تونس – “القدس العربي”: تسبّب الشلل شبه التام للحياة في تونس بسبب فيروس كورونا، أي الحظر الصحي المفروض نهارا وحظر التجوال المفروض مساء و ليلا، في تضرر أغلب القطاعات في البلاد، ومنها القطاع الرياضي.
فقد اتخذت الحكومة التونسية قرارها بأن تدار المباريات في مختلف الرياضات من دون حضور الجمهور، خاصة بعد أن تسببت الرياضة في مزيد استفحال فيروس كورونا في البلاد بعد مباراة الترجي التونسي والزمالك المصري في القاهرة في إطار ربع نهائي دوري أبطال إفريقيا.
وبذلك فإن الأندية التونسية ستعاني خلال الشهور المقبلة من صعوبات مالية جمة، باعتبار أن المداخيل المتأتية من تذاكر الجماهير التي يتم اقتطاعها لمشاهدة المباريات تعتبر من أهم مصادر دخل الأندية الرياضية في تونس. ومن مصادر الدخل أيضا ما تدفعه القنوات التلفزيونية ثمنا لبثها مباريات هذه الاندية، وأيضا مداخيل الإعلانات للشركات والماركات التجارية وأيضا هبات الدولة والجماعات المحلية، ممثلة بوزارة الشباب والرياضة والولاية والبلدية التي يقع بدائرتها مقر النادي.
كما تنفق الاندية الرياضية التونسية من أموال رؤسائها الذين عادة ما ينتمون إلى أثرياء القوم، وأيضا من هبات الأحباء الميسورين والإشتراكات التي تباع بداية في كل موسم رياضي، ومن مداخيل تكوين اللاعبين الشبان وبيعهم إلى أندية محلية وخارجية، سواء أكانت عربية أو أوروبية أو حتى أمريكية، خاصة بعد احتراف لاعب الملعب التونسي جاسر الخميري في الدوري الأمريكي، والحديث عن اهتمام الأندية الأمريكية باللاعبين التونسيين. أو كذلك من مداخيل شراء لاعبين أفارقة أو عرب أو حتى أمريكيين لاتينيين وإعادة بيعهم إلى أندية أوروبية وخليجية بثمن مرتفع بعد صقل مواهبهم وبروزهم مع أنديتهم التونسية.
كما أن للأندية الكبرى، التي تلعب الأدوار الأولى في البطولة (الدوري) والكأس المحليين مداخيل إضافية من المشاركات الخارجية القارية والإقليمية وحتى العالمية في حال الفوز بدوري أبطال إفريقيا. وهي مسابقات هامة تدر على هذه الأندية أموالا هامة، خاصة عند الوصول إلى الأدوار المتقدمة والفوز بالألقاب.
فالترجي الرياضي التونسي، على سبيل المثال، غنم مبالغ هامة في الموسمين الأخيرين بعد الفوز بالبطولة العربية ثم بدوري أبطال إفريقيا في مناسبتين متتاليتين تلتهما مشاركتان في بطولة العالم للأندية. والنجم الرياضي الساحلي غنم مبلغا ماليا هاما من خلال الفوز بالبطولة العربية في نسختها الأخيرة بعد أن تم الترفيع في مجموع جوائزها بشكل لافت، حتى أن الترجي أراد إعطاء الأولوية هذا الموسم للمسابقة العربية على حساب الإفريقية، خاصة بعدما تغير جل الفريق الذي فاز الموسم الماضي بدوري أبطال إفريقيا، لكنه خسر الرهانين معا بسبب الإرهاق وماراثون المباريات في المواسم الأخيرة.
وتجدر الإشارة إلى أن الإطار القانوني للأندية الرياضية في تونس ومنذ بدايات القرن العشرين، هو إطار الجمعيات التي يمنع عليها أن تكون لها ممتلكات وأن يهدف نشاطها إلى غايات تجارية ربحية، وذلك خلافا للشركات التجارية التي بإمكانها المضاربة وجني الأرباح. لذلك دعت أطراف عدة في تونس إلى تغيير الصبغة القانونية للأندية الرياضية لتصبح شركات لها ممتلكات ومداخيل ولا تنتظر الهبات سواء من الدولة أو من رؤساء هذه الأندية، الذين وبفضل ما ينفقونه على أنديتهم، يصبحون هم أصحاب القرار الأوحد ويهددون في كل مرة بالإنسحاب إذا تم انتقادهم.
ولعل الإنهيار المالي الذي عاشه النادي الإفريقي بعد مغادرة رئيسه الأسبق سليم الرياحي لدفة التسيير، أفضل مثال، حيث اضطرت جماهيره إلى فتح حملة تبرعات لخلاص الديون لدى الفيفا والمتعلقة باللاعبين الأجانب الذين لم ينالوا مستحقاتهم، وذلك خوفا من حل النادي أو إنزاله إلى الدرجات السفلى، وهو خير دليل على سطوة رؤساء الأندية على أنديتهم بفضل الأموال التي ينفقونها والتي بمجرد سحبها والرحيل بسبب الخلافات، قد ينهار النادي ماليا ويعاني أزمات كالتي عاشها النادي الإفريقي. كما أن كارثة كورونا التي تسببت في حرمان الأندية من أهم مداخيلها، أي العائدات المالية المتأتية من الحضور الجماهيري في المباريات، يفتح الباب على مصراعيه لعودة الجدل بشأن الإصلاح في القطاع الرياضي في تونس والذي يجب أن يشمل الإطار القانوني للأندية الرياضية لتتحول من جمعيات إلى شركات تجارية تمتلك العقارات والمنقولات والأسهم والرقاع وتضارب في البورصات.
ولعل ما سيزيد الطين بلة هو الحديث عن إمكانية إيقاف النشاط الرياضي تماما خلال الايام المقبلة نتيجة لاستفحال الفيروس، وهو ما يعني ضمنيا حرمان الأندية التونسية من مداخيل الإشهار (الإعلانات) و مداخيل بث المباريات تليفزيونيا. وبالتالي ستعجز كثير من هذه الأندية على خلاص مستحقات لاعبيها والتزاماتها الأخرى من ديون متخلدة سابقة ومصاريف صيانة لتجهيزاتها وغيرها، خاصة والموسم الرياضي ما زال في ذروته ومداخيل كبيرة كانت بانتظار هذه الأندية وقد حرمت منها الآن بسبب الكورونا وما فرضته من أمر واقع على الرياضة التونسية عموما وليس فقط على كرة القدم.
و حتى الدعم المالي الذي أعلن الاتحاد التونسي لكرة القدم عن عزمه تقديمه للأندية لتجاوز مخلفات أزمة كورونا، لا يبدو أنه كاف، خاصة وأن الأندية التونسية ما زالت تعاني من مخلفات ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011 والتي جعلت المباريات تدور بدون حضور الجمهور في البداية، ثم تم السماح فقط لجماهير النادي الذي يلعب على ميدانه من الحضور لكن بأعداد محدودة. و لعله كان من الأجدى أن تصرف أموال الاتحاد على تكوين الشبان والعناية بالملاعب التي تضررت كثيرا بعد الثورة، لكن فيروس كورونا كان له رأي آخر.