لا تكاد تمر أزمة من أزمات العراق إلا وتضج منصات التواصل الاجتماعي بأخبار الانقلاب العسكري الوشيك، الذي سيعيد الأوضاع إلى نصابها الصحيح، بل يتعدى الأمر ذلك في بعض الأحيان إذ يعلن بعض مدعي العلم بما خفي من الأمور عن مجموعة أسماء من ضباط الجيش، باعتبارها الأسماء المرشحة لقيادة الحكومة العسكرية الانتقالية التي ستقود البلد إلى بر الأمان وتنقذه من فساد الطبقة السياسية.
المتابع للشأن العراقي يعلم جيدا أن هذه الإشاعات هي محض مداعبات لشجون المواطن العراقي المسكين، واللعب على أمنياته بالخلاص من الواقع الرث الذي يعيشه، وما أخبار الانقلابات المتكررة سوى لعبة يلعبها بعض الناشطين في منصات التواصل الاجتماعي بقصد مبيت أو حتى بدون قصد.
عند تأمل موضوع احتمالية قيام الانقلاب العسكري في العراق، تتبادر إلى الذهن مجموعة أسئلة، ربما طُرح بعضها كثيرا، مثل: هل يسمح الوضع العراقي الحالي ووضع مؤسساته العسكرية المتشظية بالقيام بانقلاب عسكري؟ وهل ستدعم الولايات المتحدة الأمريكية قيام العسكر بانقلاب على التجربة الديمقراطية العرجاء كما يشاع دائما؟ وهل ستدعم دول الإقليم جنرالا يريد لعب دور الديكتاتور الجديد في العراق؟ وهل سيخسر العراقيون القليل الذي يملكونه الآن جراء مغامرة كهذه، أم سيربحون مستقبلا واعدا في ظل قيام ديكتاتورية عسكرية جديدة؟ وما هو الضمان لعدم فتح شهية بقية الجنرالات على القيام بسلسلة انقلابات بعد الانقلاب الأول؟ لطالما كان تاريخ المؤسسة العسكرية العراقية مليئا بالانقلابات والانقلابات المضادة، إذ يسجل التاريخ الحديث لهذا الجيش القيام بأول انقلاب عسكري في المنطقة العربية عام 1936، أي بعد 15 عاما فقط من تشكل الجيش الجديد، ولم يلبث هذا الانقلاب أن فتح شهية الضباط الطموحين للقيام بمغامرات انقلابية طمعا في لعب دور سياسي أكبر من دورهم المهني في جيش كان المفروض أن يبقى بعيدا عن النزاعات السياسية، ويمكننا أن نعد أكثر من عشرة انقلابات في تاريخ العراق الحديث، منذ انقلابه الاول حتى 2003، بعضها نجح ولعب دورا جوهريا في رسم تاريخ العراق وبعضها الآخر فشل وكانت نتيجته نصب أعواد المشانق لمن شارك في المحاولة الانقلابية من الضباط المغامرين.
بعد التغيرات الأيديولوجية التي وسمت عقد الستينيات من القرن المنصرم، الذي كان العقد الأكثر دموية في تاريخ العراق المعاصر نتيجة عدد الانقلابات المتتالية التي شهدها البلد، حاول البعثيون تغيير مشهد تصارع الضباط بانقلابات متسلسلة رغم أنهم أصلا سيطروا على الحكم لأول مرة بانقلاب عسكري عام 1963، وأطيح بهم بانقلاب عسكري بعد أشهر، ليعيدوا الكرة ويعودوا للحكم مرة ثانية بانقلاب عسكري مزدوج في يوليو/تموز 1968، وبعد مرور أقل من عامين شهد العراق انقلابا فاشلا على حكومة البعث، قام به جنرال مغامر هو عبد الغني الراوي، ما حدا بحكومة البعث إلى رسم الخطط للإمساك بالمؤسسة العسكرية بقبضة حديدية ومنعها من تكرار المحاولات الانقلابية، إذ اقترح بعض قيادي البعث إنشاء ميليشيا حزبية عرفت باسم (الجيش الشعبي) لتكون بمثابة مؤسسة عسكرية موازية للمؤسسة العسكرية الرسمية، ويكون ولاؤها للحزب الحاكم فقط، وتتم السيطرة عليها بشكل صارم عبر هرمية التنظيم الحزبي، ويمكن استخدامها في حال شهد العراق انقلابا جديدا، وهذا ما تم فعلا.
مع تسنم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين رئاسة الجمهورية عام 1979 اشتغل على استراتيجية جديدة تمثلت في الابتعاد عن تأثير الحزب الحاكم، وتم التحول نحو خلق حلقات الولاء القائمة على القبلية والمناطقية والعائلية، وصولا إلى الاعتماد المباشر على أفراد اسرته الصغيرة في الإمساك بالمؤسسات الأمنية والعسكرية، وقد تمثلت الاستراتيجة الجديدة في خلق جيش مواز للجيش الرسمي يقوم على إنشاء نوع من قوات النخبة ذات الانضباط الحديدي الصارم والولاء المطلق لرأس النظام، والتي عرفت بقوات الحرس الجمهوري ونواتها الحرس الخاص ونواته جهاز الامن الخاص، وصولا إلى حلقات الحماية الشخصية للرئيس، وكان آخر مشرف على هذه القوات هو نجل الرئيس قصي صدام حسين، وقد لعبت قوات الحرس الجمهوري دورا كبيرا في قمع الانتفاضة الشعبية عام 1991، وإحباط المحاولات الانقلابية العسكرية التي قام بها بعض ضباط الجيش في عقد التسعينيات.
الإشاعات هي لعب على أمنيات المواطن العراقي المسكين بالخلاص من الواقع الرث الذي يعيشه
عندما أطاح الاجتياح الامريكي نظام صدام حسين، كانت رؤيتهم تتمحور حول إنشاء جيش عراقي جديد احترافي من المتطوعين، مع عدم إعادة آلية التجنيد الإلزامي، ويكون مكونا من عدد صغير من التشكيلات العسكرية عالية التدريب ذات الفعالية الكبيرة، المعتمدة على امتلاك التقنيات القتالية الحديثة، مع التأكيد على إبعاد الجيش الجديد عن التيارات الأيديولوجية والنأي به عن الحياة السياسية وصراعتها، وخضوعه للإدارة المدنية للحكومة المتمثلة برئيس الوزراء، الذي يشغل منصب القائد العام للقوات المسلحة ووزير دفاعه، الذي سيكون مدنيا يدير حقيبة وزارية مهنية تخضع لسياسات الحكومة. لكن نتيجة انعكاس مشكلات العملية السياسية على المؤسسة العسكرية الجديدة، شهدنا فضائح أصابت الجيش الجديد، ربما كان أبرزها حالات الفساد التي عرفت بظاهرة المنتسبين الفضائيين، أي تسجيل أسماء وهمية في التشكيلات العسكرية وسرقة مستحقاتهم المالية والحربية من أسلحة واعتدة، وقد أشارت بعض التقارير إلى وجود اكثر من خمسين ألف منتسب وهمي في الجيش عام 2014، بالاضافة إلى مشكلة دمج مقاتلي الميليشات السابقة التي كانت تعمل تحت مظلة المعارضة العسكرية لنظام صدام، إذ تم منحهم رتبا عسكرية وإدماجهم في المؤسسة العسكرية والأمنية، بدون كبير عناية بتأهيلهم لذلك، ونتيجة السياسات الطائفية والقومية المتحكمة بالمشهد السياسي العراقي، أصبح الجيش الجديد ذا صبغة طائفية شيعية غالبة مع قلة سنية وفراغ كردي.
تشتت المؤسسة العسكرية الحالية باد للعيان ولا يحتاج إلى جهد كبير لتوصيفه، فكردستان العراق ارتأت، وضمن النظام الفيدرالي الاقرب للانفصال الذي تعيشه، أن تحتفظ بجيشين من قوات البيشمركة في منطقتي نفوذ الحزبين الكرديين الكبيرين في السليمانية وأربيل، ورغم أن رئيس أركان الجيش الاتحادي كان وعلى مدى أكثر من عقد ضابطا كرديا هو الفريق الاول بابكر زيباري، إلا أن الكل يعلم أن لا رؤساء الوزارات المتعاقبين منذ 2006 وحتى الان، ولا وزراء دفاعهم ولا رؤساء أركان الجيش الاتحادي قادرون على تحريك جندي واحد من جنود البيشمركة الكرد من مكان إلى آخر، وإن البيشمركة يعتبرون انفسهم جيشا كردستانيا فقط. وبعد نكسة انكسار الجيش العراقي الذي نخر مؤسسته الفساد أمام هجمات عصابات «داعش» في يونيو/حزيران 2014، تم تشكيل قوات الحشد الشعبي التي تشكلت بفتوى من المرجع الشيعي السيد السيستاني من مجموعة فصائل وميليشيات شيعية في الغالب، ومن ثم انضمت لها بعض الفصائل المقاتلة من الحشد العشائري السني بنسبة ضئيلة، ومع تشريع قانون سنه البرلمان العراقي عام 2016 أُدمجت قوات الحشد الشعبي بالمؤسسة العسكرية وأُخضعت قوات الحشد الشعبي للقائد العام للقوات المسلحة، الذي هو رئيس الوزراء، إلا أن الكل يعلم أن لا سيطرة حقيقية لرئيس الوزراء على هذه الفصائل التي تنفذ أوامر قياداتها السياسية ومرجعياتها الدينية فقط، وربما نظر البعض إلى هذا الأمر بمنظار أو مقاربة تذكر بإنشاء الحرس الثوري الايراني في بداية سيطرة الإسلاميين على الثورة الإيرانية إبان الحرب العراقية – الإيرانية، إذ تم تشكيل قوات شبه عسكرية تدين بالولاء للمرشد الأعلى وتعمل على موازنة ثقل مؤسسة الجيش الرسمي التي كان النظام الجديد ينظر لها بعين الشك والريبة وكثيرا ما تم أتهامها بالولاء لنظام الشاه.
إن ادعاء البعض أن جنرالات قوات النخبة مثل جهاز مكافحة الاجرام، الذين كسبوا جماهيرية كبيرة في معارك تحرير المدن من سيطرة الارهاب، قادرون على القيام بانقلاب عسكري يتم فيه اعتقال الطبقة السياسية، ليتم لاحقا تصفيتها أو نفيها بمباركة ودعم من بضعة آلاف من الجنود الامريكيين الموجودين في القواعد الامريكية في العراق، إنما هو محض أحلام، أو أوهام وردية يتم تسويقها للمواطن الذي طفح به الكيل وهو يعيش 15 عاما من الفشل والفساد والنهب الذي لوث جل الطبقة السياسية. وإن من يسوق هذه الفكرة مرة عبر تسمية اسم جنرال محبوب مثل عبد الوهاب الساعدي، ومرة بتسمية اسم جنرال من جنرلات الجيش السابق مثل عبد الواحد آل رباط، انما يسوق وهما للعراقيين بتصوير حال العراق على انه مصر ثانية وان (سيسي العراق) سيظهر ليصلح ما أفسدته العملية السياسية. وبغض النظر عن أكذوبة الإصلاح الذي قام به السيسي في مصر، يجب أن نضع في اعتبارنا أن مصر وجيشها لا تشبه بأي حال الوضع العراقي وما يعيشه من وضع ملتبس.
كاتب عراقي
الإنقلاب العسكري حقيقي! ترامب من يقف وراءه لعزل النفوذ الإيراني عن العراق!! الدليل هو أن الطيران المدني والعسكري الآن بيد الأمريكان!!! ولا حول ولا قوة الا بالله
متفاءل بعبارتك التي جاءت عرضا (((( إذ يسجل التاريخ الحديث لهذا الجيش القيام بأول انقلاب عسكري في المنطقة العربية عام 1936، أي بعد 15 عاما فقط من تشكل الجيش الجديد )))).الان اصبحت المدة منذ 2003…..ايضا 15 عاما.
الطائفية التي تعشعش في الجيش تمنع الضباط من الثقة بآخرين من المذهب الآخر .
أي إنقلاب سيكون هذه المرة حقاً قادم “على قطار أمريكي ” و سيقوم به بترتيب أمريكي ضباط شيعة .
ستكون عواقب أي إنقلاب وخيمة جداً و ستسيل دماء كثيرة.
و أصدق كلمة قالها العراقيين : “طاح حظچ أمريكا!”
لايوجد جيش في العراق فكيف يحدث
انقلاب عسكري.اكبر قائد في الجيش
العراقي الحالي لايمتلك صلاحيات
قيس الخزعلي قائد ميليشيا العصائب
أوهادي العامري/منظمة بدر. ما يقال
ويثار حول الانقلاب المزعوم فقاعات
يطلقها البعض لغايات في انفسهم..
هذا سيحصل لا محالة ولا أخفيك سراً هذه أمنية اصبحت. ألا تعتقد بأن المالكي حكم العراق بعقلية ثأرية مئة بالمئة… الرجل يأخذ ثأراً من العراقيين، ألغى عروبة العراق، عزل البلد تماماً عن محيطها العربي الذي كانت تقوده يوماً ما، أجرمت مليشياته الخاصة بحق قطاع مهول من العراقيين وخلق فتنةً ودماً لا ينتهيان ، نهب البلد تماماً وما بقي منها تنازل عنة طوعاً كتعويضات لإيران المجرمة ولازالت أصابعه ممتدة داخل الهيكل الهش الذي يحكم اليوم. ألا تعتقد بأن إنقلاباً عسكرياً اصبح أكثر ضرورةً من الماء والهواء لتنظيف البلد تماماً من هيچ ظاهرة.