الانسان ونقيضه

حجم الخط
0

هذه حقيقة صادمة مفزعة ومروعة، الانسان في سبيله الى الانقراض، وخلفه نقيضه ليس من وجه شبه به الا شكله، وحتى هذا الشكل ربما مع مرور الزمن سيتغير الى شكل مرعب اخر يعبر عن جوهره تماما.
نعم لا يحتاج المرء لاثبات ذلك الا لوقفة تأمل نافذة كما فعل اسلافه يوم كان يعيش الانسان في المغارات والكهوف، لا يستر جسمه شيء الا ورق التوت، يوم كان الغراب يمتلك وعيا افضل منه، حيث منه تعلم كيف يواري جثه اخيه، الذي قتله طمعا وجشعا وظلما، في التراب.
نعم وقفة التأمل هذه هي التي شكلت انعطافة حادة وكبيرة في تاريخ البشرية العلمي والمعرفي، العقلي والمنطقي، ونقلتها من مستوى بائس الى اخر افضل منه بكثير وكثير جدا، بل هي السبيل الذي صنع حضارة الانسان وتفتح وعيه وادراكه للكون وكائناته وكل ما حوله، وقفزت به الى المراتب العليا والارفع تطورا ومكانة على هذا الكوكب الارضي، نعم هذا هو ما فعله جميع الرسل والانبياء، حيث كان محمد عليه افضل الصلاة والسلام يتعبد ويتأمل في خلق السموات والارض، وفي الكون وكائناته وفي نفسه، وكان نتيجة ذلك تلك الانعطافة الكبيرة في تاريخ البشرية، حيث انتقلت من الظلمات الى النور ومن الجور وعصور استعباد الانسان وامتهان كرامته وادميته الى حيث الحرية والكرامة والعدل والمساواة بين كل عباد الله، حيث لا فرق مطلقا بين غني وفقير، وقوي وضعيف، وعرق واخر او جنس وغيره، وهو ما فعله ايضا جميع العلماء الافذاذ، مثل نيوتن ونيتشه وغيرهم الكثير، وكذلك هم الادباء والشعراء العظام والمصلحون الكبار، ويبدو ان البشرية ضلت طريقها القويم من جديد وابتعدت كثيرا جدا عن تلك القيم النبيلة والمبادئ الانسانية الكريمة.
جفت المشاعر وقست القلوب وتحجرت الضمائر وما عاد الانسان يلتفت الى معاناة اخيه الانسان، بل بذل كل قدراته وامكاناته ووظف كل ما يمتلكه من قوة ومعرفة لقهر اخيه الانسان والاجهاز عليه وسلب جميع حقوقه وحرياته واملاكه وخنق انفاسه الى حد القضاء عليه تماما، من دون الشعور بأي ندم او ألم، بل الاسراع الى تكرار هذه الجرائم المروعة بحق اناس اخرين وشعوب اخرى، مع ما يواكب ذلك من تمثيل بجثث القتلى من نساء واطفال بعمر الورود، وما يقترف من جرائم وحشية مروعة من اغتصاب للاعراض وانتهاك لكل الحرمات، فهل هذه من صفات الانسان؟ وكيف نصف مجتمعا ترتكب فيه مثل هذه البشاعات الشنيعة، الا يكون من الطبيعي جدا ان تستشري مثل هذه الجرائم الوحشية في المجتمع الدولي وتنتقل عدواها الى كل بقاع الارض؟ ليأتي علينا اليوم الذي لا نجد فيه حتى من يستهجن هذه المنكرات لتصبح شيئا طبيعيا ويعود الانسان ليغوض في شريعة الغاب كما كان، وحتما سيكون ذلك ابشع مما كان سابقا لما بات يمتلكه من اسلحة ومعدات حديثة فتاكة. مجتمع يسمح فيه بزواج المثليين وانتشار الفساد فيه الى ابعد الحدود وتفسخ الروابط بين افراد العائلة الواحدة، بل انعدام وجود العائلة اصلا والظلم الذي عم العالم كله، في مجتمع دولي كهذا ماذا ننتظر غير غياب كامل لكل ما يسمو بالانسان ويرفع من مكانته.
عبد حامد
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية