الأنظمة الانتخابية ليست خيارات، أو رغبات، أو اجتهادات، بل هي ترجمة لطبيعة النظام السياسي من جهة، ومحاولة للوصول الى تمثيل حقيقي وعادل لطبيعة القوى الاجتماعية/ السياسية الموجودة من جهة ثانية. وفي حالة البلدان التي تضم مجتمعا منقسما هوياتيا واجتماعية وسياسيا، قد يفضي اختيار النظام الانتخابي غير المناسب إلى مزيد من الانقسام والصراع، خاصة إذا ما قُسمت هذه الدوائر الانتخابية بطريقة «اعتباطية» وفقا لمصالح الفاعلين السياسيين المهيمنين الذين لا يزالون يسيطرون على مفوضية الانتخابات، وعلى مكاتبها المحلية، ولا يزالون قادرين على استخدام الدولة/ السلطة بطريقة تطيح بمبدأ تكافؤ الفرص (لا وجود لقانون يحظر على الموظف العمومي أو النائب في البرلمان استخدام خدمات الدولة بطريقة لا أخلاقية لرشوة جمهوره الانتخابي) ولا يزالون قادرين على استخدام أموال الفساد الطائلة من أجل التأثير على النتائج عبر الرشوة المباشرة، أو غير المباشرة (النموذج الأكثر شهرة للرشوة غير المباشرة، هي ما يعرف بنواب «السُّبيس» وهي خليط من الرمل والحصى يستخدم لتعبيد الشوارع)! وهو ما يعني عمليا انتاج تمثيل وهمي يعزز سيطرة هذه القوى، وليس تمثيلا حقيقيا للجمهور، مع كل ما يترتب على ذلك من زيادة في سعة الفجوة بين المجتمع والطبقة السياسية.
وفي بلد منقسم اجتماعيا، وسياسيا، مثل العراق مع نظام سياسي قائم على أساس التمثيل النسبي، ولو شكلا على الأقل، كان من العبث القفز على هذا الواقع الذي يتمسك به الجميع، ويقاتلون من أجله، للذهاب إلى نظام دوائر متعددة، وانتخاب فردي، يتناقض مع طبيعة النظام السياسي، ويتناقض مع طبيعة الأحزاب والقوى السياسية الهوياتية التي تحتكر المشهد السياسي، ويتناقض مع السلوك الانتخابي الهوياتي للناخب نفسه!
قبيل إقرار قانون انتخابات مجلس النواب نهاية العام الماضي، قلنا إن اختيار نظام الدوائر المتعددة سينتج صراعا محتدما على رسم هذه الدوائر بطريقة «متعمدة» تضمن النتائج مقدما، بطريقة تتيح للسياسيين اختيار ناخبيهم بدلا من اختيار الناخبين لممثليهم! وإن هذا الصراع لن يقتصر على المناطق المختلطة قوميا ومذهبيا فقط، بل سيمتد إلى المناطق الصافية هوياتيا، ليتحول إلى صراع جهوي، وحزبي، وعشائري، وشخصي، من أجل ترسيم الدوار الانتخابية بطريقة تضمن فوز المهيمنين على صناعة القرار داخل مجلس النواب، وداخل اللجنة المكلفة بترسيم هذه الدوائر! خاصة وان مجلس النواب تعمد اغفال حقيقة تضارب المصالح الصريح في ترك موضوع ترسيم الدوائر الانتخابية للنواب الذين يقسمونها بطبيعة الحال تبعا لمصالحهم، ومصالح أحزابهم. وقد كان يفترض ان يترك ترسيم تلك الدوائر إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وإن كانت هي نفسها مجرد ممثلية للأحزاب، لكنها، على الأقل، كانت ستضطر، تحت المراقبة من جهة، وبسبب حضور الخبراء الدوليين، إلى ضمان نوع من المناصفة بين مصلحة رعاتهم، ومصلحة الجمهور، بدلا من أن يحتكر الفاعل السياسي ترسيمها بطريقة اعتباطية تبعا لمصالحه!
قانون يضمن التزوير المنهجي بدلا من أن يمنعه، وثم إصرار على أن تكون الانتخابات القادمة مجرد سيرة فشل أخرى في إنتاج انتخابات نزيهة وشفافة وعادلة!
وقد أثبتت خرائط ترسيم الدوائر الانتخابية عن «الصفقات الصريحة « المتبادلة « التي حكمت عملية الترسيم، قوميا ومذهبيا وحزبيا وشخصيا، حيث كنا أمام «تقطيع أوصال» حقيقي للمناطق، تبعا لمصالح الفاعلين السياسيين، ومصالح أحزابهم، وبطريقة اعتباطية تماما، وبدلا من البحث عن معيار دقيق وصارم يضمن العدالة في التمثيل، وٌضع معيار يشرعن عملية تقطيع الاوصال هذه (وهو أن تقسم الدوائر وفقا لعدد الكوتا النسوية) بطريقة لا أخلاقية، فلا أحد يستطيع مثلا أن يفسر لماذا يكون هناك دوائر بخمسة مقاعد مع مقعد كوتا واحد، ودوائر بثلاثة مقاعد بضمنها مقعد كوتا واحد، سوى بان مصلحة الفاعلين المهيمنين تقتضي ذلك!
في الانبار، رسمت الدوائر الانتخابية وفقا لرغبة ومصلحة طرف محدد، هكذا نجد إحدى الدوائر كانت شبيهة بحرف N المقلوب في اللغة الإنكليزية! لمجرد الرغبة في تقسيم مناطق عشيرة البوفهد التي ليس لدى هذا الطرف فيها أي مرشح قادر على الفوز، إلى منطقتين، وتقسيم أبناء عشيرة أخرى يتواجدون في منطقتين متباعدتين (بينهما 220 كم) ولكنهما ومتجاوران جغرافيا ولا تفصل بينهما سوى الصحراء، في مقابل جمع أفرد عشيرة أخرى، هي عشيرة البوعيسى، يتواجدون في منطقتين تبعد إحداهما عن الأخرى أكثر من 320 كم! وفي محافظة كركوك، تحكمت صفقة قومية، عشائرية، شخصية، في توزيع الدوائر لترضية، ليس القوميات المتصارعة في كركوك، بل لترضية نواب المحافظة أنفسهم من أجل ضمان القدرة على المنافسة والفوز، في ديالى حسمت الدوائر اتفاقات صريحة بين قوى سياسية ثلاث وزعت الدوائر طبقا لمصالحها. ويصدق هذا الحكم على جميع الدوائر في المحافظات جميعها!
ولايزال موضوع البطاقة البايومترية طويلة الأجل، والذي كان مطلبا رئيسيا لحركة الاحتجاج، وضمانة رئيسية لمنع التزوير «المنهجي» خاضعا للتأويل! فقد تعمد المهيمنون على القرار في مجلس النواب «التدليس» الصريح في القانون فيما يتعلق بهذه المسألة الحيوية؛ فالمادة 5 من القانون التي تحدثت عن شروط الناخب، أشارت في الفقرة رابعا منها إلى أنه يجب ان يكون «لديه بطاقة ناخب إلكترونية مع ابراز أحد المستمسكات الرسمية». ولكن القانون يورد مادة تتقاطع مع ما جاء في هذه المادة، عندما تتحدث المادة 39 من القانون عن ضرورة أن يكون التصويت الخاص «وفق بطاقة الناخب البايومترية حصرا» وأن يصوت النازحون «باستخدام البطاقة البايومترية طويلة الاجل» وان يصوت عراقيو الخارج «باستخدام البطاقة البايومترية حصرا». وهو ما يعني أن التصويت في غير هذه الحالات الثلاث يمكن أن يجري بواسطة البطاقة الإلكترونية وليس بالبطاقة البايومترية طويلة الأجل! والفرق بين الإثنين أن الأولى تتيح التصويت بالنيابة، وتم استخدامها على نطاق واسع في التزوير المنهجي في انتخابات عامي 2014 و 2018، وهناك مئات الآلاف من هذه البطاقات لدى أطراف سياسية ستستخدمها للتزوير! فيما لا تتيح البطاقة البايومترية ذلك كله!
في النهاية نحن أمام قانون يضمن التزوير المنهجي بدلا من أن يمنعه، وثم إصرار على أن تكون الانتخابات القادمة مجرد سيرة فشل أخرى في إنتاج انتخابات نزيهة وشفافة وعادلة!
كاتب عراقي
أرجو أن تكون الإنتخابات العراقية القادمة تحت إشراف الأمم المتحدة!
أغلب الشعب العراقي فهم اللعبة, ولا يريد تكرارها!! ولا حول ولا قوة الا بالله
الفساد عم أغلب الموظفين بالدولة! والنزاهة غابت حتى عند القضاء!! ولا حول ولا قوة الا بالله
النتائج تعتمد على المقدمات. كيف يمكن لسياسيين فاسدين أن ينتجوا شيئاً نزيهاُ.
لابد انهم سيأتون بطريقه انتخابيه ألعن من سابقاتها.