إذا كانت الشعوب في البلدان «الديمقراطية» المتقدمة يمكن السيطرة عليها وسوقها كالقطعان عبر وسائل الإعلام والأنظمة التربوية والتعليمية والدعائية والاجتماعية والسياسية، فما بالك في البلدان المتخلفة القابعة تحت نير المستبدين والمتاجرين والمتلاعبين بالدين وبائعي المخدرات الدينية. يعترف المفكرون الغربيون أنفسهم وخاصة المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي بأن الأنظمة الغربية تتعامل مع شعوبها كالقطيع تماماً وتستطيع تحريكه وتسييره وتعديله وتبديله حسب مصالحها التجارية والسياسية والاقتصادية.
ويقول تشومسكي إن النخب الحاكمة في الغرب تعمل دائماً على «تحويل انتباه الرأي العام بعيداً عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية وإلهائه بمسائل تافهة لا أهمية لها وإبقاء الجمهور مشغولاً، مشغولاً، مشغولاً دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى». لاحظوا استخدام كلمة «مزرعة» في مقتطف تشومسكي، وهو ما يذكرنا بما قاله من قبل الأديب والمفكر البريطاني الشهير جورج أورويل صاحب رواية «مزرعة الحيوانات» التي سخر فيها من الأنظمة الشيوعية الاستبدادية التي تتعامل مع شعوبها كزريبة حيوانات، لكن هل يا ترى يختلف الوضع كثيراً في الأنظمة الديمقراطية الغربية، أم إن استخدام تشومسكي لكلمة «مزرعة» يؤكد أن كل الأنظمة تتعامل مع شعوبها كقطعان، بغض النظر عن عقائدها وتوجهاتها السياسية. ولا ننسى كتاب هيربرت شيللر «المتلاعبون بالعقول» الذي يؤكد فيه على الألاعيب التي تستخدمها الأنظمة الغربية وخاصة النظام الأمريكي في التلاعب بعقول الناس وتوجيهها بالاتجاه المطلوب.
وقد سبق إيدوارد بيرنيس تشومسكي وشيللر بعقود في كتابه الشهير «بروبوغاندا» في حديثه عن لعبة التحكم بالشعوب والمجتمعات بأساليب خبيثة. ويؤكد بيرنيس الذي كان يعمل بوظيفة مستشار إعلامي للحكومات الأمريكية في عشرينات وثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي على أن المجتمعات الغربية تخضع لعملية تحكم رهيبة، وكل ما يقال عن الحرية مجرد أوهام، فهناك حسب بيرنيس، ما يسمى بالحكومة الخفية التي تتحكم بكل تصرفات الناس، لا بل تحدد لهم أنواع مأكلهم ومشربهم وملبوساتهم، فما بالك بأفكارهم وعقائدهم.
هل يا ترى صارت الشعوب في عصر السماوات المفتوحة والتواصل الاجتماعي والانترنت أكثر قدرة على رسم هوياتها وثقافاتها بعيداً عن الأدلجة الحكومية؟ أم إن الأنظمة والنخب الحاكمة مازالت قادرة على التلاعب بالشعوب كقطعان بشرية وكعجينة يمكن أن تصنع منها كل أنواع الخبز؟
ويذكر بيرنيس في كتابه الخطير قصة إدخال لحم الخنزير إلى الفطور الأمريكي، ويشرح كيف اتفق هو وشركات تربية الخنازير على لعبة علاقات عامة تمكنهم من إدراج لحم الخنزير كمادة رئيسية في الوجبات الأمريكية وخاصة الفطور. ويقول بيرنيس أنه اتفق مع مجموعة من الأطباء على إجراء دراسات على أهمية لحم الخنزير. وفعلاً قام مجموعة كبيرة من الأطباء والمختصين بوضع دراسات معمقة، وبدوره عمل بيرنيس على نشر تلك الدراسات في كبريات الصحف الأمريكية وقتها. وبعدها بدأ الأمريكيون يقبلون بأعداد كبيرة جداً على تناول لحوم الخنازير في وجباتهم، فازدهرت شركات تربية الخنازير ازدهاراً عظيماً. ولم يعد الأمريكيون وقتها يعتمدون على الفطور التقليدي القائم على الحبوب والحليب، وهكذا صار «البيكون» و«الهام» وهما نوعان من لحم الخنزير الوجبة المفضلة ليس فقط في فطور الأمريكيين بل أيضاً في فطور الغربيين جميعاً بفضل لعبة بيرنيس الخبيثة.
ومن مآثر بيرنيس، وهو بالمناسبة أحد أقرباء عالم النفس الشهير سيغموند فرويد، أنه لعب دوراً تاريخياً في إدخال أمريكا في الحرب العالمية الثانية، حيث طلب منه الرئيس الأمريكي وقتها خطة تقنع الشارع الأمريكي بدخول الحرب، فطلب بيرنيس من أحد رسامي الكاريكاتير وقتها أن يرسم كاريكاتيراً يصور طياراً يابانياً انتحارياً من صنف «الكامياكازي وهو يفجر بطائرته بطريقة انتحارية تمثال الحرية في نيو يورك. وفي اليوم التالي من نشر ذلك الكاريكاتير التحريضي أجرت إحدى الصحف استفتاء في الشارع الأمريكي فوجدت أن نسبة كبيرة من الأمريكيين بدأت تميل إلى خيار دخول الحرب للانتقام من اليابانيين الأشرار بناء على كاريكاتير. تصوروا يا رعاكم الله.
فإذا كان الأمر كذلك في أمريكا والدول «الديمقراطية» المتقدمة، فما بالك في بلداننا التي لم تتخلص حتى الآن من الأمية؟ هل لاحظتم أشنع مثال في العصر الحديث على التلاعب بالشعوب في السعودية؟ لقد دأب النظام السعودي منذ عقود على تربية جيل إسلامي متطرف، وقد أنفق المليارات على مشاريعه التعليمية الإسلامية المتزمتة، لنكتشف لاحقاً وعلى لسان ولي العهد السعودي نفسه أن أمريكا هي التي طلبت من السعودية تنشئة جيل من المتزمتين لاستخدامهم كأداة ضد المشروع السوفياتي. وفعلاً شاهدنا من يسمون بالمجاهدين العرب وهم يقاتلون السوفيات في أفغانستان، وكانت أمريكا وقتها تصفهم بمقاتلين من أجل الحرية، لكن عندما انتهت مهمتهم شحنتهم كالحيوانات إلى معسكر غوانتانامو كإرهابيين وهي تلاحقهم منذ ذلك الحين. ولم تكتف السعودية ومعلمتها أمريكا فقط بتصنيع مجتمع من المتطرفين لأغراض استراتيجية، بل ها هما يعملان الآن على قلب المجتمع السعودي رأساً على عقب، فقد بدأ ولي العهد السعودي حملة كبرى لتطهير السعودية من الشيوخ المتزمتين بعد أن انتهت مهمتهم، وبدأ يستبدلهم بجيل جديد من المنفتحين الفالتين، حتى إننا شاهدنا أحد الشيوخ القدامى وهو يلعب لعبة أشبه بالقمار في أحد النوادي لتشجيع الجيل الصاعد على اللهو والمتعة بعيداً عن الخزعبلات الدينية التي ضحكوا بها من قبل على الشعب السعودي. وقد شاهدنا كيف قضى النظام السعودي على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت تجبر الناس بطريقة إرهابية على ممارسة نوع متزمت جداً من الدين، واستبدل الهيئة بهيئة الترفيه التي باتت تتوسل كل الراقصين والراقصات الكاسيات العاريات للرقص في السعودية على بعد ضربة حجر من الأماكن المقدسة.
هل يا ترى صارت الشعوب في عصر السماوات المفتوحة والتواصل الاجتماعي والانترنت أكثر قدرة على رسم هوياتها وثقافاتها بعيداً عن الأدلجة الحكومية؟ أم إن الأنظمة والنخب الحاكمة مازالت قادرة على التلاعب بالشعوب كقطعان بشرية وكعجينة يمكن أن تصنع منها كل أنواع الخبز؟
كاتب واعلامي سوري
[email protected]
هل تذكر يا دكتور كيف روجت الدعاية الأمريكية للسبانغ مع أفلام الكرتون (بوباي)؟ وماذا عن الدعاية الصهيونية في الإستيلاء على فلسطين؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
من يلصق كل شيء بالصهيونية دون أن يعي ما يقول
يكشف عن نوع آخر من المتاجرة بالقضية الفلسطينية
يوجد في بلادنا شعار إعتمد عليه حزب البعث لخداع الشعب العربي: وحدة (بالأحلام), حرية (تم قتلها), إشتراكية (للفقراء فقط) ولا حول ولا قوة الا بالله
شكرا استاذ فيصل
” إذا كانت الشعوب في البلدان «الديمقراطية» المتقدمة يمكن السيطرة عليها وسوقها كالقطعان عبر وسائل الإعلام والأنظمة التربوية والتعليمية والدعائية والاجتماعية والسياسية، فما بالك في البلدان المتخلفة القابعة تحت نير المستبدين والمتاجرين والمتلاعبين بالدين وبائعي المخدرات الدينية ” إهـ
نحن أهل البلدان القابعة تحت نير المستبدين والمتاجرين والمتلاعبين بالدين وبائعي المخدرات الدينية و كذلك أدعياء التحرر و أنصار الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و أنت في طليعتهم الذي طالما تكتب للأميين من أمتنا العربية فيتبعونك كالأغنام يتلقون ما تقذف لهم من علف فاسد و تالف .
وأكثر من ذلك فقد تجرأت علي تعطيل شعيرة العمرة والطواف بالكعبة والسعي بين الصفا والمروة ورد المعتمرين خارج البيت الحرام بحجة مكافحة إنتشار فيروز
هل بعد هذا شؤوم وفجور يصدر من بلد الحرمين الشريفين
سلام عليك أستاذ فيصل. عقلية القطيع هي المسيطرة. المزرعة في الغرب. على الأقل تتوفر شروط العيش الكريم. أما نحن في نظر حكامنا جرذان أو ذباب. لا يهتم برأينا ولا يلجؤون لخدعنا بالدراسات والتحاليل. وإنما العصا لمن يعصى….
قبل الاسلام كانت تميز المرأه الحرة عن العبدة بكثير من الامور .. المرأه الحرة لا تزني ولا ترتكب ما يخل بالحرية .. حتى ان لباسها كان محتشما وقورا .. وعند مبايعة النساء لرسول البشرية على عدم الزنى .. قالت أمرأه حرة مستغربه ( اوتزني الحرة يا رسول الله ) اي ان هذا فعل مستحيل لدى الحره .. عندما يفقد الانسان حريته من خلال التعليم السئ مما يغيب إدارة الذات ينتج ما وصفته مشكور في مقالك ..
انا اعيش في الغرب واوافقك تماما فيما يخص الشعوب الغربية والحرية الوهمية.اما عندنا فالأمر اشد .ربما تتدخل الأقدار لتنقذ الغلابى
مقالك من شقين يأستاذ فيصل , في شقه الأول حديث عن الديمقراطيات الغربية داخل أوطانها والثاني عن السياسة الخارجية لدولة غربية ديموقراطية وهي أمريكا.
في مايتعلق بالديمقراطيات الغربية وتعاملها مع شعوبها , أتفق معك إلى حد بعيد , الفرق بينها والأنظمة الديكتاتورية هو في طريقة العمل, هذا إن حصرنا أنفسنا في قضايا سياسية معينة فقط لاتمس بحقوق الإنسان وحريته وكرامته. إن أرادوا مثلا تمرير قضية ما وكانت مقاومة شعبية معتبرة ضدها , يقومون حينها بابتكار وسائل وأعذار قد تجعل المواطن نفسه يعيد التفكير فيقبل أو يلزم الحياد. بمعنى يسوقون لك السياسة بطرق لينة ولطيفة, دون عنف أوتهديد أوإرسال قوات التدخل السريع, هنا وجه الإختلاف في طريقة التعامل مع الشعب. الديكتاتوريات لايهما ٫ إفعل بالقوة فقط وهو مايخلف حالات غضب مستمرة لدى الناس في انتظار قيام ثورات تأتي على الأخضر واليابس.
تتمة :
أما الشق الثاني ومصالح الديمقراطيات الغربية وطريقة الكسب “ الحلال “ من جيوب بعض الأنظمة فذاك شيء آخر. إن تحدثنا مثلا عن السعودية وهي المثال المعروف. لنتصور أن النظامين السعودي والإيراني كانا متوافقين , على الأقل كالعلاقة بين تركيا وإيران , ما كان كل هذا النزيف المالي السعودي في شراء أي آلة قاتلة يصنعها لها الغرب. الشيء نفسه بين الجزائر والمغرب, شعوب فقيرة ومليارات تنفق على خردة السلاح. العيب فينا ياعزيزي.