولة. ومع الربيع العربي حول المجتمع. انشغلنا في المرحلة الأولى بالهوية، تمييزا لنا عن الآخرين، ولم نفكر في هوية المستقبل. وفي مرحلة الاستقلال انشغلنا بتأسيس أو التفكير في الدولة، بدون تصور دقيق للدولة الوطنية. وكان التكالب على الربيع العربي بدل العمل على تشكيل مجتمع المواطنة.
في كل هذه الحقب الكبرى، وما رافقها من انقلابات عسكرية وسياسية على الوطن والمواطن، كان انهماك المثقفين والمهتمين بالشأن السياسي والاجتماعي والفكري متركزا في السجال وليس على الحوار، في الدفاع عن الأطاريح المختلفة، وليس في طرح الأسئلة. وحتى حين نطرح الأسئلة كان يهمنا تقديم الجواب القبلي، والجاهز أساسا للإقناع والإفحام في كل المجالات من الدين إلى السياسة مرورا باللغة والأدب، والفكر والتاريخ.
إن ما تحقق على المستوى السياسي كان أيضا على المستوى الثقافي والتعليمي. لقد استحدث الاستعمار البنيات التحتية، لكننا في مرحلة الاستقلال لم نطورها معززة بتطوير البنيات الفوقية، لتتلاءم مع تأسيس الدولة الوطنية. فكان أن فوتنا على أنفسنا إمكانية الاستعداد للتطورات اللاحقة. لا أناقش الإكراهات الداخلية والخارجية فهي موجودة أبدا، ولكنني أناقش الذهنيات التي كنا نشتغل بها. ولكي لا نكرر التجربة نفسها، ارتأيت أن العصر الرقمي يمكن أن يكون مدخلا للتطوير والتقدم، لكن انصراف المثقفين والمفكرين إلى القضايا اليومية حال دون الانتباه إلى طبيعة هذا العصر. وعندما أقحمنا فيه وجدنا أنفسنا نتعامل مع منجزاته باعتبارها أدوات، ووسائل للترفيه واللعب. فلم نخض النقاشات الفكرية والفلسفية والتربوية التي خاضت فيها المجتمعات المتقدمة وهي تعيش واقعا جديدا قيد التشكل.
أضرب مثالا واحدا على ذلك، ولا حصر للأمثلة. ظلت العلوم الاجتماعية والإنسانية دائما مثار النقاش في الدوائر العلمية والأكاديمية الغربية حول واقعها ومستقبلها. ومع الثورة الرقمية، صار ينظر إليها على أنها غير ذات قيمة، وأنها لا تسهم في تطوير المعرفة العلمية، أو حل المشاكل المترتبة عن إكراهات العصر الجديد. فكما استنفدت الميتافيزيقا دورها في العصر الحديث، اعتبرت هذه العلوم منتهية بانتهاء أدوارها في الحياة المبنية على الوسائط المتفاعلة. فكان أن بدأت النقاشات في أوروبا وأمريكا بصورة كبيرة في الأوساط الأكاديمية والعلمية، وهي مســـتمرة إلى اليوم. وتم الانتهاء مع الألفـــية الجديدة إلى أن مستقبل الإنسانيات رهين باتصالها بالرقميات، فبرزت «الإنسانيات الرقمية» لتكون المــجال الذي يُرهِّن مبادئها وأسئلتها، ويعطيها شرعية الوجود في العصر الرقمي، عن طريق ربطها بالمعلوميات والتكنولوجيا الرقمية.
يعتبر كتاب» الصاحب (الدليل) إلى الإنسانيات الرقمية»
(http://www.digitalhumanities.org/companion/)من الكتب الأولى والرائدة في هذا المجال. صدر تحت إشراف سوزان سشريبرمان، وآخرين سنة 2004، وفي سنة 2016 صدر «الصاحب الجديد» بمشاركة 37 باحثا من اختصاصات متعددة من كبريات الجامعات العالمية، وفيه تأكيد على أن «الإنسانيات الرقمية» باتت اختصاصا معترفا به عالميا. إن انخراط الإنسانيات في المجال الرقمي يحد من التعارض القائم بين الثقافتين العلمية والأدبية، ويقيم الجسور بين العلوم والمعارف المختلفة، وبواسطة هذا الانخراط تتطور الإنسانيات وترتبط بالعصر.
لقد أسسنا المدارس والكليات على أساس غير علمي؟ فالعلوم الإنسانية والاجتماعية مواد للتدريس، وليست علوما للاستكشاف والبحث؟ ألا يمكن الاقتناع بأن «الإنسانيات الرقمية» مدخل للتجديد وتدارك التأخر التاريخي؟
٭ كاتب مغربي
و انا ايضا كنت آمل ان تنتهز بلادنا الفرصة للدخول في عالم الرقميات و عصر اقتصاد المعرفة لا سيما و ان العالم كله كانت مبتدئا قبل 30 عاما. و ان رأسمال المال المطلوب هو العقول. و لكن دخولنا كان ضعيفا. كل المطلوب كان تطوير التعليم و انشاء مدارس متخصصة. ورفع القيود.
بطبيعة الحال فان الاكثر استعدادا و تأهيلا هو الاكثر قابلية للاستيعاب و الاكتساب و التقدم .و لكنها كانت فرصة تحتاج الى الارادة و التوجيه كما حدث في الهند و كوريا و تايوان و حتى الصين التي تفوقت على الاب الشرعي للتقدم الرقمي او الثورة المعرفية او ما سيسمى الحضارة الرقمية.
للاسف انظمتنا مشغولة ببقائها و هو اوليتها الاولى و الاخيرة و لو فني الشعب ذاته
عنوان وترجمة (الإنسانيات الرقمية) لعنوان كتاب رائعة، ولكن مع الأسف كل ما كتب عن غير عنوان الكتاب، قراءة خاطئة لما هو حالنا على أرض الواقع بسبب النظرة السلبية لواقع ما هو حول الكاتب (د سعيد يقطين) على الأقل من وجهة نظري.
والأصح هو أن حوكمة الحكومة الإليكترونية، فرضت مفاهيم الإقتصاد الإلكتروني، والتي بدون عملة إلكترونية وهوية إليكترونية، للإنسان والأسرة والشركة للقطاع الخاص والقطاع العام،
ستكون أي دولة خارج أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني في عام 2018.
السلام والتقدم والرقي .. والحرب
https://alroya.om/post/228053
عنوان رائع، لماذا يا حبيب الشعب في سلطنة عمان ا حاتم الطائي؟
لتبيين إشكالية دولة الحداثة بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب مشروع مارشال، والاقتصاد الإليكتروني، الذي طرحته العقلية الأمريكية؟!
لأن الحرب/الصراع هي أفضل مصدر للمال، لتمويل ميزانية دولة الحداثة (وفق العقلية الأوربية)، كانت أساس فلسفة الاقتصاد السياسي.
ولكن السؤال في أجواء العولمة والإقتصاد الإليكتروني، هل المال أولا أفضل للاقتصاد السياسي
أم المنتج أولا، أفضل للاقتصاد السياسي، في أجواء العولمة والإقتصاد الإليكتروني؟!
خصوصا بعد انهيار النظام الربوي والتأمين عليه، الذي هو اساس نظرية المال أولا في الاقتصاد السياسي عام 2008؟!
ما حصل في العراق بعد 2/8/1990 فرض على الجميع في الدولة، لمجابهة الحصار الظالم من الأمم المتحدة،
لدرجة تم منع على العراق طباعة العملة النقدية؟!
فأضطر العراق لحفظ الكرامة، ومنع الجوع والإفلاس، عن الإنسان والأسرة والشركة وبالتالي الدولة، اختراع مفهوم البطاقة التموينية، لتكون حاضنة الاقتصاد، ومفهوم مقايضة المنتجات الطبيعية بالغذاء، (النفط مقابل الغذاء).
والأتراك والسنغافوريون بسبب أن العولمة والإقتصاد الإليكتروني، عملت على زيادة المادة التعليمية لتكوين جيل المستقبل، أستخدمت تقنية الأتمتة لتخفيض وزن الحقيبة المدرسية، التي أرهق وزنها الطالب، بواسطة مشروع الفاتح التركي، ومشروع القدوة السنغافوري.
ولكن تطور هذه التقنيات، أدت بعد الوصول إلى حوكمة الحكومة الإليكترونية، لتعيين أول رجل أمن آلة (روبوت) وأول طبيب آلة (روبوت) بل وحتى تجنيس أول آلة (روبوت) لتقليل تكاليف إدارة الدولة، في دول مجلس التعاون في الخليج العربي، عند السباق لإثبات من هو أكثر حداثة من الآخر عند نهاية/بداية عام 2017/2018؟!
الإشكالية المالية التي ظهرت، في أنّ الروبوت لا يدفع ضرائب، مثل الإنسان، ومن هنا سر سبب أن الإيرادات، لا تغطي ما تحتاجه ميزانية دول مجلس التعاون، رغم فرض الضرائب والرسوم والجمارك بعد 2/8/1990؟!?
ومن هنا كان سر أسرار أم الشركات (مشروع صالح التايواني) لتطوير تكامل مشروع الفاتح التركي مع مشروع القدوة السنغافوري، لتكوين الجيل الثاني من عملية الأتمتة، في خلق سوبرهيومان للسوق الحر، بدل روبوت سوبرمان للحرب.?