حظيت الانتخابات التشريعية اللبنانية الأخيرة باهتمام عربي ودولي ولبناني كبير، وعلى عكس كل التوقعات فإن اللبنانيين في الداخل والخارج اهتموا بالانتخابات وتابعوها بشغف، لا بل استنفر المغتربون اللبنانيون في بلدان عدة للمشاركة بكثافة ليعبروا عن احتجاجهم على الوضع الكارثي الذي وصل إليه لبنان، وليدفعوا في اتجاه انتخاب طبقة سياسية جديدة تحل محل الطبقة القديمة التي أوصلت البلاد والعباد إلى حافة الانهيار والإفلاس والجوع. وقد ظن كثيرون أن اللبنانيين بعد ثورتهم الأخيرة التي استمرت لفترة طويلة وشارك فيها مختلف الشرائح أن الشعب لم يعد يقبل بأقل من القضاء على نظام المحاصصة الطائفي إلى غير رجعة، خاصة وأنه بنظر اللبنانيين كافة المسؤول الأول والأخير عن محنة لبنان وتحوله إلى واحدة من أسوأ الدول الفاشلة في المنطقة بعد أن كانوا يسمونه بـ«سويسرا الشرق».
لكن ما أن بدأت الحملات الانتخابية في الداخل والخارج حتى شمر نفس اللبنانيين الذين كانوا يتظاهرون يومياً ضد النظام الحاكم وكانوا يطالبون بإسقاطه واستبداله بأسرع وقت ممكن، حتى شمروا عن سواعدهم وانخرطوا باللعبة الانتخابية بحماس منقطع النظير ونسوا كل شعاراتهم الثورية التي كانت تدعو إلى مقاطعة الطبقة الحاكمة ومحاكمتها. لقد تبخرت الثورة اللبنانية ونسي الناس مطالبهم، واندفعوا إلى صناديق الاقتراع بنفس الروحية الطائفية القديمة ليستمتعوا بالإدلاء بأصواتهم لصالح هذا الزعيم الطائفي أو ذاك. ولا نستثني من ذلك طبعاً المغتربين اللبنانيين الذين كانوا أكثر ثورية من نظرائهم في الداخل، وقد كانت نسبة المصوتين في الخارج ربما أكبر بكثير من نسبة الاقتراع في الداخل.
لا أدري كيف نصف هذا الحماس الشعبي الأخير للانتخابات النيابية اللبنانية مع أن غالبية الشعب باتت تعلم منذ زمن بعيد أن سبب مأساته يكمن في طبيعة النظام الطائفي الحاكم الذي لم يتسبب فقط في الحروب الأهلية التي دمرت البلاد وشردت العباد، بل أدى في نهاية المطاف إلى تدمير ما كان يسمى بالدولة اللبنانية وجعلها مضرباً للمثل في الفساد والإفساد وسوء الإدارة. ماذا يا ترى استفاد اللبنانيون من كل انتخاباتهم «الديمقراطية» بين قوسين على مدى عقود غير إعادة تدوير الطبقة التي يشتكون منها ليل نهار ويحملونها كل مصائبهم السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية؟ لماذا عادت حليمة لعادتها القديمة لتمارس لعبة التمترس الطائفي والمناطقي الذي يلطخ سمعة لبنان نظاماً وشعباً منذ نشأته؟ هل هناك انتخابات في لبنان أم بالأحرى انتحابات بالحاء؟ أليس النظام اللبناني مجرد محاصصة طائفية لا قيمة فيه ولا وزن لانتخابات تقوم على ديمقراطية توافقية؟ لهذا لن يتغير شيء سوى نصر معنوي أو حالة نفسية عند خصوم عون ونصرالله. الديمقراطية الناجحة هي الديمقراطية الشعبية التي تعبر عن حالة وطنية، وليس انتخاب طوائف يتسابق ممثلوها على حصص مسبقة، ورئاسات ثابتة لا تتغير: البرلمان للشيعة والحكومة للسنة والرئاسة للموارنة.
ماذا يمكن أن ينجز البرلمان أو ما يسمى بمجلس النواب اللبناني في بلد تحكمه ميليشيا مدعومة إيرانياً بقوة السلاح والبلطجة منذ عقود، ولا حول ولا قوة أصلاً للسياسة والسياسيين في بلد الأرز؟
على ماذا تقاتل اللبنانيون في الحرب الأهلية يا ترى لمدة ستة عشر عاماً؟ ألم يكن البعض يطمح إلى تغيير الدستور ووضع نظام جديد؟ فلماذا عادوا واتفقوا على الدستور الطائفي وثبتوا الشيء الذي تقاتلوا عليه وهي المحاصصة الطائفية في اتفاق الطائف؟ إذاً ما نفع الانتخابات الآن وحتى هزيمة حزب الله طالما أن الأساس فاشل؟
وإذا تغاضينا عن صعوبة التخلص من المنظومة الطائفية نظراً لتجذرها في الوجدان السياسي والشعبي اللبناني وتنفيذاً لاتفاق الطائف، فلا بد أن نطرح السؤال الأهم وهو، ما قيمة وما فائدة الانتخابات في بلد مخطوف أصلاً، ويخضع لاحتلال إيراني لا تخطئه عين؟ ماذا يمكن أن ينجز البرلمان أو ما يسمى بمجلس النواب اللبناني في بلد تحكمه ميليشيا مدعومة إيرانياً بقوة السلاح والبلطجة منذ عقود، ولا حول ولا قوة أصلاً للسياسة والسياسيين في بلد الأرز؟ هل تستطيع الشيشة أن تواجه صواريخ وبلطجية حزب الله الذي حوّل لبنان بالتواطؤ مع حليفه السوري إلى ثكنة عسكرية ومخابراتية لصالح إسرائيل بعد أن كان منارة ثقافية وفنية وسياسية عز نظيره في المنطقة العربية؟ ألم يغسل السعوديون أيديهم قبل فترة من لبنان وحاصروه وأعطوا الانطباع بأن وضعه أصبح ميؤوساً منه، ثم عاد السفير السعودي إلى بيروت قبيل إجراء الانتخابات، وكأنها ستؤسس لدولة ونظام جديد؟ ألم تذهب المليارات العربية التي ضخوها في لبنان على مدى عقود هباء منثوراً؟ ألم تنهر الأحزاب التي دعمها الخليجيون، بينما تصاعدت قوة الميليشيا التي تدعمها إيران لتصبح الآمر الناهي في البلاد؟ «أليس الذي يجرب المجرب يكون عقله مخرب»، كما يقول المثل الشعبي؟ وهذا السؤال موجه للبنانيين الذين مازالوا يصدقون كذبة الانتخابات وإلى داعميهم في الخارج؟ ما فائدة أن تفوز في الانتخابات في لبنان أو أي بلد عربي آخر إذا لم تكن تمتلك بندقية؟ متى كانت صناديق الاقتراع فاصلة وحاسمة في أي بلد عربي في ظل وجود أنظمة الأمن والعسكر، فما بالك في بلد كلبنان تقوده ميليشيات طائفية تحتمي بسلاحها وتبتز الدولة والسياسيين به كحزب الله وغيره؟
لنفترض أن غالبية لا بأس بها من اللبنانيين قالت كلمتها ضد إيران وميليشياتها كحزب الله وحركة أمل وشبيحة النظام السوري، وطردت رموز تلك الأنظمة من البرلمان اللبناني، وقالت لا لاختطاف لبنان واحتلاله؟ ثم ماذا بعد ذلك؟ هل تقبل الميليشيا الحاكمة بالوضع الجديد أو حتى بالهزيمة الانتخابية؟ هل تؤمن هذه العصابات الميليشياوية وداعموها أصلاً بصناديق الاقتراع وتشريعات مجلس النواب؟ ألا يتذكر اللبنانيون ماذا فعلت في أحداث سبعة أيار، وكيف ظلت تمارس الابتزاز والتشبيح العسكري والسياسي والاغتيالات لكل من كان يعارضها؟ ألا تتذكرون ما حصل للزعيم الوطني رفيق الحريري عندما فكر بانتشال لبنان من «الجورة» الإيرانية والسورية؟ والمضحك في الأمر أن بيادق طهران ودمشق كانوا دائماً يتهمون معارضيهم في لبنان بأنهم عملاء للعدو الصهيوني، بينما أن تلك الميليشيات قدمت خدمات تاريخية لعدوها الصهيوني لا يستطيع هو نفسه تحقيقها في لبنان؟ ماذا تريد إسرائيل في لبنان أكثر مما فعلت به إيران وميليشياتها؟ لقد كان لبنان البلد العربي الأول الذي نافس إسرائيل حضارياً وسياحياً وثقافياً، وما أن دخلته إيران وسلطت عليه ميليشياتها حتى أصبحت بيروت عاصمة النور العربية أكبر مزبلة في الشرق الأوسط تماماً كما أصبحت العاصمة العراقية بغداد بشهادة الأمم المتحدة أوسخ عاصمة في العالم بعد أن انتشرت في أصقاعها المزابل وأكوام القمامة من كل الأحجام؟
في الوقت الذي فرحنا فيه بسقوط شبيحة وعملاء إيران والنظام السوري في الانتخابات الأخيرة وفوز رموز وطنية لبنانية، فلا بد أن نقول في الختام: إن الانتخابات اللبنانية قادرة على معالجة كوارث لبنان كقدرة «التبولة» على معالجة الأمراض المستعصية، طالما أن هناك فريقاً يتحكم بلبنان بالإرهاب والسلاح، بينما الطرف الاخر يواجهه بالشيشة والرقص والأغاني.
كاتب واعلامي سوري
[email protected]
أنا أعتبر الطائفية يا دكتور مرض مزمن !
ومن الصعب علاجه !! ولا حول ولا قوة الا بالله
هل الطائفية والفساد وجهين لعملة واحدة ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
ما يجنيه لبنان والعرب هو تزمت وتخلف شعوبها وهو إعادة سيناريو ماسميت بثورات أمريكا اللاتينية واتضحت أنها ليست سوى حروب أهلية نتجت عن تمرد مدني أو عسكري انقلابي. وتفكير شعوبهم بقلوبهم جعل مصطلح الثورة مقدس عند العرب بتأثرهم بشيكفارا وكاسترو وبتمجيد المصطلح بشعارات لا تستحقها. والحديث عن الثورة عندهم هو دليل تخلفهم لأنه لا يثور إلا البدائي من خلال حكمة الله وسنة الحياة أنه ا نفعال نفسي بدونه ما خلق الفكر أو تطور. وأول ماثار الإنسان على الطبيعة التي قهرته بالبرد ففكر في اللباس والجوع ففكر في الصيد…فهي مجرد آلة نتاج وتطور الفكر وأن الحضاري لا يخضع للطبيعة أو لغيره لإنتاج أفكاره.
الثورة جهل إذ ما تنتجه من أفكار في البداية يتحكم فيها القلب. فالإنسان البدائي كان لا يفكر إلا بقلبه يتأثر في داخله فيقاوم به أو ينتج ردة فعله.
وربط الثورة بالجهل إذ صارت مصطلح خدعة شبيه بخدع المشعود مع الجاهل. فتضخيم معنى المصطلح وتمجيده بشعارات حنينية زائفة جعل من الثوري ضحية و طعما سهلا في توجيهه لتخريب وطنه
هل قامت شعوب السويد والنرويج والدانمارك ثوراث خربت بها أوطاننا فانتجت أرقى الديمقراطيات في العالم. أم أن شعوبها تفكر بعقولها.
*للأسف المشهد (اللبناني) ما زال أسود
من قرن الخروب ..؟؟؟
ومع ذلك كل التوفيق لشعب لبنان بغد
مزدهر إن شاء الله.
الشعر (باللون) الخرنوبي أي المائل قليلًا للبني، يقال ذلك عندنا للتعبير عن جمال الشعر وعادة لشعر المرأة!
هذا ما ارادته القوى العالمية .فان هي لم تكن لديها مصلحة في دوام الحال في لبنان لما استمر الحال على ما عليه .مختصر القول ليس من مصلحة إسرائيل مجاورة بلد ديمقراطي.
تحياتي لك دكتور فيصل
نعم مشكلة لبنان هي الطائفية والمرض المزمن، والفساد، ولكن بعد الانتخابات الأخيرة، فلنتفائل بأن لبنان سيستعيد ديمقراطيته،
لماذا الإستهزاء بالإنتخابات اللبنانية؟ هل تستطيعون في سوريا أن تعملوا مثلها وبنفس درجة النزاهة على علاتها
لبنان والعراق حتم عليهما واقعهما المحاصصة فإن اتفقوا خير لهما. والإصلاح لن يتجسد إلا في محاربة الفساد. ولن يحدث الإصلاح إلا من فوق أما الشعوب فهي تخرب وأحسن نمودج للإصلاح ما يقوم به قيس سعيد (الفكر والقانون الدستوري والقوة والسلطة)العناصر اللازمة لتحقيق الإصلاح في مجال القضاء مثلا لا يمكن أن يحدث دون حل المجلس الأعلى للقضاء الذي عشعش فيها الفساد. وبسلطته يتزاوج حرامي استخدام تأويل الدستور ويحقق الهذف بضخ دماء جديدة صافية وبعد ذلك العودة إلى الدستور والثورة الحقيقية هي لقيس وقارن بينه وتبون يصدر إصلاحاته للخارج كلها شعارات.. وهل كان الشعب السعودي بإمكانه أن يحقق كل الإصلاحات التي أنجزها ولي العهد أو إعادة المال العام.
نفس القوى الظالمة ، هي نفسها المرشحة للانتخاب ، و نفسها المنتخبة و الفائزة بالانتخابات!!
لبنان يدور في حلقة مفرغة.
نصر الله لبنان على اعدائه من الخارج و الداخل.