الاقتصاد الإسرائيلي يواجه التباطؤ وزيادة الفقر بسبب تداعيات حرب غزة

حجم الخط
0

 ريشون لتسيون – أ ف ب: تسبّبت حرب غزة المتواصلة منذ نحو عام بتداعيات على الاقتصاد الإسرائيلي شملت التباطؤ وتراجع أنشطة قطاعات مختلفة، وصولاً إلى ارتفاع نسبة الفقر.
وقبل اندلاع هذه الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، كان اقتصاد الدولة العبرية يعاني أساساً على خلفية الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها البلاد على مدى أشهر ضد إصلاحات قضائية اقترحتها حكومة بنيامين نتانياهو.
لكن الاقتصاد تلقّى ضربة قاسية بفعل هجوم حركة المقاومة الإسلامية «حماس» غير المسبوق والحرب التي أعقبته، والمتواصلة بلا أفق لحلّ يضع حدّا لها.
ويقول الخبير الاقتصادي جاك بنديلاك «الاقتصاد الإسرائيلي صلب، إلا أنه يعاني لتحمّل عبء هذه الحرب التي استمرت فترة طويلة»، محذّراً من احتمال دخول الاقتصاد في مرحلة ركود في حال تواصل المعارك لمدة زمنية أطول.
وبعدما تقلّص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 21 في المئة في الربع الأخير من العام 2023 الذي اندلعت الحرب خلاله، استعاد الاقتصاد بعضاً من عافيته مطلع السنة الحالية. وزاد الناتج المحلي بنسبة 14 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من 2024، بحسب بيانات رسمية. إلا أن النمو تعثّر في الربع الثاني، واقتصر على نسبة 0,7 في المئة.
وخفّضت وكالات التصنيف الدولية الثلاث الكبرى تقييمها لديون إسرائيل.
وتوقعت وكالة «فيتش» في آب/أغسطس أن الحرب في غزة، وهي الأطول التي تخوضها الدولة العبرية منذ إقامتها في العام 1948، قد تمتد إلى سنة 2025. وحذّرت الوكالة من «مخاطر اتساع هذه الحرب إلى جبهات أخرى».
وأثارت الحرب في غزة على مدى الأشهر الماضية، مخاوف من تمدّدها إلى جبهات أخرى. في الأيام الأخيرة، صعّدت إسرائيل بشكل كبير غاراتها الجوية في لبنان معلنة ضرب أهداف لحزب الله، بعد أكثر من 11 شهرا على تبادل الحزب المدعوم من طهران، والدولة العبرية، القصف بشكل شبه يومي عبر الحدود. ويردّ حزب الله بضرب أهداف في عمق إسرائيل.
وعلى رغم أن تصنيف الديون الإسرائيلية لا يزال عالياً، انتقد المسؤولون الإسرائيليون وكالات التصنيف. وشدد نتانياهو على أن الاقتصاد «مستقر وصلب» وسيتحسن ما إن تنتهي الحرب. ويعتمد الاقتصاد الاسرائيلي على دافعَين أساسيين للنمو هما التكنولوجيا التي تبقى في منأى نسبيا عن تأثيرات الحرب، والأسلحة المزدهر إنتاجها خلال كل حرب.
لكن المحرّكات الاقتصادية الأخرى مثل السياحة والزراعة والبناء «تذبل واحدة تلو الآخر»، وفق بنديلاك، الأستاذ الفخري في الجامعة العبرية في القدس.
وأوقفت إسرائيل إصدار رخص عمل للفلسطينيين بعد هجوم تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما أدى لنقص في اليد العاملة داخل الدولة العبرية، وفق جمعية حقوق العامل «غاف لعفودا» الإسرائيلية.
قبل الحرب، كانت السلطات الإسرائيلية تصدر نحو 100 ألف من هذه التراخيص التي ساهمت في زيادة القوة العالمية لقطاعات البناء والزراعة والصناعة. وكان يضاف لهؤلاء، عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين كانوا يعملون بشكل غير نظامي في الدولة العبرية.
وقالت جمعية حقوق العامل إنه تمّ استثناء ثمانية آلاف عامل فلسطيني فقط من وقف إصدار التراخيص، وذلك للعمل في مصانع تعتبر حيوية.
في تل أبيب، باتت أعمال الإنشاء معلّقة في ظل توقف استكمال بناء ناطحات السحاب ومشاريع النقل.
كما تراجعت السياحة منذ اندلاع الحرب، مع انخفاض أعداد الزوار الآتين لتمضية إجازات أو لأغراض السياحة الدينية.
وزار إسرائيل 500 ألف سائح بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو، وهو ربع عدد السياح في الفترة نفسها من العام السابق، وفق أرقام وزارة السياحة.
ويقول المرشد السياحي المستقل هيليك والد (47 عاماً) إنه ترك عمله الذي كان يؤمن له مدخولاً شهرياً معدله 18 ألف شيكل (4755 دولاراً). ويعمل حالياً بدوام جزئي في مكتب المعلومات في محطة للقطارات. ولنحو ستة أشهر، تلقى هذا الأب لولدين معونة حكومية، لكنه لم يعد مؤهلا لنيلها. وقال «آمل بأن تنتهي الحرب قريبا».
ويشير بنديلاك إلى أنه خلال العقدين الماضيين، زاد بشكل ملحوظ في إسرائيل «استهلاك الإئتمان، وفي الأزمات، تعجز العديد من العائلات عن سداد ديونها».
ويحذّر الخبير الاقتصادي من أن ارتفاع كلفة المعيشة وتباطؤ الاقتصاد «ستنتج عنهما حتما زيادة في الفقر».
وأفادت منظمات إنسانية في إسرائيل عن وجود حاجة متزايدة لخدماتها، مشيرة إلى حضور أشخاص جدد يسعون للحصول على مساعدات غذائية أثناء توزيع الطعام.
وفي مرآب سيارات لمركز تجاري في مدينة ريشون لتسيون الساحلية في وسط اسرائيل، توزّع منظمة «بيتشون ليف (القلب المفتوح)» مجاناً سلال الفاكهة والخضار واللحم مرتين أسبوعيا.
ويقول مؤسسها إيلي كوهين إنه منذ بداية الحرب «قمنا بمضاعفة أنشطتنا وأكثر»، مشيراً إلى أن المنظمة تدعم أكثر من 200 ألف عائلة في إسرائيل.
ويوضح أن المستفيدين الجدد هم من «الشباب، عائلات أربابها ضمن الاحتياط (المستدعون إلى الخدمة العسكرية)، العديد من الناس الذين كانوا متبرّعين سابقين، وكل الذين تمّ إجلاؤهم من منازلهم»، في إشارة إلى الذين نزحوا من شمال إسرائيل في ظل تبادل القصف مع حزب الله.
وفي ما يتعلق بآفاق التعافي، يرى بنديلاك أنه ما إن تضع الحرب أوزارها «تحصل دائما إعادة انطلاق قوية للاقتصاد»، لكن «كلما طالت هذه الحرب، كلما ستكون هذه العودة أكثر صعوبة وبطأً».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية