يقترب المشهد العراقي من موعد جديد من الاستحقاق الانتخابي لاختيار ممثلي الشعب في مجلس النواب القادم، حيث تعد هذه الانتخابات، على الرغم من ضبابية شرعية دستورها، على غاية من الاهمية في تقرير شكل ونوعية النظام السياسي القادم، في ظل مخاطر عديدة تحدق بالبلاد، كالطائفية والديكتاتورية المذهبية التي تهدد وحدة العراقيين. غير ان هناك من الشخصيات المدنية المرشحة ترى في الانتخابات تحديا شرعيا وواجبا وطنيا يمثل البديل، لمواجهه خطورة بقاء نظام المحاصصة الطائفي الذي شرعنه دستور أمريكا وباركته إيران. وكنتيجة سياسية ورد فعل طبيعي معاكس برز العديد من الكتل المعارضة لهذا النظام الديكتاتوري الطائفي، وضمت قوائم هذه الكتل أسماء مميزة من أساتذة الجامعات ورجال أعمال وساسة ودبلوماسيين معروفين من كل الأطياف العراقية كـ’التحالف المدني الديمقراطي’، بالإضافة إلى الكتل الموجودة السابقة كـ’القائمة الوطنية’ ‘وكتلة متحدون’ الخ… حيث يطمح العديد من مثقفي هذه التيارات المدنية الى المشاركة في الإصلاح والتغيير السياسي، لإنقاذ البلاد وحماية الثروة الوطنية من تجار الدين السياسي من خلال قبة البرلمان، وفي إطار الشرعية النيابية للتأثير على المشهد السياسي القادم، بعد التجربة الفاشلة من الحكم الطائفي وما جاء به من تمييز قومي وطائفي. ناهيك عن فوضى الأمن والفساد وعزلة العراق إقليميا ودوليا. في الوقت الذي تعمل الأحزاب الطائفية الحاكمة على الاستفادة من إفرازات الاحتقان المذهبي والتفجيرات، واستهداف المناطق التابعة لها تنظيميا وعقائديا بالعنف لدفع سكان هذه المدن إلى إبقاء الوضع الطائفي الملائم، ومن ثم إعادة انتخاب غالبية المرشحين والكتل التي تتبنى خط الإسلام السياسي المذهبي الذي أدخلته إيران للمشهد السياسي العراقي. لا شك ان اشتراك تيار مدني بديل للتغيير هو مطلب وطني لبناء النظام الدستوري في العراق، فهو وكما يراه غالبية العراقيين من خلال محتواه الوطني على انه البديل الشرعي والانساني، حيث يقف خلفه العديد من مكونات الشعب من شباب ومنظمات المجتمع المدني. ولا شك أيضا ان وجود معارضة وطنية بديلة للتغيير يتطلب قبل كل شيء القدرة على صياغة برنامج او مشروع سياسي حقيقي وامتلاك رجالات دولة، ترسمه وجوه لا تتخذ من الموجة الطائفية غاية وهدفا للوصول، وتقدم شخصيات معروفة قادرة على حكم الدولة السياسي والاقتصادي. في الوقت نفسه تتمحور استراتيجية نوري المالكي للبقاء في السلطة، وكما كانت في السابق، على الخطاب الطائفي المفرق وتحشيد الشعب، عن طريق تسخير كل المؤسسات الحكومية من جيش وشرطة واقتصاد لإدامة وبسط السلطة وتجيير قراراتها وبطائفية مقيتة نحو مكونات الشعب العراقي، للفوز بالانتخابات واستغلال ثورة العشائر المنتفضة في الرمادي، بحجة وجود تنظيمات ‘داعش’ واحتمال عودة البعثيين للسلطة، لتمكينه من الفوز بولاية ثالثة،على الرغم من فشله وانعدام شعبيته، مستفيدا بذلك من الدعم الإيراني وغياب معارضة رسمية موحدة ضده. وهكذا يرى العديد من المتابعين والمحللين للمشهد السياسي العراقي خطورة اتجاه الأحداث وفق هذا المسار، بعد ان سيطر حزب الدعوة الحاكم سيطرة تامة على هيكلية الجيش مع حلفائه من قوات بدر ومليشيات أخرى، حيث سيبذل النظام مساعي كبيرة وبدعم إيراني من أجل بقاء المالكي، إذ يُخشى في حال فشله وتركه السلطة ان يشهد المشهد السياسي القادم مسلسل ملاحقات ومحاكمات له ولأركان حزبه، لكثرة الاتهامات الموجّهة إليهم. من هذا المنطق تتزايد مخاوف الشارع العراقي من تزوير قد يشوب الانتخابات البرلمانية لصالح الحزب الحاكم، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها في بلد كالعراق. حيث سجل العديد من عمليات شراء بطاقات الانتخاب الالكترونية من اصحابها، خاصة بعد ثبوت عمليات استغلال النظام للفقر وشرائه لولاء الطبقة الكادحة المسحوقة في جنوب ووسط العراق عن طريق تجنيد العاطلين عن العمل في الجيش، ومن ثم جعلهم أدوات قتل طائفية لأشقائهم العراقيين من طوائف ومذاهب أخرى. لقد بات في حكم المؤكد الا تخرج نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق بشي جديد ومؤثر استجابة لتطلعات وامنيات المواطن العراقي المطالب بالتغيير وإقامة دولة المواطنة، التي قد تدفع هذا البلد المنكوب الممزق، الى التحول لمجتمع ديمقراطي مستقر، وزرع اليقين لدى الناخب بانه سيصل أخيرا الى بر الامان، في ظل اوضاع اقليمية ودولية غير مستقرة وبغض النظر عن قوميته ومعتقداته الاثنية. ثمة قلّة قليلة من العراقيين تعتقد بأن الانتخابات القادمة ستتمخض عن وضع سياسي قادر على حل الكثير من القضايا المستعصية، كالطائفية وتفشي الفساد وتردي الخدمات العامة والتهديدات الأمنية المتمثلة في اعمال القتل والتفجير، ناهيك عن الوضع الخطير التي تشهده محافظة الأنبار ومدن مهمة أخرى في أعقاب قمع النظام الطائفي في بغـداد لتظاهرات سكانها السلمية بالقوة، حيث أضحى سكان هذه المكون العراقي المهم نازحين، وبالتالي غير متحمسين، بعد ان دمر جيش نوري المالكي مدنهم ليصبح في النهاية صوت الحرب أقوى من صوت الانتخابات، فضلا عن الفتاوى الدينية والعشائرية التي منعت مشاركة الناخبين في هذه البقعة المهمة والشاسعة من الوطن. ان بقاء رئيس الوزراء نوري المالكي على كرسي الحكم لدورة ثالثة أو الإجماع عليه من قبل التحالف الطائفي الذي يدعمه، سيدفع إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم (كردي – سني – شيعي)، وأن واقعية التقسيم ســـتقوى وتتسارع حالما تسفر انتخابات نهاية الشهر الجـــــاري عن فوز تحالف المالكي. ان معطيات المشهد العراقي الحالي، في ظل الدعم الأمريكي الإيراني، يتناقض مع أي احتمالات لتغيير مسموح عن طريق الانتخابات الديمقراطية، حيث ان أهداف ونتائج الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة سوف تخدم بالدرجة الأولى مخططات تقسيم العراق إلى أقاليم على أساس عرقي وطائفي انسجاما مع المعطيات الحالية. وهي بالتالي انعكاس للوضع الطائفي والمذهبي والعشائري الذي جاء به الدستور الجديد وحصان طروادة الإيراني المتخفي في داخله.