الانتخابات الإسرائيلية الرابعة: مأزق جديد وتعب من ألاعيب نتنياهو فهل سيجد حبل النجاة عند العرب؟

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

انتهت الانتخابات الإسرائيلية الرابعة بدون رابح واضح. وتكرر نفس المشهد كما في الانتخابات الثلاثة الماضية، أي عدم قدرة أي من التحالفات، المؤيدة أو المعادية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تحقيق الغالبية المطلوبة لتشكيل الحكومة وهي 61 من مقاعد الكنيست الـ 120 مقعدا.
وسيجد نتنياهو الذي يلقب أحيانا بالساحر، أو الأحزاب الأخرى صعوبة في الحصول على ائتلاف يستطيع بناء تحالف هش. وعلى العموم فأربعة انتخابات تكشف عن عدم قدرة الساحر الذي أصبح أطول رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل على افتعال مزيد من الحيل. فقد اتفق الجميع على ان انتخابات 23 آذار/مارس، الرابعة في أقل من عامين أدخلت إسرائيل بمازق جديد وكشفت عن مدى الانقسام السياسي الذي تعيشه إسرائيل. وجاءت على خلاف توقعات نتنياهو الذي حاول استخدام حملة التطعيم الشاملة التي جعلت من إسرائيل أسرع الدول في العالم لتوفير اللقاح لسكانها. وكان يأمل بأن تعزز هذه حظوظه في الحصول على أغلبية مع أن النظام التناسبي الانتخابي الذي يجعل من الصعوبة على حزب واحد تشكيل حكومة بمفرده أو دون اللجوء إلى إقناع الأحزاب الصغيرة من أجل المشاركة معه في الحكومة.

نتنياهو المشكلة

وتظل مشكلة إسرائيل كما تقول مجلة «إيكونوميست» (25/3/2021) هي نتنياهو، فالأحزاب المعارضة له تأبى العمل معا حتى لو كان هذا يعني الإطاحة به. أما الأحزاب العربية فلم تدع إلى المشاركة في الحكومة أبدا ولم تظهر اهتماما في الموضوع، باستنثاء «راعم» أو القائمة العربية الموحدة الذي انشقت عن القائمة المشتركة وحصلت على 4 مقاعد في الكنيست، فقد أعرب رئيسها عباس منصور عن استعداد للتعاون مع أي من الطرفين. لكن نتنياهو يواجه معارضة من الأحزاب الصهيونية المتطرفة التي تهدد بالتخلي عنه لو تحالف مع منصور. وحظي الأخير بتغطية واسعة في الصحافة العبرية والغربية باعتباره كفة الميزان أو صانع الملوك في السياسة الإسرائيلية لأن مقاعده الأربعة قد تعطي تكتل نتنياهو اليميني المتطرف الفرصة لتشكيل الحكومة. واستبعد نتنياهو والأطراف المتحالفة معه هذا السيناريو، فيما أطلق منصور عددا من التصريحات التي قال فيها إنه منفتح على جميع الأطراف. طالما خدم التحالف معها قضايا الفلسطينيين في الداخل وعددهم مليوني نسمة تقريبا.

فرق تسد

واللافت أن نتنياهو حاول تقسيم الصوت العربي، وخاصة القائمة المشتركة التي حصلت في انتخابات العام الماضي على 15 مقعدا، ورفض بيني غانتس، زعيم تحالف أزرق-أبيض التحالف معها لتحقيق هدفه وهو إسقاط نتنياهو وانتهى كما آخرون في حضن رئيس الوزراء قبل أن يرميه للمجهول، فقد أدت موافقته على الدخول في شراكة وتداول في رئاسة الوزراء إلى انهيار أزرق-أبيض وفقدان غانتس ميزانيته، ومنظور توليه رئاسة الوزراء عندما رفض نتنياهو تمرير الميزانية وحل الكنيست وأعلن عن انتخابات بوتيرته الخاصة وضمن شروطه. ودخلها متسلحا بإنجازاته في مواجهة فيروس كورونا والتطبيع مع الدول العربية واحتواء إيران وسوريا، مع أن رحلته إلى الإمارات التي أرادها أن تكون تتويجا لجهوده ولتوقيع استثمارات بـ 10 مليارات دولار مع الدولة الخليجية الصغيرة انتهت بخلافات. ووجد نتنياهو نفسه عالقا في الجيوسياسة والأمن والغضب الأردني الذي منع طائرة خاصة أرسلها ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد لكي تقله إلى الإمارات عبر الأجواء الأردنية، وبهذا زاد من توتير علاقاته مع العاهل الأردني الملك عبد الله وحلفائه الجدد في الإمارات كما ورد في تقرير لمجلة «نيويورك تايمز» (22/3/2021) مما قوض محاولاته لتقديم نفسه كزعيم على المسرح الدولي يدافع عن مصالح إسرائيل وأمنها وبالضرورة توسيع مدى علاقاتها مع الدول العربية. وفوق كل هذا أدت محاولته استخدام ملف التطبيع لدعم فرصه الانتخابية إلى تعليق قمة كانت مقررة في الشهر المقبل تجمع الدول التي شاركت في «اتفاقيات إبراهيم» وهي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب وبحضور وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن. ومن هنا لم تنجح حيل رئيس الوزراء ولا محاولاته جلب الناخبين العرب الذي ربما صدق بعضهم وعوده لهم بفتح المدارس والمستشفيات وتعزيز الأمن، ذلك أن المشكلة التي تواجه المجتمعات العربية في إسرائيل هي الجريمة وعدم وجود ميزانيات كافية لمكافحتها. وزار نتنياهو المدن والبلدات العربية المحرومة أكثر مما فعل طوال فترة حكمه. وأثار السخرية عندما قال إن عواطفه كانت تتدفق حينما كان العرب ينادونه بأبو يائير. كما ووضع عربيا على قائمة حزب الليكود، بل وقال إنه قد تكون هناك رحلات جوية مباشرة من تل أبيب إلى مكة إذا أعيد انتخابه. هذا الجهد غير المسبوق أتى ثماره وحصل الليكود على أصوات أكثر بكثير في البلدات العربية مثل أم الفحم والناصرة مما حصل عليه العام الماضي، حيث حصل على ما يصل إلى 6 في المئة من الأصوات في بلدة رهط ذات الأغلبية البدوية. إلى جانب انخفاض كبير في التصويت العربي بشكل عام، فإن هذا يعني أن حصة الليكود في الأصوات العربية، رغم أنها لا تزال صغيرة، ارتفعت كثيرا. ولن يمر وقت قبل أن يكتشف الناخبون العرب الجدد لليكود أن التغيير الظاهر للحزب كان مجرد سراب. والملاحظة أن التسابق على الصوت العربي، لم يقتصر على نتنياهو بل وجميع الأحزاب من يمين الوسط التي تسابق قادتها على فتح دوائر عربية وانتقاد نتنياهو لعنصريته ضد العرب، فهؤلاء لم ينسوا تحريضه عليهم عام 2015 عندما قال إنهم يتدفقون على صناديق الاقتراع جماعات، فالحب الجديد هو مجرد حيلة انتخابية. ولاحظ جوناثان كوك في «ميدل إيست آي» (19/3/2021) أن نتنياهو في تقربه للعرب حاول دق أسفين بين الناخب العربي وممثليه وتصويرهم على أنهم غير حريصين على مصالحه وانهم حنثوا بوعودهم. ونقل عن باحثة قولها إن نتنياهو يهين العرب عندما يتحدث إليهم مفترضا تناسيهم تصريحاته المحرضة وقوانينه العنصرية وتعامله معهم كأغبياء. ومن هنا سارع منصور من القائمة العربية إلى الدفاع عن نفسه عندما اتهم بأن نتنياهو يتلاعب به وقال «نحن لسنا في جيب أحد».

تحالف مع حزب عربي

وفي ظل النتائج التي حرمته من الغالبية، فحسابات نتنياهو باتت معلقة الآن بخيار واحد وهو: الأقلية العربية، فلو أراد أن يحتفظ بمنصبه وعدم الذهاب لانتخابات خامسة فهو بحاجة كما يقول هنري أولسن في «واشنطن بوست» (24/3/2021) إن نتنياهو يواجه مشكلة حسابية واضحة. هناك حزب واحد فقط لديه تمثيل في الكنيست منفتح على دعم إعادة انتخابه: القائمة العربية الموحدة الإسلامية المحافظة. ولم يستبعد تغيير نتنياهو موقفه الرافض للتعاون مع «راعم» في ضوء نتائج الانتخابات. لكن بدائل تحالف نتنياهو مع العرب محفوفة بالصعوبات. فتشمل الكتلة المناهضة لنتنياهو السلسلة الكاملة من القائمة العربية المشتركة، التي تضم حزب البلد الشيوعي وأحمد الطيبي، إلى إسرائيل بيتنا، الذي دعا زعيمه أفيغدور ليبرمان في السابق إلى إعادة البلدات العربية في إسرائيل إلى أي دولة فلسطينية. وسيحتاج الائتلاف أيضا إلى حزب يمينا اليميني المتشدد، الذي يريد من إسرائيل أن تضم مستوطنات الضفة الغربية على الفور، للحصول على الأغلبية، مما يجعل من الصعب تشكيل ائتلاف. وقد يحاول رئيس الوزراء الماكر إقناع أعضاء الكنيست بالانشقاق عن أحزاب المعارضة ودعمه. هذا ما فعله العام الماضي، حيث فكك حزب المعارضة الرئيسي، أزرق-أبيض، بينما أقنع أيضا ثلاثة أعضاء من قائمة ميريتس – العمل – جيشر بالانضمام إليه. يريد الليكوديون المتشددون من بيبي أن يحاول هذا الطريق مرة أخرى، وقد يحتاجون فقط إلى واحد أو اثنين من المنشقين إذا انضمت يمينا إلى الائتلاف الموالي لنتنياهو. يمكن لنتنياهو بعد ذلك أن يحصل على كعكته ويأكلها أيضا من خلال عقد صفقة خاصة مع «راعم» لدعم أولوياتها مقابل عدم دعمها له.
من المرجح أن تكون الأهداف الأولى لليكود هم أعضاء الحزب السابقين الذين انشقوا هذا العام للانضمام إلى حزب الأمل الجديد، بقيادة الليكودي السابق جدعون ساعر. بدأ هذا الحزب بقوة، حيث وصل عدد مقاعد في الاستطلاعات إلى 22 عندما تم إطلاقه وسط ضجة كبيرة في كانون الأول/ديسمبر. على الرغم من تعيين كبار الاستراتيجيين من مشروع لينكولن لإدارة حملته، إلا أن جهود الانفصال التي قام بها ساعر تعثرت. فاز الحزب بستة مقاعد فقط يوم الثلاثاء.

لا بد من التغيير

ومشكلة نتنياهو أنه لو لم يستطع تجميع ائتلاف لينقذ نفسه من الملاحقات القانونية، فإن الانتخابات الخامسة لو حدثت فستظللها الشهادات ضده في المحكمة ما سيعطي الإسرائيليين فرصة للتغيير وإنهاء 12 عاما من حكم نتنياهو. واقترحت صحيفة «واشنطن بوست» (24/3/2021) طريقا للخروج من المأزق، فهي وإن اتهمت نتنياهو بتنفير قواعده الانتخابية الطبيعية بسبب تصرفه الفاسد والذي يحاكم عليه حاليا ولعدم قدرته على توحيد الغالبية من يمين- الوسط. وفي الوقت نفسه رفضه التخلي عن الحكم ومنعه بتصرفه الأناني أي شخص يريد عمل شيء آخر. كما وأضعف استقلالية القضاء وهاجم المجتمع المدني والإعلام وعوق أي محاولات تسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل وسيس العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية بالوقوف مع ترامب والحزب الجمهوري. وتظهر الاستطلاعات أن شعبية نتنياهو في أوساط الديمقراطيين رديئة. ومن هنا فأفضل طريقة للخروج من المأزق هي «ائتلاف للتغيير» يترأسه واحد من منافسي نتنياهو ويضم أحزاب الوسط ويسار الوسط التي يتفق قادتها على ضرورة الإطاحة بنتنياهو. ولن يستمر ائتلاف كهذا وسيشكل تحديا لإدارة جوزيف لو كان برئاسة نفتالي بينت الذي كان حليفا لنتنياهو قبل أن يصبح عدوه، ذلك أنه يدعو لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، ولكن هذا الإئتلاف قد ينهي عهد نتنياهو والذي يتطلع إليه البلد أكثر من أي شيء آخر.

فوز الكاهانية

ومهما كانت نتيجة الانتخابات الأخيرة فقد أكدت على انتصار اليمين المتطرف بل وعودة الكاهانية نسبة للحاخام المتطرف مائير كاهانا. ويقول ريتشارد سيلفرستين في «ميدل إيست آي» (24/3/2021) أن قائمة «الصهيونية الدينية» وهو تكتل من الأحزاب الفاشية وتشكل بوساطة من نتنياهو هي الفائز الأكبر. ويعرف عن زعيم القائمة بتسلئيل سموتريتش مواقفه العنصرية المتطرفة، حيث عام 2005 حقق «شين بيت» معه بتهمة تدبير مؤامرة لعملية إرهابية احتجاجا على انسحاب إسرائيل من غزة. وقال إن اليهودي لا يمكن أن يكون أبدا إرهابيا. ونظم «مسيرة الوحوش» حيث استعرض حيوانات في شوارع القدس ردا على المثليين، ويعتبر نفسه معاديا لهم فخورا بنفسه. ويتحالف سموتريتش مع إيتمار بن غفير الذي قاده نشاطه إلى مائير كاهانا، وانضم أولا إلى حركة الشباب موليديت التي تدعو لترحيل العرب الإسرائيليين. ويعيش في الخليل وسط أكثر الجيوب الاستيطانية تطرفا وعنفا، ويعمل محاميا يمثل المجرمين. إن وصول سياسيين إلى الكنيست ينتمون إلى حزب عوتسما يهوديت (القوة اليهودية) – وهي جماعة يمينية متطرفة لها جذور في حركة كاخ العنيفة المعادية للعرب التي كان يتزعمها الحاخام مائير كاهانا والتي وصفتها «إيباك» ذات يوم بأنها «عنصرية ومستهجنة» يعطي صورة عن تراجع الليبرالية في إسرائيل والأحزاب التي تمثلها. ولأن المعارضة تفككت بسبب حيل نتنياهو فلم يكن ما بقي منها قادرا على التخلص منه. وفي النهاية تبدو إسرائيل في وضعها الحالي والمنقسم غير قادرة على حسم أمرها فهي بين لعبة نتنياهو وأخرى وسيظل يقودها إلى انتخابات لا يستطيع حسمها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية