البابا ‘الماركسي’ وأئمة الإسلام

حجم الخط
27

بعد يوم من إعلان مجلة ‘تايم’ الأمريكية ان فرنسيس الأول هو ‘شخصية العام’ قام بابا الفاتيكان بالقاء خطبة بمناسبة يوم السلام العالمي طالب فيها المسيحيين ألا ينقادوا وراء رغبة للربح او تعطش للسلطة وأدان في خطبته كل أنواع الاستغلال كالاسترقاق والدعارة والاتجار بالبشر والفساد وتجارة المخدرات ودعا الى السلام العالمي ونزع السلاح في كل أنحاء العالمِ.
أعلن البابا غضبه من ‘فضيحة’ الجوع في العالم وهاجم الرأسمالية والسعي الشرس وراء الربح ومظاهر البحث عن السعادة في مظاهر الاستهلاك والكسب الفاحش مطالباً الكنيسة برفع صوتها لتوصل للمسؤولين ‘صرخة وجع هذه البشرية المتألمة ووضع حد للأعمال العدائية وكل انتهاكات حقوق الانسان الاساسية’.
ورداً على انتقادات وجهت له من محافظين متشددين أمريكيين وصفوا خطبته الآنفة بأنها ‘ماركسية خالصة’ قال البابا في حديث مع صحيفة ايطالية امس انه لا يبالي اذا وصفه الناس بالماركسي قائلاً انه التقى في حياته الكثير من الماركسيين وهم أشخاص طيبون ولذلك، قال البابا، ‘لا أشعر بأن أحداً أساء إليّ’.
تصريحات شخص يرأس مؤسسة دينية كبرى فاعلة في العالم مثل الكنيسة الكاثوليكية دليل أكيد على حيوية هذه المؤسسة وقدرتها على الاستجابة للتغيرات الحاصلة في العالم، اضافة لتقديمها بوصلة أخلاقية قادرة أن تؤثّر وتساهم في تغيير نظرة البشرية لهذه المؤسسة، بعد عقود من الربط بينها وبين السياسات المحافظة سياسيا واجتماعياً، وفي تغيير الكنيسة نفسها، بحيث يساهم ذلك في تحسين أوضاع البشرية عموماً.
قدوم البابا من أمريكا اللاتينية (الأرجنتين)، هو انتصار رمزي لهذه القارة التي شهدت قبل عقود طويلة ظهور كنيسة جذرية معادية للاتجاهات المحافظة في الكاثوليكية، وهو، عملياً، مصالحة بين أوروبيّة الفاتيكان الجغرافية، وبين عالميّته، وخصوصاً في الأطراف المهمّشة والمعدمة في القارات الأخرى.
الحيوية والقدرة على التغيير اللتان ابدتهما الكنيسة الكاثوليكية تدفعان بالضرورة الى مقارنتها بأحوال الإسلام والمسلمين اليوم، وخصوصاً العرب منهم.
ما يميّز الكنيسة الكاثوليكية، هو المجال الكبير لحركتها وفعلها خارج تأثير القوى السياسية الأوروبية (وهو أمر كان يتناقص ويزيد بحسب الأحوال السياسية)، واختيار البابا فرنسيس الأول تعبير عن إمكانية أن تكون هذه المؤسسة أقرب الى رعاياها وأكثر تمثيلية لهم.
بالمقابل تتعرّض تمثيلية المرجعيات الاسلامية لضغط هائل تفرضه الاستقطابات الاجتماعية والسياسية الحادّة، والواضح أن بعض هذه المرجعيّات (كما في حالة الأزهر) يتم استخدامها في الصراع السياسي العنيف الحاصل في البلدان العربية بشكل يسيء كثيراً لها ولصورة الاسلام نفسه.
لا يعلم الكثيرون عن تعرّض الأئمة الاسلاميين الكبار: ابو حنيفة، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل وابو عبدالله جعفر الصادق الى محن هائلة كادت تودي بحياة بعضهم، أو أودت بها، بسبب الصراع السياسي المرير في عصرهم، والذي اختار أغلبهم فيه موقف الثورة على الظلم، فقد رأى ابو حنيفة، على سبيل المثال، ان الثورة على الملك الأموي جائزة شرعاً (وكان الثائر عليه هو الإمام زيد بن علي)، ورفض ابو حنيفة أن يصبح فقيهاً للسلطان فأمر الخليفة العباسي المنصور بحبسه وجلده كل يوم عشرة أسواط حتى يقبل ان يكون قاضي الخليفة فلم يقبل.
ضُرب مالك بالسياط أيضاً و’مدّت يداه حتى انخلعت كتفاه’ لاتهامه بتأييد بيعة محمد النفس الزكيّة، كما اتهم الشافعي بتأييد آل البيت وكاد يقتل، وسجن ابن حنبل ثمانية وعشرين شهراً كان يضرب وينخس بالسيف فيها الى ان يغمى عليه وقيل ان جعفر الصادق مات مسموماً على يد المنصور.
يعجب المرء حين يرى رايات الطائفية تسود اليوم رغم أن أئمة الإسلام (السنّي) عانوا الأمرّين دفاعاً عن آل البيت، فقد فهم أولئك الدين باعتباره جهاداً ضد الظلم، وهو يتناقض مع حال الكثرة الغالبة من الفقهاء المسلمين الآن والذين يوظفون الدين (باسم السنّة او الشيعة) في خدمة الطغيان في سوريا ومصر والعراق وباقي بقاع العرب المظلومة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رضوان بن الشيخ عبدالصمد -السويد (sverige):

