سمعت في الأسبوعين الماضيين إشادات عدة بما يحدث في مصر، وكانت واحدة منها تشبه مصر، بعد المشاريع العملاقة التي أنجزت في السنوات الأخيرة بأوروبا، بصورة فورية استدعى التشبيه إلى ذهني حكاية الخديوي إسماعيل، الذي وضع في أولوياته تحويل مصر إلى قطعة من أوروبا، لتتوسع في عهده المشروعات الكبرى بمقاييس ذلك العصر، النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومن أهمها حفر ترعة الإبراهيمية، التي أسهمت في تطوير الزراعة، وإعادة توزيع الرقعة السكانية، وإضاءة شوارع القاهرة، وإنشاء دار الأوبرا وكوبري قصر النيل، وقصر عابدين، والاحتفال المهيب بافتتاح قناة السويس، ولا يمكن أن ننكر على الخديوي عمله على تطوير التعليم والصحة.
كانت مشروعات الخديوي ممولة بالديون، التي تدفقت على مصر من بريطانيا وفرنسا، ولحماية ديونها أوفدت الدولتان مراقبين على المالية المصرية، وتواصلت قصة الدين المصري بصورة كئيبة، لدرجة يربطها البعض بصورة مباشرة بالاحتلال الإنكليزي لمصر. تختلف الأزمنة والمعادلات الدولية، ويستبعد بالقطع أن تنتهي قصة الديون بإضعاف مصر إلى الدرجة ذاتها، ولكن قصة جديدة للديون المصرية تتفاعل مع تمويل المشاريع الجديدة، وربما لم تصل الديون إلى النقطة المقلقة، على الرغم من استمرار تزايدها بصورة سنوية لتتجاوز 300 مليار دولار مؤخراً، وتقترب من كامل الناتج القومي لمصر.
ما لم يفهمه الخديوي إسماعيل، ويبدو أن الأمر يتكرر مؤخراً، أن مظاهر العمران والبنية التحتية في أوروبا، هي نتيجة لنهضة صناعية وزراعية واسعة، حققت الفوائض الكبيرة التي أصبح ممكناً استثمارها في التوسع في الشوارع والمباني، والأهم من ذلك تحسين حياة المواطنين، من خلال الميادين المفتوحة ومساحات اللعب للأطفال. لا تعمل المعادلة بصورة معاكسة، فالبنية التحتية والنهضة العمرانية لا يمكن أن تحقق قفزة إنتاجية في الصناعة والزراعة، ولا حتى أن تشكل عاملاً محفزاً لقدوم الاستثمارات الخاصة بذلك، ولا يمكن تجنب أسئلة صعبة في النموذج المصري كالتخلي عن أصول حيوية مثل، مصنع حديد حلوان ليقتصر عمل شركة الحديد والصلب على نشاط المناجم والتعدين، وهو النشاط الذي يفتقد للقيمة المضافة التي كانت مرتبطة بعملية التصنيع.
ما زال التعليم والصحة يحتلان مرتبة متأخرة في أولويات الدولة المصرية، خاصة مع الحاجة إلى تخصيص موارد هائلة لإجراء عملية إصلاح عميقة في المرافق المرتبطة بهذه الأنشطة، ويعمق من الأزمة تراجع مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد المصري، مع مزاحمة الجيش لشركاته ومؤسساته، من خلال اضطلاعه بالعديد من المشروعات الكبرى، ولذلك تتراجع قدرته على التشغيل، وتمكين المصريين من الحصول على هذه الخدمات من عوائد عملهم وإنتاجهم. الاستثمار في البنية التحتية والدخول في سباق المنجزات المعمارية التي تؤكد على شكل الدولة لا يمس بالضرورة عمقها، ولا يزيد من منعتها، والهروب إلى الأمام مع مشاريع العاصمة الإدارية الجديدة، والعين السخنة، والعلمين لا يغير شيئاً من حقيقة المشكلات الجوهرية المترسبة في مدن مثل، القاهرة والإسكندرية، وخط السكك الحديدية الجديد، الذي يربط بين المناطق الناشئة، لن يحول دون حوادث القطارات التي ترتحل إلى الصعيد، الذي يبقى بعيداً عن الحصول على حصة مناسبة من المشاريع.
الاستثمار في البنية التحتية والدخول في سباق المنجزات المعمارية التي تؤكد شكل الدولة لا يمس بالضرورة عمقها، ولا يزيد منعتها
من النتائج الجوهرية والأساسية للديمقراطية هي العمل على تداول السلطة والقرار، الذي يعني إعادة ترتيب الأولويات من وقت إلى آخر، ووضع أسس متغيرة لتخصيص الموارد المتاحة، ولكن المشروع المصري اليوم تحركه رؤية واحدة، ومع ما تحققه من نجاحات فإن ذلك لم يكن معمماً على المصريين، لأنه لم يكن من ناحية مفتوحاً لمنافسة القطاع الخاص، التي تزيد من تشغيلهم، وقائماً على موارد الجيش المجانية، كما يفوت فرصة الحصول على الضريبة من أرباح شركات القطاع الخاص، التي يمكن إعادة تدويرها في الاقتصاد المصري.
إعادة تصحيح مسار الاقتصاد المصري يفترض أن يصبح أولوية كبرى، على أن ترتبط بالنموذج التنموي المرغوب، والعودة إلى التأمل في دراسات الجدوى التي يتوجب وجودها قبل أي مشروع، وتزهد القيادة المصرية في إجرائها، ولا تعول على نتائجها، والموارد المصرية كما هي منحة من السماء تعتبر لعنة في الاتجاه المقابل، فالمصريون القدماء اغتروا بهذه الموارد وتوجهوا لإنجاز مشاريع هائلة مثل الأهرام والمعابد، وكان ذلك سبباً في تحشيد البشر والحجر من أجل هذه المشروعات، الأمر الذي أدى إلى إضعاف البنية الاجتماعية، لتصبح مصر فضاء مفتوحاً أمام الغزاة والأجانب، وإن يكن من المستبعد في وجود جيش بإمكانيات الجيش المصري أن يحدث ذلك مجدداً، فلا شيء يضمن ألا تتحول المشكلات الاجتماعية المتولدة من محركات اقتصادية، إلى عمل قلق مستمر في الدولة المصرية يعرقل تقدمها ويبقيها عالقة في أزماتها التاريخية المستغلقة.
بالعودة إلى التاريخ من جديد، فإن الموارد لم تكن وحدها السبب في إغراء مصر الفرعونية في التوسع العمراني والإفراط في الشكل، الذي يوحي بهيبة الدولة من غير أساس حقيقي، فمعه كانت طبقات من الكهنة والموظفين المستعدين على الدوام لأن يمنحوا كلمة “نعم” غير المشروطة، وأن يمتدحوا أي أفكار تأتيهم من “فوق”، فالدراسة والنقد ليست وظيفتهم، ولا تجدي شيئاً في صعودهم الاجتماعي والسياسي.
*كاتب أردني
بعد حرب عالمية انسحب استعمار أوروبي عسكرياً من عالم ثالث لصالح أمريكا وروسيا واستمر حلب اقتصاده لكن بدأ عدد منها التحرر ومنها دول شرق أوسطية عربية فبلغت استثمارات صناديقها السيادية عدة تريليونات وحققت الإمارات والكويت نهضة تراكت عبر عقود وأطلقت مصر نهضة كبرى مع كشف حقول غاز تريليونية واحتفلت السعودية بتقدم مشروع نهضة عربي تريليوني متعدد أبعاد ينهي هيمنة الغرب ويقيم علاقات متوازنة مع الشرق ويتيح إقامة أوروبا جديدة بالشرق الأوسط بديلاً لأوروبا العجوز وبالمقابل تهدر إيران وتركيا مواردها على العدوان
لقد حولت النتائج على الأرض والطبيعة الى موضوع سياسي بطريقة غريبة.
فقد ذكرت أن من النتائج الجوهرية والأساسية للديمقراطية هي العمل على تداول السلطة والقرار، الذي يعني إعادة ترتيب الأولويات من وقت إلى آخر.
وانت من القدس هل تشير أو تلمح مثلا لبعض الدول التي ليس فيها تداول للسلطة (مملكه أو إمارة) كالسعودية أو الإمارات أو الاردن أو المغرب إلخ إلخ إلخ.
وما رأيك لمثيلتها في البلاد الغربية مثل بريطانيا وهولندا إلخ إلخ إلخ. هل هي دول فاشلة؟
لا تحاول أن تشرح لي الفرق بين النظام الرئاسي والبرلماني،كل له ميزاته وعيوبه، وما رأيك في التنين الصيني أو الدب الروسي والذي لا يتبادل السلطة.
ديون مصر الخارجية اقل من ١٢٥ مليار دولار وهذه نسبة للناتج القومى الاجمالى تعتبر ديون عادية وغير مقلقه ولذالك مصر من الدول القليلة التى تجد سهوله فى الاقتراض
مقال رائع
الشعب لا يعود عليه أي منفعه من هذه المشاريع ولكن هي منفعه لفئه معينه من الشعب لا تتعدي مليون شخص فقط أما الباقي من الشعب مازالت المعاناة موجودة في حياتهم