لا نبالغ إذا قلنا إن السنوات الثلاثين الماضية شهدت من التقدم والتطور الإنساني ما لم تشهده قرون من قبل، فقد قطعت البشرية خلال عقود قليلة أشواطاً لم يشهدها التاريخ الإنساني بأكمله، وخاصة على صعيد الإعلام والتواصل البشري. لن نخوض طبعاً في الفتوحات التكنولوجية العظيمة التي كانت بالنسبة للبشر قبل عقود قصيرة مجرد أضغاث أحلام لصعوبتها واستحالتها، لكنها أصبحت اليوم واقعاً نعيشه يومياً على صعيد التواصل من أقصى المعمورة إلى أقصاها. ولا يمكن لهذه الفتوحات إلا أن تخلق معها واقعاً إعلامياً جديداً لم يكن أيضاً يخطر على بال أحد.
من المعلوم طبعاً أن وظيفة الإعلام كانت في الشرق والغرب، منذ أن بدأ الإعلام، كانت في أيدي الحكومات والشركات، ولا يمكن بالطبع لأي فرد أن يتجشم عناء هذه المهمة المكلفة جداً إلا إذا كان من أصحاب المليارات كبعض تايكونات الإعلام المعروفين كروبرت ميردوك وغيره. وهم بالطبع قلة قليلة جداً. لكن اليوم ومع ظهور تكنولوجيا التواصل الجديدة التي جعلت من العالم فعلاً قرية صغيرة حسب توصيف عالم الاجتماع الكندي مارشال ماكلوهان، فقد بدأت وسائل الإعلام التقليدية القديمة تنهار شيئاً فشيئاً، لأن قوى إعلامية فردية جديدة مجانية بدأت تظهر على الساحة وتنافس مؤسسات إعلامية عملاقة تكلف ملايين وأحياناً مليارات الدولارات.
وكي لا نبدو وكأننا نتحدث في العموميات، تعالوا الآن ننظر إلى نجوم السوشال ميديا الذين باتوا ينافسون فعلاً المؤسسات الإعلامية نفسها، خاصة وأن الجيل الصاعد أصبح يعتمد اعتماداً شبه كامل على الموبايلات وليس على وسائل الإعلام التقليدية كالتلفزيون والصحافة والراديو. كم هي نسبة الوقت الذي يقضيه جيل الشباب في مشاهدة التلفزيون أو الاستماع للراديو أو قراءة الصحف، فإذا أراد أن يتابع الأخبار يلجأ إلى تويتر وفيسبوك وبقية مواقع التواصل التي باتت أسرع وأقوى من التلفزيونات والإذاعات لأن مراسليها هم كل المشتركين في تلك المواقع وعددهم بالمليارات. لقد صار ما يسمى بالـ “المواطن الصحافي” أقوى من الصحافي الموظف لأنه لا يحتاج إلى إذن للنشر ولا يحتاج إلى رئيس تحرير. ولا ننكر هنا أن ملايين البشر باتوا يحصلون على الأخبار من مواقع التواصل والحسابات الشخصية أكثر من وكالات الأنباء والفضائيات والإذاعات والصحف. وحتى في مجال الترفيه بات ملايين الشباب يسمع موسيقاه المفضلة لا عبر الراديو، ولا التلفزيون بل من خلال المواقع المتاحة عبر الموبايل.
وعندما نأتي إلى البرامج التلفزيونية التي كانت تستهوي الملايين على شاشات الفضائيات بكل أنواعها، فلم يعد الشباب يتابعونها على التلفزيونات مباشرة، بل عبر مواقع الفضائيات على مواقع التواصل، ولو قارنت عدد المشاهدين للبرامج على الشاشة مع عددهم على الموبايل لوجدت أن الفارق بين المتنافسين يضيق يوماً بعد يوم لصالح الموبايل. وهذا سيدفع المؤسسات التلفزيونية لاحقاً إلى التفكير بإعادة النظر في عملية الإنتاج التلفزيوني. هل تنشئ استوديوهات بملايين الدولارات، أم تقدم برامجها بطريقة أرخص عبر استوديوهات عملية بسيطة طالما أن المشاهدين باتوا يتابعون معظم البرامج عبر الموبايلات وليس عبد الشاشات الكبيرة؟ هل سنرى ذات يوم أن المراكز الإعلامية العملاقة للفضائيات ستصغر يوماً بعد يوم طالما أن كل شيء أصبح “أونلاين”؟ لا شك أن التكلفة ستقل في قادم الأيام عندما يتحول العمل التلفزيوني إلى المنازل.
نجوم السوشال ميديا الذين باتوا ينافسون فعلاً المؤسسات الإعلامية نفسها، خاصة وأن الجيل الصاعد أصبح يعتمد اعتماداً شبه كامل على الموبايلات وليس على وسائل الإعلام التقليدية كالتلفزيون والصحافة والراديو
ولا شك أن الموبايل لم يعد المنافس الوحيد للفضائيات والإذاعات والصحف، بل إن مواقع التواصل التي حولت كل البشر إلى ناشرين باتت تشكل أكبر خطر على المؤسسات الإعلامية التقليدية، وبات الأفراد في بعض الأحيان أقوى من محطات إعلامية كاملة حسب نسبة المشاهدات. كيف؟ لو قارنت اليوم القناة التابعة لهذا الناشط الإعلامي أو ذاك على يوتيوب مثلاً مع بعض الفضائيات الصغرى والكبرى، لوجدت أن بعض اليوتيوبرز مثلاً لديه متابعون أكثر بكثير من متابعي الفضائيات الكبرى على يوتيوب وبقية المنصات الرقمية. وستتفاجأ كثيراً عندما ترى أن يوتيوبر شاباً لديه عشرات الملايين من المتابعين بينما لا تملك بعض الفضائيات بضعة ملايين من المتابعين، ويظهر ذلك جلياً في البث المباشر، فبعض الفضائيات لا يتابعها على المنصات الرقمية أحياناً سوى بضعة مئات وأحياناً بضعة آلاف إذا كانت قوية، بينما تجد في اللحظة ذاتها أن أكثر من خمسين ألفاً وأحياناً أكثر من مائة ألف يتابعون يوتيوبر معيناً يقدم برنامجاً سياسياً أو فنياً أو ثقافياً على منصاته الرقمية الخاصة. ولا شك أنك ستتفاجأ أيضاً عندما ترى أن بعض الفضائيات لا تحصل على خمسمائة متابع على البث المباشر في حساباتها على مواقع التواصل، بينما تجد ناشطاً ما يجتذب في بثه المباشر على يوتيوب أو فيسبوك أضعافا مضاعفة من المشاهدين. ولا ننسى أن بعض المغردين والناشطين على مواقع التواصل لديهم متابعون وتأثير أكثر من وسائل إعلام كبيرة أحياناً.
لا شك أن الكثيرين مازالوا يتابعون التلفزيون داخل بيوتهم وأن الناس باتوا يملؤون كل غرف المنزل بالشاشات، لكن مع ذلك فإن الغلبة شيئاً فشيئاً أصبحت لصالح الموبايل، ومن المضحك أن ترى الناس تفتح التلفزيون في البيت، لكن كل أفراد العائلة يتابعون موبايلاتهم، بحيث يصبح التلفزيون للزينة أكثر منه للفرجة.
حتى نجوم التلفزيون باتوا يجدون صعوبة في التنافس مع النشطاء الإعلاميين الذين لا ينتمون إلى أي مؤسسة إعلامية سوى حساباتهم وقنواتهم على مواقع التواصل. وهناك اليوم مئات النجوم الذين يتابعهم عشرات الملايين وهم يبثون من داخل بيوتهم وأحياناً من داخل سياراتهم. ولا شك أنك ستجد نجوماً في السوشال ميديا أقوى وأشهر بكثير من مئات المذيعين على الشاشات الرسمية والخاصة. وهي حقيقة مرة أصبحت تدركها وسائل الإعلام القديمة، لهذا تراها اليوم تتسابق لإثبات وجودها على المنصات الرقمية كي تحظى بجزء من كعكة المشاهدة التي بات يستأثر بها النجوم الشباب الذين يعملون لصالحهم الخاص بعيداً عن المؤسسات الإعلامية الصغرى والكبرى معاً.
٭ كاتب واعلامي سوري
لا شك أن التكلفة ستقل في قادم الأيام عندما يتحول العمل التلفزيوني إلى المنازل. ” إهـ
ألم يحصل هذا بأزمة كورونا يا دكتور ؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
شخصياً أصبحت فقط اتفرج على التلفزيون الذكي لا تابع عبره ما يبث عبر المنصات اما بشكل مباشر من اليوتيوب او عبر بث محتوى من الموبايل ليعرض على التلفزيون بتقنية الكرومكاست او الميراكاست
و متابعة القنوات الرياضية المشفرة من خلال أجهزة الاستقبال .
خلاف ذلك فإن المتابعة للقنوات التلفزيونية باتت شديدة الندرة الا عند وجود حدث عاجل يتطلب المتابعة و حتى هذه تنم احيانا عبر الموبايل حين يكون التواجد خارج البيت عادة .
انقلاب جذري بالفعل .
مهما بلغت شهرة اعلاميي اليوتيوب و غيره من مواقع التواصل الاجتماعي، يظل اعلاميو التلفاز الابرز و الاكثر نجومية ، لأن التلفاز هو مصدر المعلومة الموثوق بها اكثر من مواقع التواصل التي تعتمد اسلوب” الترند “عن طريق الاشاعات و المعلومات المضللة !
مثلا لو يجتمع كل اعلاميي السياسة في اليوتيوب لتقديم برنامج الاتجاه المعاكس لن يحلوا محل الاستاذ فيصل القاسم!!
لا حول ولا قوة الا بالله
*بدون شك أصبح (الموبايل) حاليا رقم 1
لمعظم الناس( صغارا وكبار)..
ماذا يخبئ المستقبل من مفاجآت الله أعلم..
صارت هناك هستيريا الموبايل وادمان عليه ،وفي بعض الأحيان نجد من يقصد الطبيب النفسي للعلاج من هذا الهوس.فيه اثم كبير ومنافع للناس
على العكس تماماً دكتور فيصل نحن ناخذ الخبر والكلمة من المؤسسات الاعلامية التي تتميز بالشفافية وليس من حساب شخصي حتى لو كان لديه مليار متابع
خاصةً واننا جميعا مقتنعون ان كثرة المتابعين لحساب او قناة ما ، لا يعكس بالضرورة اهمية محتوى الحساب