    تحياتي لقدسناالعزيزة
    بارك الله فيكم .
    يجب على علمائنا المسلمين عموما أن يكونوا اوفياء للحق دون انحياز لهذا وذاك.
    عليهم مناصرة الحق مهما كلفهم.
    والترفع عن هذه الطائفية المقيتة .
    وشكرا لقدسناالغالية

  2. يقول سامي فلسطين:

    رائع عل عامة الشيعة تفهم اننا السنه لم ولن نكون في يوم إلا في خندق آلِ البيت الأطهار ونهتدي ونقتدي بما صح عنهم وحبهم دين نتقرب به لله وليس كما يفترى علينا كذباً بأنا نواصب

  3. يقول فارس خورشيدي المانيا:

    المشكلة الرئيسية ان المسلمين ابتعدو عن تعاليم دينهم كثيرا السؤال إذن عند المسلمين ليس هو ما يهم الدين الاسلامي الحنيف وانما هو ما يهم المذهب وما يقوله الشيخ الفلاني والفلاني وهذا هو بعينه سبب التعصب والطائفية العمياء

  4. يقول Amir Hamza:

    آلم تروا كيف يدافعون هؤلاء العظام عن اهل البيت وهم طلاب الامام الصادق ويتعرضون للضرب والجلد لأجل اهل البيت على ايدي الظلمة من الأمويين والعباسيين وانتم تنتقدون الدفاع عن العقيلة زينب بنت فاطمة الزهراء في دمشق وتستهينون بالذي يدافع عنها وهذا اقل الواجب ، نحن لن نعتدي على احد ولن نقاتل احد

  5. يقول حازم بن لازم:

    يا ترى من يكون ابو جعفر الصادق؟.

  6. يقول محمد يعقوب:

    مقال رائع لأنه عرى الذين باعوا أنفسهم للحاكم ونسوا الله ونسوا أن أحد أسماءه العدل. أين أئمة اليوم من الأئمة الكبار أمثال أبى حنيفة ومالك والشافعى رحمهم الله جميعا…

  7. يقول ضو الصغير-تونس:

    فعلا مقارنة تستحق المتابعة والاهتمام ولكن جذورها أعقل وأسبابها أشمل أعني واقع الطائفية الذي نعيشه في العالم العربي والاسلامي والحالة الانغلاقية المتطرفة التي يعاني منها الخطاب الديني، فهي لا تعود إلى استعماله في السياسة فقط كأداة ناجعة وناجزة لتحقيق الأهداف والغايات الدنيوية، وإنما لأننا لم نمر بنفس المراحل التي عرفها العالم الأروبي في مسار الإصلاح الديني، ولم نخضع تراثنا الإسلامي إلى محك العقل ونعيد قراءته على ضوء التغييرات المعاصرة والنظريات الحديثة ومتطلبات الواقع المتغيّر، فعملية الإصلاح الديني والتنوير الفلسفي الأروبية دامت أكثر من أربعة قرون وهي الحركة التي دشنها لوثر في ألمانيا في القرن السادس عشر ثم كالفن وبقية رموز وأعلام مرحلة التنوير الأروبي من فلاسفة ومفكرين أعادوا فهم الخطاب الديني على أساس عقلي فلسفي وتحدوا الانغلاقات المذهبية فكانت ثمرة ذلك الثورات الأروبية المعاصرة التي لم تقزم الكنيسة والمسيحية إنما حررتها من لاهوتها القديم وهذبت دورها وخطابها ويكفي أن نذكر الفاتيكان الثاني اعترف سنة 1965 بالتعددية الدينية واعتبر غير المسيحيين معنيون أيضا بالغفران الإلهي وأن الخلود أساسه العمل الطيب والانتصار للمضامين والقيم الانسانية ولا يشمل المسيحي فقط وذلك بعد أن كان الكاثوليكي يكفر البروتستانتي والعكس..
    فأين نحن من كل هذا؟ ولماذا لم نعد قراءة فقهنا القديم والانتصار على ذاتنا الأصولية الانغلاقية _حتى وإن كانت عملية مؤلمة_ لنتجاوز واقع الانسداد التاريخي بين المذاهب والطوائف ونمهد للمستقبل الإنساني الحر؟ ثم هل بمثل تلك الفتاوى والمراجع المتشنجة يمكن أن نؤسس لتواصل مشترك ومواطنة فاعلة بين المسلمين من المذاهب المختلفة في عالمنا الاسلامي وبين المسلمين والمسيحيين العربي؟ ولماذا تراجع العقل في حضارتنا ونظرتنا للإنسان والمقدس بعد أن دشنا مساره ومهدنا سبيل المعرفة والعلوم لغيرنا وانغلقنا على أنفسنا ولاهوتنا العتيق إثرها؟؟

  8. يقول الدكتور خالد نفاع:

    لقد قدم الأئمة السابقون امثلة كثيرة وحقيقية يحتذى بها في النأي بالنفس عن الصراعات السياسية والسلطوية فأبو حنيفة النعمان رفض قافلة من الهديايا بعث بها عبد الملك بن مروان طالبا ان يزوج ابنته لإبن الخليفة اعتقد لهشام بن عبد الملك وزوجها لاحد تلاميذه وكان هذا التلميذ فقيرا وارملا وفي عصر العباسيين سجن ابو حنيفة لأنه رفض تسلم القضاء في زمن ابو جعفر المنصور كما رفص المنصب العلامة سفيان الثوري وظل يغير البلدان والمدائن فارا من انتقام العبايسيين ابتداء من ابو جعفر وانتهاء بالمهدي
    وكل ما في الأمر ان هؤلاء الأئمة الصالحيين كانوا يخافون الله ويطلبون الآخرة
    بينما أئئمة اليوم يطلبون الدنيا ويصدرون الفتاوى لأجل المال والمنصب ناسيين ومتناسين ان الرجل المؤممن -ناهيك عن الامام- يجب ان يصلح حال المسلمين ويبتعد عن التحريض على القتل والفتنة .
    لكن للأسف الشديد تحول ائئمة البوم الى محللين سياسيين وادوات حقيقية للقتل والفتن بدلا من ان يكونوا صمام امان الامة ما يسميه الجهاد- وضد كل من هو موال سواء كان مدنيا او عسكريا – ولكن اي جهاد ؟
    جهاد المسلم ضد المسلم . جهاد تسرق فيه البيوت وتشرد فيه الاطفال وتدمر فيه المدارس والمستشفيات . ان واجب العلماء والأئمة الحقيقيون اليوم ان يحددوا المعنى الحقيقي للجهاد لأن الكثير من الشباب لا يميز الجهاد الحقيقي ولا يعرف معناه ويلقي بنفسه في التهلكة مزهقا روحه وارواح غيره من المسلمين الابرياء وغالبا ما يكون معيلا لاسرة يترك اطفالا يتامى كان الاحرى به ان يربيهم تربية صالحة ويعلمهم وهذا قمة الجهاد.

  9. يقول الدكتور خالد نفاع:

    والأفضل ان لا نسمع بعد اليوم فتاوى الفتن ونحكم العقل والمنطق ونتخذه بوصلة في حياتنا وهذا لا يتعار ض بل يتقاطع مع القرآن الكربم :
    “ولا تلقوا بانفسكم الى التهلكة ” ” ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق” “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما ” ولنعد الى الحديث الشريف “من رأى منكم منكرا فليغره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يسطع فقلبه وهو اضعف الأيمان”
    فالأيات الشريفة واضحة ولا داعي لتفصيلها لكن يجب التنويه الى القتل غير المباشر يدخل في دائرة القتل (التفجيرات الانتحارية التي يذهب ضحيتها الابرياء) . وللحديث الشريف قيمة هائلة فهو يظهر ان الاسلام دين رحمة فهو لا يطلب من المرئ اكثر من قدرته(فإن لم يسطع فبلسانه) وهو لم يقل من رأى منكم منكرا ففليغره بسيفه بل قال بيده . والأمر المهم الآخر هو المبدأ الفقهي المعروف” لا ضرر ولا ضرار” فلا خير بفعل سيجلب الضرر والمصائب للمسلميين . فالأفعال والأعمال يجب ان توزن في إطار المصلحة العامة للمسلمين لا بدافع التحريض والانتقام الطائفي

  10. يقول عبد الله - الشتات:

    مقال رائع ست سناء.

    تصحيح على الهامش : أبو عبد الله جعفر الصادق وليس أبو جعفر الصادق.

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية