«البرقية» السعودية للسيسي: أبعد من «التهنئة»

حجم الخط
41

بمجرد اعلان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية فوز المشير السيسي، سارع العاهل السعودي الى ارسال ما وصفته وسائل الاعلام بـ «برقية تهنئة»، الا انها في حقيقتها تجاوزت الطبيعة البروتوكولية المتعارف عليها لذلك النوع من البرقيات، بل خالفت كل الاعراف الدبلوماسية بين الدول ذات السيادة، اذ سمح العاهل السعودي لنفسه فيها ان يرسم علنا للرئيس المنتخب المسار الذي يجب عليه ان يسلكه داخليا، بالاضافة للدعوة دون تشاور مسبق مع اصحاب الشأن الى عقد مؤتمر لـ «المانحين» لمساعدة مصر، في مبادرة افتقرت الى الحساسية والمعرفة بطبيعة الشخصية المصرية، بل وتجاهلت ان مؤتمرات المانحين انما تعقد لمساعدة دول تعاني حروبا اهلية او كوارث طبيعية او انسانية، وليس بلدا يتمتع بما لدى مصر من مكان وامكانيات حتى في ظل ازمتها التي هي سياسية في جوهرها، وبالتالي لا ينفعها الا حل قائم على مقاربة سياسية.
وردا على استنكار تلقائي من كثيرين، عمدت بعض الابواق الاعلامية الى انكار ورود كلمة «المانحين» في البرقية السعودية.
الا ان الاهم يبقى ما كشفته البرقية من تهافت على فرض الوصاية على النظام الجديد في مصر، عبر دفعه الى الارتهان لـ «التعهدات سيئة السمعة» التي تصدر عن مؤتمرات المانحين ولا تجد سبيلها الى التحقق الا فيما ندر، ما يكشف عن رغبة في تقزيم مصر وحبسها في مصاف الدول التي تعيش عالة على المانحين، وبالتالي الهيمنة على توجيه مساراتها في معركة اعادة رسم توازنات استراتيجية سائلة في الاقليم.
ولعل الانفتاح المتبادل والمفاجئ بين القاهرة وطهران مؤخرا، بعد ترحيب الخارجية الايرانية بالانتخابات الرئاسية، والدعوة المصرية للرئيس حسن روحاني لحضور مراسم التنصيب، يكرس هذا التهافت السعودي.
وعلى الصعيد الداخلي فمن المفارقة ان «ينصح» العاهل السعودي المشير السيسي بـ «احترام الرأي الاخر مهما كان ضمن حوار وطني»، اذ كان الاولى به الا يحرم «الشعب السعودي الشقيق» من فوائد هذه النصيحة، قبل تصديرها الى الخارج.
ثم يتمادى ليقرر هوية اطراف الحوار مشددا على استبعاد «من تلوثت ايديهم بالدماء»، مع تحريض علني على ما اسماه «ضرب هامة الباطل» في اشارة الى تيار بعينه.
والغريب ان بعض الدول التي اتهمها النظام المصري بالتدخل في شؤونه لم تذهب الى ابعد من هذا، اي الدعوة الى الحوار الوطني، فكان رده استدعاء السفراء او الاحتجاج والتهديد والوعيد، اما عندما يأتي «التدخل» من «كبير العرب» فهو ليس تدخلا او انتهاكا للسيادة بالطبع(..). ولا ينسى العاهل السعودي ان ينتقد في برقيته من «يتدخلون في شؤون مصر»، واستخدام «المنصة المصرية» لشن هجوم واضح على دول عربية واسلامية معينة، وكأنه يريد اجهاض اي تقارب محتمل لها مع النظام الجديد.
اما الهاجس الرئيسي الكامن وراء التهافت، فهو الاوضاع الداخلية الهشة في السعودية نفسها، والاحتياج الحقيقي الى تأمينها بتحييد خطر تجدد روح الثورة المصرية من منبعها. وبكلمات اخرى فان الدعم السعودي مرتبط بمدى الابتعاد عن ثورة يناير والاقتراب من عهد مبارك ورموزه.
وهكذا فان ثمة «امصارا» عديدة يدور الصراع بشأنها هنا، اذ ان مصر التي يريدها العاهل السعودي لاعلاقة لها بمصر التي في خاطر اغلب المصريين، بمن فيهم بعض المؤيدين للمشير السيسي انفسهم، الذين يعتبرون ان الكفاح سيتواصل لتحقيق اهداف الثورة، وابرزها الكرامة والاستقلال الوطني، حتى وان اصبحوا محبطين من التعثر المتكرر لمسار الثورة.
لقد مثلت برقية العاهل السعودي «فخا سياسيا» للنظام الجديد و«لائحة شروط مسبقة» لتقديم المساعدات، ما يستوجب رفضها عمليا استحضارا لقيمة مصر وقامتها، وانتصارا للكرامة والمصلحة الوطنية، اذ ان دول الخليج لن تحتاج الى تقديم مساعدات لمصر ضعيفة او خانعة، لكنها ستجد مصلحة مشتركة في التعاون مع مصر مستقل قرارها الوطني سواء داخليا او اقليميا.
وبالرغم من احتياج الاقتصاد المصري المتدهور الى المساعدات بكافة اشكالها، الا انه سيرتكب خطأ استراتيجيا من ان يظن ان السعودية التي تضاءلت مكانتها الاقليمية الى مستوى تاريخي تملك ترف خسارة اكبر بلد عربي لمصلحة خصومها المتربصين في هذا التوقيت.
ومع التعقيدات والتحديات التي تنتظر النظام الجديد في الساحة الاقليمية كما داخليا، فان العلاقة مع السعودية ستبقى احد اهم المؤشرات على منهاجه العملي، خاصة في ظل تعهدات السيسي في خطاب اعلان ترشحه بـ «مد اليد الى الجميع في الداخل والخارج».

رأي القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    مع الأسف صار الكلام علني
    والفرجه ببلاش
    مثل المدير يأمر موظفيه

    مبروك عليكم يا شعب 30 6

    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول الحق والحقيقة.:

      – لايوجد بين الاشقاء علاقة وظيفية بل هي علاقة حب ومحبة منذ مهبط الاسلام علي ارض الحجاز المباركة وكانت التوصية من سيد الخلق محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم ” اوصيكم بمصر الكنانة ” وتناقلت عبر الاجيال الي الاب الكبير المغفور له عبدالعزيز بن سعود حتي اولاده من سعود وفيصل الي خادم الحرمين عبدالله بن عبدالعزيز, هذا ليس بغريب علي الاسرة الحاكمة بالسعودية تجاه مصر الكنانة ام الانبياء ومهبط اولي الرسالات السماوية علي سيدنا موسي عليه السلام علي جبال سيناء بالوادى المقدس.
      – لا داعي للكك والعك من الاقزام.

    2. يقول عامر جسار:

      يا عيني عليك، أدميت قلبي
      أشعرتني اننا في زمن النبوة،
      لا أستطيع تمالك نفسي من البكاء
      كفاكم متاجرة بالدين
      ستظلون كما أنتم، عندما تعريكم السياسة تلتحفون بالدين

  2. يقول رضوان الشيخ -السويد(Sverige):

    ياسلام العاهل السعودي وكأنه يعيش في كوكب آخر.
    لن يستمر السفاح الذي قتل وحرق وسجن المصريين .
    بدون مبالغة ماذا بعدسقوط السيسي.
    لأن الشعب المصري هو صاحب القرار.
    كل ماجاء في برقية هي مجرد اوهام. يسقط حكم العسكر.
    وشكرا لقدسنا العزيزة بارك الله فيها

  3. يقول مقهور:

    مصر لا تريد منحا من طويل العمر. فقط لماذا لا يستثمر أمواله فيها بدلا من تكديسها في البنوك الأمريكيه دون ربح لأنه في عرفه حرام

    1. يقول ابن بطوطة - فلسطيني:

      بألتأكيد ابعد من تهنئة … كلمة الملك عبدالله بداية مسار جديد انتظرته الشعوب العربية طويلا … مسار عروبي يدخل في صميم رؤية الملك عبدالله … الا ان هيمنة سلطان و فهد و ابنائهم على السلطة في السعودية ابعد السعودية عن العروبة لعقود و رسخت الهيمنة الامريكية لعقود … من المعروف عن الملك عبدالله و منذ ان كان قائدا للحرس الملكي ان توجهاته عربية و محبته لفلسطين … رسالة التهنئة هذه نقطة مفصلية لواقع جيوسياسي اقليمي جديد يقوم على تفاهم سعودي – مصري – روسي … بشكل قاعدة للنهوض بالامة العربية ووحدتها التي تؤدي تدريجيا الى نشوء قطب عربي ضمن ميزان تعدد القطبية الناشىء بالعالم … و تدريجيا ستخفف دول الخليج من توجيه استثماراتها للغرب و امريكا هذه الاستثمارات التي تشكل عنصر قوة للامريكا و هيمنتها علينا … حيث بدأت بتوجيهها نحو مصر و باقي الدول العربية كذلك جزئيا لروسيا … الاستثمارات هي الاساس التي تحدد على اساسه موازين القوى العالمية … البلد الذي يستقطب الاستثمارات هو البلد الذي يتطور و يقوى و يعيش شعبه حياة افضل … 6000 مليار دولار وجهها سلطان و فهد و ابنائهما نحو امريكا حيث شكلت عنصر قوة للامريكا و جعلت العالم تحت هيمنة القطب الامريكي – الصهيوني الواحد …..

  4. يقول الباب:

    معايير مزدوجه

    إذا كنت متحمساً لهذه الدرجه وفرحاً للغايه لدرجه انك فقدت التوازن فما الذي يمنعك من اجراء الانتخابات في البلد الذي تحكمه؟ فأنت لست طارئاً أو دخيلاً بل بيدك مقاليد البلاد كما ان الاقتصاد الأمريكي منتعش بأموالك المتكدسه فلماذا تتخلف عن قيم الديمقراطيه والحريه التي تصفق لها في مكان آخر؟
    لو تصرف شخص آخر على هذا النحو لمزقته وسائل اعلامك شر ممزق.

  5. يقول عيسي:

    نعم كلام الملك عبدالله تجاوز البروتوكولات بين الدول لأنه بكل بساطة كلام خارج من القلب ومن كل الجوارح لمحبته بمصر واهل مصر وكون مصر هي رأس العرب ولا احد يتمني للرأس ان ينحني ،،، موتوا بغيظكم يامن تحسدون المصريين علي الاستقرار والامان وتريدونها خراب في خراب
    كلام الملك عبدالله لامس قلوب اهل مصر وانزلوا الشارع واستفتوا اهل مصر في ردود افعالهم عن الخطاب تجدون جملة واحده ( الله يطول عمرك ياسند مصر ياملك الانسانية )

  6. يقول Dr. abufahd UK:

    سؤال … هل تختلف شروط = المانحين = النفطيين العرب عن شروط مانحي المنح العسكرية و الرز والسكر سواء من الأمريكيين أو صندوق النقد الأمريكي (الدولي)؟ . فمنذ عشرات العقود تعيش مصر على المنح و مد اليد حتي لا تتكرر ثورات الجياع ضد مئات الآلاف من سلاطين الفساد والرشوة المتوارثين فى مصر مقابل الملايين من سكان المقابر وهو عار يمتلكه و يحافظ عليه فقط النظام و الشعب المصري خلافا لباقي شعوب العالم سواء المتحضر أو المتخلف .

  7. يقول محمد علي الجزائر:

    مقال رائع و معبر عن وضع مصر و البرقية اكثر وضوحا على ان حكام مصر الجدد
    تم شراؤهم من سوق النخاسة و لن يستطيعوا فداء انفسهم لذا وجب عليهم ان يسمعوا و يطيعوا فجعلوا من مصر مسخرة العالم و تمشي على منهاج اسيادهم كما فعلوا برئيسهم الشرعي ظلما و عدوانا و اراقوا دماء الشعب ظلما و جورا لمصلحة اهل الفتنة
    ضربت عليهم الذلة و المسكنة و سيبوؤون بسوء عملهم و تدور عليهم دائرة السوء و ترى اقرب الناس اليهم يتبرؤون منهم و يفرون عنهم كعادة الذين لا مروءة لهم
    الى مزبلة التاريخ
    لم اتوقع ابدا ان يصل مستوى الفكر والعقل في مصر الى هذه الدرجة و يشهد الله ان الامر اصابني بكابة و ادركت ان هؤلاء القوم و من يدعمهم يضربون خبط عشواء
    صبرا و الله المستعان

  8. يقول عبدالله ناصر:

    من يهن يسهل الهوان عليه
    ما لجرح بميت ايلام
    السييي حتى يصل الى الحكم وبستعيد دولة العسكر، رهن نفسه وبلاده لدول الخليج وعلى راسها السعودية كما ان رسالة الملك السعودي تظهر ايضا ان النظام السعودي ﻻزال يعيش رعبا من ان يسقط نظام العسكر ويعود اﻻخوان او نظاما ديمقراطيا في مصر خاصة بعد اﻻقبال الضعيف على اﻻنتخابات، ﻻن ذلك معناه بداية النهاية لحكم ال سعود

  9. يقول زيـــاد - المانيا:

    مع كل التحفظات بشأن الجنرال السيسي وطريقة وصوله للحكم، اتمنى انا كانسان عربي يحب الخير لكل الوطن العربي، وطني حبيبيي الوطن العربي كما غنت الحناجر العربية يوما ما، مع كل ذلك نتمنى لمصر التقدم والنجاح بحل كل الامور السياسية بعيدا عن التدخل الخليجي بكل الوانه.

  10. يقول م. حسن هولندا:

    نعم كبير العرب في السن . ستتحقق حقوق الإنسان في مصر وفي بقية الدول العربية قريبا حتي يتقدم العرب مثل شعوب الأرض بعد أن أوشكت الديكتاتوريات أن تختفي من علي وجة الكرة الأرضية إلا في بلادنا التي تخلفت عن الركب بسبب نظمها السياسية التي تنتمي للعصور الوسطي .

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية