الانعكاسات المباشرة للمواجهات الإقليمية والدولية على سوريا

حجم الخط
1

إن سوريا كدولة بحدود جغرافية محددة، كما نشهدها اليوم، وتتمتع بالسيادة والاعتراف الدولي لم تظهر إلى الوجود إلا بعد سقوط السلطنة العثمانية التي كانت تحت سيطرتها وجزءا منها، وقرار مجلس عصبة الأمم الصادر في 24 تموز/يوليو 1922. ولم تتمتع بالاستقلال التام وجلاء آخر جندي فرنسي من أراضيها إلا في 17 نيسان/أبريل 1946.

تهديد وجود الدولة

اليوم وبعد 75 سنة من استقلالها لم تكن يوما مهددة بوجودها كما هي الآن. والسبب الأساسي في الوصول إلى هذا الوضع الحالي يعود بداية إلى انقلاب حزب البعث، واستيلائه على السلطة في العام 1963، ثم انقلاب حافظ الأسد في العام 1970. واستمرارية القبض على السلطة نصف قرن ونيف تم إدخال سوريا خلالها في مغامرات سياسية وعسكرية وتحالفات إقليمية لم تكن بالضرورة في صالح سوريا دولة وشعبا (هزيمة حرب حزيران-يونيو وخسارة الجولان، التدخل في الشؤون اللبنانية خلال ثلاثة عقود، وإرغام النظام السوري بالانسحاب منه بقرار أممي، التحالف مع إيران ولاية الفقيه ثم معاداة العراق والوقوف إلى جانب إيران في الحرب العراقية ـ الإيرانية، ثم الوقوف مع أمريكا ضد العراق في حرب عاصفة الصحراء، محاولة شق الصف الفلسطيني واستخدام الورقة الفلسطينية للمساومة الدولية، معاداة تركيا عبر استضافة حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان ثم الاضطرار إلى تسليمه وطرد الحزب من أراضي سورية بعد التهديد التركي.
أما على المستوى الداخلي فقد تم تحويل سوريا التي بدأت استقلالها بترسيخ قيم الديمقراطية، إلى دولة أمنية تسيطر عليها أجهزة المخابرات للتصدي لأي حركة معارضة وارتكاب مجازر مروعة في أكثر من مدينة كان أكبرها في مدينة حماة 1982. ثم تحويل السلطة إلى حكم وراثي في عائلة الأسد).

تفاقم الوضع بعد الثورة

مع انطلاقة الثورة السورية في العام 2011 عمل النظام على مواجهة الشعب باستخدام قوته العسكرية والأمنية، لكن المعارضة المسلحة استطاعت السيطرة على مساحات واسعة من سوريا وصار النظام قاب قوسين أو أدنى من السقوط. فاستنجد أولا بحليفه الإيراني الذي وجدها فرصة لإنشاء نقاط تمركز وقواعد عسكرية يواجه فيها فصائل المعارضة من جهة، وترفد في الوقت نفسه حزب الله بالمعدات العسكرية والأسلحة في مواجهة إسرائيل في حال نشبت أي عملية استهداف لمنشآتها النووية من جهة آخرى، وهذا ما يفسر الضربات الإسرائيلية الجوية والصاروخية المتكررة للمواقع الإيرانية في سوريا. لكن الميليشيات المرتزقة التي جلبتها إيران، والحرس الثوري لم تتمكن من هزيمة المعارضة المسلحة، ولم يعد أمام النظام سوى الاستنجاد بحليفة الثاني الروسي الذي بدوره وجدها فرصة لبناء قواعده العسكرية البرية والبحرية في طرطوس وحميميم وبقاع أخرى متفرقة يضرب من خلالها قوات المعارضة والتي نجح في استعادة مساحات كبيرة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها من ناحية، ومواجهة قوات حلف الناتو في البحر المتوسط في حال نشوب أي نزاع بينهما، خاصة وأن الولايات المتحدة بدورها بنت قواعد لها في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية الكردية التي تسيطر اليوم على ربع مساحة سوريا، وهي أيضا تستخدم هذه القواعد لدعم القوات الكردية من ناحية لمواجهة الميليشيات التابعة لإيران في العراق ومساندة إسرائيل في حال نشوب أي نزاع من ناحية أخرى.

سوريا في عين العاصفة

يشهد العالم حاليا أزمتين حادتين، الأولى تتمثل بمواجهة الغرب وإسرائيل للمشروع النووي الإيراني والذي تعمل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على إرغام إيران للعودة للاتفاق النووي، للحد من طموحات طهران بامتلاك السلاح النووي، والذي كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب انسحبت منه، لكن إسرائيل التي تشكك بمصداقية إيران تدفع واشنطن لتوجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية، هذه التهديدات دفعت إيران لأن ترفع من جاهزيتها العسكرية بإجراء مناورات عسكرية كبيرة تحاكي التصدي لهجوم محتمل وتتوعد برد صاعق على أي اعتداء إذ هدد القائد العام للحرس الثوري حسين سلامي إسرائيل بقوله: “مناورة الرسول الأعظم رد جاد وحقيقي وميداني على تهديدات مسؤولين إسرائيليين وتحذيرهم من ارتكاب أي خطأ.. وإذا بدر أدنى خطأ من مسؤولي الكيان الصهيوني فسنقطع أيديهم” وأضاف أن المسألة تتطلب: “تغييرزوايا الصواريخ فقط”.
وفي حال نشوب أي مواجهة بين الطرفين ستكون سوريا مسرحا لعمليات عسكرية كبيرة إذ ستعمل إيران على استخدام كل قواعدها في سوريا وكذلك حزب الله لأنها أقرب إلى إسرائيل رغم أن إيران وحسب تصريحات قادتها تمتلك صواريخ يصل مداها إلى 2000كلم، ولا أحد يعلم ما هي طبيعة وحجم القوات والأسلحة الإيرانية المتواجدة على الأرض السورية، ولا شك أن القواعد الأمريكية سيكون لها دور في هذه المواجهة، ولن تسمح للقوات الإيرانية بتوجيه ضربات لإسرائيل.

التوتر بين روسيا والناتو

تشهد الساحة الدولية توترا كبيرا بين روسيا والحلف الأطلسي تعود لتوسع الحلف ليشمل دول الاتحاد السوفييتي سابقا، ونية أوكرانيا لتكون عضوا في الحلف أيضا ما اعتبرته موسكو تهديدا لأمنها القومي أن تكون صواريخ الحلف على حدود روسيا.
وكانت الأزمة قد بدأت بعد احتلال موسكو لجزيرة القرم التي كانت تابعة لأوكرانيا. وقد حذر نائب وزير الدفاع الروسي، ألكسندر فومين، من خطر نشوب صراع مسلح في ظل التوترات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) بقوله: “الحلف تبنى في الآونة الأخيرة ممارسة استفزازات مباشرة مثلت خطراً كبيراً ينذر بتوسع نطاق الأمر ليتحول إلى صراع مسلح” وأشار إلى مطالب روسيا للناتو الخاصة بالضمانات الأمنية ووضع حد لتوسع الحلف شرقاً، وحذر مجدداً من احتمال انضمام أوكرانيا للناتو.
هذا التوتر إذا تحول إلى نزاع مسلح ستكون سوريا أحد مسارحه بحكم امتلاك روسيا لأكبر قواعد عسكرية وبحرية لها خارج حدودها وهي جاهزة للاستخدام، وستكون هدفا لحلف الناتو إذا ما تم استخدامها.
كل هذه المخاطر على سوريا، بالإضافة للمخاطر الداخلية من الصراع الدائم بين النظام والمعارضة، والمشروع الكردي بالانفصال أو الاستقلال الذاتي على أقل تقدير، والأزمة الاقتصادية الخانقة، والأزمة الاجتماعية، والتدمير الكبير للمدن السورية وبنيتها التحتية يضع سوريا في عين العاصفة، ويهددها بوجودها.
وهذا الوضع الخطير على سلامة الدولة هو نتيجة حتمية للسياسات الخاطئة المتراكمة على جميع الأصعدة للنظام الأسدي منذ أكثر من نصف قرن.

كاتب سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكرًا أخي رياض معسعس. المشكلة أن معظمهم أي القوى الخارجية ومعهم النظام بمن فيهم إسرائيل طبعًا، مستفيدين هذا الوضع المأساوي في سوريا. إلا الشعب السوري أو على حساب السعب السوري، كما كان حال لبنان خلال الحرب الأهلية ومابعدها.

إشترك في قائمتنا البريدية