الانتخابات الإسرائيلية: هل هدايا ترامب وبوتين لنتنياهو تضمن فوزه؟

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

تشهد إسرائيل انتخابات عامة في التاسع من نيسان (إبريل) الشهر الحالي، وتتعدد الوجود المشاركة فيها والأحزاب إلا أن السباق على ما يبدو الآن بين رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الذي لو فاز في الجولة الأخيرة فسيتفوق على ديفيد بن غوريون، الذي يعد من أطول رؤساء الوزراء حكما، وتلاحقه قضايا فساد ورشوة، وبين قائد الجيش السابق بيني غانتس، والذي يقود ائتلاف «أزرق-أبيض» ويعتمد على عدد من جنرالات الجيش الإسرائيلي السابقين. واستخدم غانتس خدمته في الجيش الإسرائيلي لتعزيز موقفه، وأشار إلى أنه كان من حراس الرئيس المصري أنور السادات عندما زار القدس عام 1977 وأنه آخر جندي خرج من جنوب لبنان عام 2000 ومزح في حملاته الانتخابية أنه زار معظم الدول العربية بدون تأشيرات في إشارة إلى العمليات العسكرية في داخلها. وفي ظل الطيف المتعدد من اليمين إلى اليمين، لأن الوسط يعد يمينا في مجتمع إسرائيلي بات يمينيا بدرجة قصوى اختفت الموضوعات الأساسية التي كانت تسود في الانتخابات بشكل عام مثل حل الدولتين أو موضوع التسوية مع الفلسطينيين. فهؤلاء لا يشار إليهم أبدا. ومعظم المرشحين لها لا يريدون إنهاء الاحتلال أو وقف الاستيطان علاوة على حل سلمي يقوم على «حل الدولتين». ولاحظ المحامي الفلسطيني رجا شحادة في «نيويورك تايمز» (4/4/2019) أن إسرائيل التي حجزت أموال الضرائب عن السلطة الوطنية تسير على الضفة وتحاصر غزة و «تملي علينا كفلسطينيين مراقبة من بيوتنا نتائج الانتخابات التي ستحكم حياتنا ومستقبل وجودنا على أرضنا» و «تعتبر اليهود الإسرائيليين في الضفة الغربية مواطنين أما نحن فلا وسيكون بمقدورهم السفر للتصويت وليس نحن».

رجل الأمن

ويظل التركيز على قضايا الأمن والاقتصاد ومواجهة ما يراه نتنياهو الأخبار الكاذبة عنه ومحاولة منع تأثير الاتهامات الموجهة على حملته الانتخابية.
فـ «الملك بيبي» كما بات يعرف و «رجل الأمن» لديه الكثير للتفوق على منافسيه من ناحية الأداء والخبرة والتاريخ والقدرة على التلاعب بالناخبين. ويذكر الجميع تصريحاته العنصرية يوم الانتخابات السابقة، عام 2015 عندما دعا الإسرائيليين للخروج وبقوة للتصويت لأن العرب الفلسطينيين في إسرائيل يتدفقون أشتاتا وجماعات عليها. ومن هنا تقترح الكثير من التحليلات والاستطلاعات فوزه في الجولة الانتخابية المقبلة ليس بسبب سجله السياسي أو الأمني ولا علاقاته مع القوى العظمى التي تتسابق على تقديم الهدايا له ولكن لأسباب ترى صحيفة «هآرتس» أنها تدعم فوز «بيبي» في انتخابات الثلاثاء، منها تحول المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين، فقبل 20 عاما كان عدد الإسرائيليين الذين يعرفون أنفسهم من خلال اليمين متساو مع الذين على جانب اليسار. وصلت نسبة من يرون أنهم في معسكر اليمين خلال السنوات الماضية إلى 50 في المئة فيما انخفضت بالنسبة لمعسكر اليسار بنسبة 10 في المئة.
وهناك سبب يدفع الإسرائيليين التصويت لنتنياهو وهو نابع من كونه في السلطة منذ وقت طويل ولم يعرف جيل من الإسرائيليين غيره. ومن الأفضل التعامل مع «الشيطان الذي تعرفه» بدلا من المغامرة والتصويت لشخص غير معروف. ويستند نتنياهو على خبرته وحنكته ودهائه السياسي الذي يجعله قادرا على إقناع الناخبين الذين لم يقرروا بعد ولم يحسموا أمرهم. ولأن القوى العظمى تدعمه، فقد قدم له دونالد ترامب هدية كبيرة قبل الانتخابات عندما اعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية في الشهر الماضي. وقبل أيام من الانتخابات منحه فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي رفات جندي إسرائيلي قتل قبل 37 عاما في لبنان. هذا بالإضافة لقانون قومية الدولة الذي خلق ثنائية «إما معنا نحن (اليهود) أو هم (العرب)» فعندما استقبل غانتس وفدا من الدروز بعدما أعلن عن خوضه الانتخابات، اتهمه نتنياهو بالتعاون مع الأقلية العربية التي نجح نتنياهو في تصويرها على أنها «طابور خامس» ينتظر. ومما يساعد نتنياهو على الفوز هي التحولات في سلوكيات الناخب الإسرائيلي التي أصبحت تعتمد على «القبلية» سواء النزاع بين اليهود الغربيين والشرقيين بالإضافة لليهود الروس والخلاف بين المدن الكبرى والصغرى وبين التقليديين الذين يعتزون بالديمقراطية ومن يرون أنفسهم متفوقين عنصريا. ولأن نتنياهو نجح في إقناع الناخب الإسرائيلي أن النظام القضائي والإعلام بيد اليسار مما خفف من حدة الاتهامات الموجهة إليه. بالإضافة للأخطاء التي ارتكبتها حملة غانتس ولأن الديمقراطية ترتكب أخطاء مثلما حدث في أمريكا وغيرها من الدول التي باتت تؤمن بحكم الرجل القوي.

معجبون بنتنياهو

والغريب أن كل هؤلاء تدفقوا على إسرائيل من البرازيل إلى الهند مرورا بهنغاريا التي يعرف رئيسها بتصريحاته المعادية للسامية ومع ذلك فرش له نتنياهو السجاد الأحمر. مما دعا معلق في صحيفة «التايمز» (3/4/2019) إلى التحذير من الظاهرة التي تجعل كل الرجال الأقوياء يريدون التشبه بنتنياهو الذي بات يعتمد على اليمين المتطرف للفوز في انتخابات الأسبوع المقبل. وحذر الكاتب نتنياهو من تضييع سجله السياسي والتحالف مع الجماعات المتطرفة لأن قوة إسرائيل حسبما يقول نابعة من مؤسساتها الديمقراطية. ولم يغب السؤال عن إيان كراستيف، في صحيفة «نيويورك تايمز» (18/3/2019) عندما كتب عن السبب الذي يجعل القوميين في وسط أوروبا ينجذبون إلى نتنياهو بالطريقة نفسها التي انجذب فيها اليسار الغربي إلى فيديل كاسترو في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ويرى أن الواقعية السياسية تكمن وراء علاقات إسرائيل مع دول أوروبا الشرقية. ويستطيع استخدامها لمنع أي ضغوط من الاتحاد الأوروبي عليه. ونجحت جهوده حيث أوقفت دولة الشيك وهنغاريا ورومانيا بيانا للاتحاد الأوروبي ينتقد نقل السفارة الأمريكية. ويرى قادة شرق أوروبا أن العلاقة مع إسرائيل هي وسيلة للاستفادة من إمكانيات إسرائيل الاقتصادية والتقرب من إدارة ترامب. وأكثر من هذا فالعلاقة بين الطرفين ليست زواج مصلحة، فقد لاحظ شلومو أفنيري مرة أن إسرائيل وإن كانت في الشرق الأوسط إلا أنها تتصرف كدولة شرق أوروبية. وقد تبدو في ذهن وخيال دول شرق أوروبا كدولة ديمقراطية ولكنها إثنية. ويرى كراتسيف أن من السهل الإعجاب بإسرائيل ومن الصعب إقناع مجتمعات قادة الدول الأقوياء في شرق أوروبا تقليدها.

علاقة حب مع ترامب

إلا أن نتنياهو الذي يخوض الانتخابات وكأنها معركة وجودية يستخدم كل ما لديه من ذخيرة للتلاعب والخداع. والغريب أن قادة الدول يبقون في بلادهم أثناء الحملات الانتخابية إلا أنه زار في الأسابيع الماضية الولايات المتحدة وروسيا. ولديه الكثير ما يقوله للناخبين عن علاقاته مع ترامب، بل واستخدم العلاقة هذه في حملاته الدعائية. ففي تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» (10/3/2019) قالت فيه إن سلاح رئيس الوزراء الإسرائيلي السري في معركته الانتخابية في الواقع ليس سرا… إنه الرئيس ترامب.
وانتشرت لوحات إعلان ضخمة في كل من تل أبيب والقدس قبل شهر تحمل صورة لرئيس الوزراء والرئيس الأمريكي يتصافحان ويبتسمان تحت كلمتين هما «مستوى مختلف» وهو ما يعني ضمنيا أن منافسي نتنياهو هم مجرد هواة. ثم عاد ونشر صورا له مع الجنود الأمريكيين خاصة أن القانون الإسرائيلي منع استخدام الجنود الإسرائيليين لتدعيم حملته الانتخابية. كل هذا يساعد نتنياهو كثيرا أمام الناخب الإسرائيلي في بلد حصل فيه ترامب على نسبة اعجاب قد تكون الأعلى من أي بلد آخر حسب الاستطلاعات. فقد أمطرت إدارته نتنياهو بالهدية بعد الأخرى بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتخفيض المساعدات للسلطة الفلسطينية وتبني الرأي الإسرائيلي بخصوص اللاجئين الفلسطينيين. ويبدو أن ترامب هو من يقوم بالحملة نيابة عن نتنياهو، فحسب ديفيد ميلر، المفاوض السابق: «اللعبة من ناحية ترامب هي أن يفعل ما بوسعه كي تتم إعادة انتخاب بيبي». وعلى العموم تبدو علاقة ترامب مع نتنياهو إشكالية بالنسبة لقاعدة الأول الانتخابية، خاصة الجماعات الإنجيلية والتي وإن دعمت إسرائيل إلا أن دعمها الأول يتركز على ترامب. وكما لاحظ شبلي تلحمي في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» (25/3/2019) فهناك مؤشرات تشير إلى أن قاعدة ترامب ليست كلها راضية عن احتضانه لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وبالتأكيد، فإن الدعم بين الجمهوريين للسياسة الإسرائيلية اليمينية لا يزال قويا، ولا يبدو أن هناك نهاية منظورة لهذا، بالرغم من علامات عدم الارتياح، لكن قد يكون هذا ناتجا عن حقيقة غياب ثمن وشيك لعلاقة الحب مع نتنياهو وللأفعال المتهورة التي يقوم بها لإظهار ذلك الحب، وإن ظهرت تكاليف لتلك الأفعال فيجب توقع ردة فعل تدوم أبعد من ترامب، لكن إلى الآن فإن أولوية الحزب الجمهوري هي الوقوف خلف ترامب في أمريكا، التي هي مستقطبة بشكل كبير، والتغطية على الخلافات بخصوص إسرائيل بين ناخبي الحزب، إلا أن هذه الخلافات لن تبقى بعيدة عن الأنظار إلى الأبد». ومهما كان الدعم القادم من ترامب وتلويح نتنياهو بالعلاقة الخاصة، فالساحة هي إسرائيل. وكما كتب عكيفا الدار في موقع «المونيتور» (2/4/2019) فالناخب الإسرائيلي لم يحسم أمره. وأظهرت استطلاعات أن الناخبين لا يريدون نتنياهو ولا غانتس. وأظهر الكاتب تنوعا في المواقف وخريطة متعددة الوجوه بين ناخبي اليمين واليمين المتشدد واليسار والقوائم العربية. وأي صوت لا يوضع في مكانه الصحيح قد يؤثر على هذه القائمة أو تلك وربما أسهمت في خسارة نتنياهو الغالبية أو تحوله نحو اليمين الأكثر تشددا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية