باستعراض المفردات الأساسية للغذاء العالمي، والتأمل في المكونات شبه المشتركة بين موائد العديد من الشعوب، التي أخذت تتقارب في عصر العولمة، نجد أن دولاً معينة بقيت تسيطر على الإنتاج الزراعي، فالصين ليست مصنع العالم وحسب، ولكنها مزرعته أيضاً، إذ تعتبر المنتج الأكبر للقمح والطماطم والبطاطا والخس والبصل والفاصولياء والباذنجان والجزر والخيار، والثانية على مستوى الأرز والذرة، أما على مستوى اللحوم فالصين الأعلى إنتاجاً للحوم الخنزير والخراف والماعز، والثانية في الدجاج، ويرتبط السبب في الحالة الصينية بالكثافة السكانية، والأفواه المفتوحة بحثاً عن كميات هائلة من الطعام.
أفلتت الصين من الفخ الذي وقعت فيه الدول العربية، نتيجة الإهمال المتواصل للزراعة، فمن بين حوضين مهمين لزراعة القمح في التاريخ القديم في مصر وسهل حوران، نجد أن مصر تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم، ويكمن داخل ذلك مؤشر خطير للغاية هو، اعتماد مصر على الخبز كمادة أساسية في تغذية المصريين، وبالتالي عدم تنوع المصادر الغذائية، وحتى الفول الذي تعتبر مصر من أكبر مستهلكيه على مستوى العالم ،فإنها تتغيب عن قائمة كبرى الدول المنتجة.
كانت مصر حتى منتصف القرن العشرين واحدة من أهم الدول في الإنتاج الزراعي في العالم، والقصة لم تكن ترتبط فقط بخصوبة أراضي منطقة الدلتا، ولكن في الخبرة التاريخية، التي تراكمت للفلاح المصري، وارتباطه بالأرض، والأمر لم يكن يحمل كثيراً من الاختلاف في سوريا الطبيعية والعراق، إلا أن الستينيات حملت توجهاً متسارعاً، تجاه ظاهرتين الأولى، حلم التحول إلى التصنيع، وهو الأمر الذي أدى إلى التوسع في افتتاح المصانع بصورة مستمرة ومن دون كثير من النظر في الجدوى الاقتصادية لذلك، وتهجير ملايين الفلاحين للالتحاق بالمدن بصورة مفاجئة، ما أدى إلى تحول مدن كانت تنافس في تطورها وبنيتها التحتية المدينة الأوروبية، إلى بؤر سكانية محاطة بجيوب الفقر من قبل عمال المصانع، الذين لم يتمكنوا من بناء حياة مستقرة في المدينة، ولم يتمكنوا أيضاً من العودة إلى أراضيهم الزراعية.
الإنسانية قد تشهد مجاعات كان يعتقد أنها أصبحت جزءاً من كتب التاريخ القديمة
الظاهرة الثانية تمثلت في نمط المركزية، ورغبة الدولة في فرض سيطرتها على السكان، ولذلك كانت معظم الخدمات الرئيسية تقدم من خلال المدن، وكان مشهد القادمين من الريف، لمراجعة الجهات الحكومية من أجل استخراج بعض الأوراق الرسمية شائعاً للغاية، وترافق ذلك مع تراجع كبير في القيمة الاجتماعية لسكان الريف وتشكيل صورة ثقافية سلبية تجاههم. مشكلة المدينة العربية في نشوئها التاريخي، أنها أتت لتوازن بين الموقع الاستراتيجي، وتوفر المياه وطرائق العيش التي كانت زراعية في كثير من الأحوال، فالقاهرة والخرطوم وبغداد مدن نشأت على التقاءات المياه، والتوسع المديني أدى إلى الجور على المساحات الزراعية، وفي الأردن شهدت عمان التي كانت أحد المدن الزراعية ضربة كبيرة، على الرغم من انتباه رئيس الوزراء وصفي التل لهذه الظاهرة في الستينيات وسعيه وإصراره على منع تصاريح البناء في المناطق الزراعية.
أمام خريطة زراعية عربية متهالكة، وفشل مستمر ومتعدد المظاهر والأسباب، تتقاطر الأخبار حول مجاعات عالمية مرتقبة، من شأنها أن ترفع أسعار الغذاء في العالم إلى حدود قياسية، وإذا كان العالم يتصارع اليوم على الكمامات، وتدور شائعات كثيرة حول عمليات بلطجة رسمية على إنتاج المعدات الطبية، فما هو المشهد المتوقع أن تنتجه أزمة غذائية واسعة المستوى ضمن ارتدادات فيروس كورونا؟ برنامج الغذاء العالمي، أبدى قلقه من انضمام نحو 130 مليون إنسان إلى قائمة الجوعى في العالم، واستخدمت بعض التقارير وصف المجاعات الكبيرة على مستوى التاريخ الإنساني المسجل Biblical Proportions في تقاريرها، بمعنى أن الإنسانية قد تشهد مجاعات كان يعتقد أنها أصبحت جزءاً من كتب التاريخ القديمة، والدول العربية ربما لن تعاني جميعها بالدرجة نفسها تجاه هذه الأزمة المرتقبة التي بدأت تخيم على أجواء العالم، ولكنها بالتأكيد ستدفع ثمناً باهظاً جداً على المستوى الاقتصادي، الذي أخذ يترنح نتيجة تراجع الطلب العالمي على المواد الأولية التي تنتجها الدول العربية وفي مقدمتها النفط والغاز.
ما فعلته السلطة العربية بالزراعة ليس بعيداً عن سلوكيات كثيرة في تبني النماذج غير المناسبة للمنطقة العربية وشعوبها، والإصرار على الدخول في الهندسة الاجتماعية، التي تعبر عن استعلاء القائمين عليها، سواء كانوا من أبناء الطبقات الوسطى، الذين تمكنوا من القفز في قوافل العسكريين، أو الشريحة الأعلى من هذه الطبقة، التي حصلت على فرصة تعليم في الخارج، وتمت برمجتها لتؤدي دور الوكيل، الذي يعبر عن أولويات الغرب في إدارة منطقة تخلت طواعية عن الطموح، وجعلت نفسها ملعباً للصراعات الأممية، فمرة تتبنى هذه النخب نظام التحول إلى الصناعة، ومرة أخرى تصبح مندوبة مبيعات للتحول الخدمي، وفجأة تصبح من المتحمسين للتحول الرقمي، وهكذا، فهذه النخب لم تهتم بالأرض التي تقف عليها، وكانت قدرتها تتسم في التلون حسب الموضة، التي تريدها السلطة، لا الوقوف في معادلة متكافئة مع السلطة للمحافظة على الأصول الوطنية. تحت وطأة الأزمة الغذائية المحتملة يتوجب مراجعة التفكير في الأمن الاقتصادي والإنتاجي، وإعادة الاعتبار للنمو المتوازن، ولأكثر من ذلك التوقف عن مراهقة الظهور في منافسة الدول المتقدمة في بعض المنجزات، لأن هذه الدول تحديداً تقف على أرضية صلبة من الأمن الغذائي في الحد الأدنى، والاحتياطات الإنتاجية التي يمكن ترجمتها إلى روافع اجتماعية حقيقية في وقت الأزمات.
تعيش منطقتنا العربية حالة من العراء أمام الأزمة، وتبقى الأمنيات الطيبة بأن يحدث التعافي بالسرعة الممكنة، لتجنب مزيد من الأزمات، ولكن هل يتقدم أحد ليحل المشكلة الجوهرية في تصميم السلطة والنخبة في العالم العربي.
كاتب أردني
الهموم والمصائب تسقط على الشعوب من جهلها وغبائها .العالم العربي اول الاغبياء فرغم المال والطاقة في الخليج والمياه والتربة الخصبة في السودان وتونس والعراق وسوريا ولبنان والمغرب إلا ان الكل يعاني نشترك في الدين واللغة والعروبة والعادات وايضا المعانات والفشل والتخلف والهمجية .لأن قراراتنا تملى علينا من عواصم اعدائنا .باريس ولندن وتل ابيب السليبة وواشنطن ولندن
وجه معبر من وجوه سياسات الفشل العربية لا تصنيع يفتخر به و لا ارض تنبت غلة
–
تحياتي
مقال جامع من الاخ سامح، ماذا تتوقع من نتائج سايكس بيكوا بان ولوا علينا زعماء عربًا لا يوجد لهم ضمير ولا رجوله ولا الانتماء لبلدانهم، بل قاطعي طرق مارقين لا يهمهم الخطط الانمائية الغذائية ولا بطيخ بل الكرسي والحكم وباقي الشعوب من البهائم. هذه حالنا منذ الحرب العالميه الاولى ولا يوجد تغير الا بما تأتي به كورونا واخواتها.
الزراعة بيد من يملك أصل البذور.
فرنسا، البلد الفلاحي الأول بأوروبا، والذي يزخر بموارد مائية وافرة، تستورد 50 في المائة من احتياجاتها من الفواكه والخضر، و34 في المائة من استهلاكها من الدجاج، حسب تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي (الغرفة العليا للبرلمان) نشر في يونيو الماضي….
نقطة الضعف في دول كالعراق وسوريا ولبنان هو عدم الاستقرار على مدار العقود الماضية، أما الخليج والأردن فنقطة ضعفها هي المياه وندرة الأراضي الصالحة للزراعة، أما في شمال افريقيا فرغم وجود نقص المياه في بعض البلدان، فهي رغم ذلك تحقق الاكتفاء الذاتي في أغلب المنتوجات ليبقى الضعف يكمن في ارتفاع فاتورة القمح الذي تعتمد عليه شعوب شمال افريقيا في غذائها
أما السودان فكلنا يعلم أنه من المفترض أن يكون سلة غذاء العالم
ليست الزراعة فقط و لكن التعليم و الصحة و السبب في اهمال ذلك كله او عدم توجيهه الصحيح هو افتقاد الحريات و بالتالي عدم استقرار الانظمة و انفاقها معظم مواردها على العساكر و الامن و الاعلام المزيف.
من المفارقات الكبرى ضخامة و تعدد كليات الزراعة و الطب البيطري (و مثلها كليات الحقوق) بدون رغبة من الطلاب و بدون فرص عمل اصلا..
الحل هو تحويل كليات الزراعة و الطب البيطري و تكنولوجيا الزراعة عموما الى مشارع انتاجية كبرى يزاول فيها الاساتذة و الطلاب العمل و البحث و التطوير و يكتسبون خبرات حقيقة و يتم دعم هذه المشاريع حسب نسبة انتاجها و اهميته
انهيار الزراعة العربية راجع الى تحويل الاراضي الفلاحية الى سكنية بالنضر الى الربح الكبير ، فالفلاح الفقير الذي يملك هكتار يتحول إلى مليونير اذا باعه معقار صناعي، كذلك التحول الى انتاج المحاصيل التجارية كالموز و الآناناس لربح المال و هي تستهلك مياه كثيرك، و كانت على الدولة ان تخصص نسبة لكل فلاح من المنتجات التجارية مثال 70 بالمئة من الأرض للقمح و ٣٠ بالمئة للمنتجات التجارية، و باقي الأسباب يتمثل في غياب سياسة اقتصادية و تقنية و توفير المياه