نواكشوط ـ «القدس العربي»: اضطر الشيخ ولد بايه، رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية، أمس، لتحديد ضحى اليوم الثلاثاء، موعداً لانعقاد الجلسة الخاصة بمناقشة قانون حماية الرموز المثير للجدل بعد وقوف نواب المعارضة في وجه انعقادها صباح أمس الإثنين.
واعترض نواب المعارضة على الجلسة بحجة عدم اكتمال النصاب داخل القاعة، وبحجة عدم توزيع تقرير عنه يوماً قبل انعقاد الجلسة.
واضطر رئيس البرلمان الشيخ ولد بايه لرفع الجلسة بعد دقائق من افتتاحها ضحى الإثنين، وتحديد اليوم الثلاثاء، موعداً جديداً لها بعد أن اشتعل جدل بين نواب الموالاة والمعارضة حول تفسير المادة 70 من النظام الداخلي للبرلماني المتعلقة بالنصاب القانوني الخاص بالجلسات.
وأوضح قبيل الإعلان عن قراره تعليق الجلسة “أن هناك ظروفاً قاهرة تتعلق بجائحة “كورونا” هي التي استدعت الحد من عدد الحضور”، مبرزاً “أن النصاب داخل قاعة التصويت والذي اعتمد خلال فترة “كورونا” يختلف عن النصاب المعروف قبل الجائحة”.
وقال: “في حال وجود نية حسنة لطلب المعارضة رفع الجلسة، فإنه قرر رفعها لمدة ساعة في انتظار اكتمال النصاب”.
وطالب نواب المعارضة بلهجة احتجاج عالية برفع الجلسة فوراً، حيث خضع رئيس البرلمان الشيخ ولد بايه لطلبهم فقرر تعليق جلسة نقاش مشروع قانون الرموز للمرة الثانية.
وبعد استئناف الجلسة، عاد نواب المعارضة ليستخدموا حجة أخرى من أجل تعليقها حيث أكدوا أنها تنتهك المادة 48 من النظام الداخلي للجمعية الذي ينص على تقديم التقرير المتعلق بالقانون ثماني وأربعين ساعة قبل بدء الجلسة.
وشدد النواب المعارضون “على أنه يجب أن تستوفي الجلسة شروطها القانونية حتى يمكن عقدها وفق النظام الداخلي للبرلمان، وبخاصة أن الجلسة الحالية ليست جلسة عادية لكونها ستصوت على قانون بالغ الخطورة يسلب الشعب الموريتاني من مكاسبه في حرية الرأي والتعبير”. وأكد عدد من نواب المعارضة “أن الجلسة يجب رفعها بحجة أن رئيس البرلمان أعلن عن جلسة نقاش وتصويت لا عن جلسة نقاش فقط”، ليضطر الرئيس إلى تعليقها إلى يوم الثلاثاء.
وثار جدل بين نواب الأغلبية والمعارضة حول تفسير نص المادة 70 من النظام الداخلي للبرلمان التي تنص على أنه” للرئيس أن يتحقق عند افتتاح كل جلسة من حصول النصاب القانوني، وأن حضور الأغلبية المطلقة من النواب المشكلين للجمعية الوطنية داخل قبة البرلمان يعتبر ضرورياً لتزكية التصويت، إلا إذا تعلق الأمر بتحديد جدول الأعمال”.
وتنص المادة على “أن صحة التصويت مهما كان عدد المصوتين، إذا لم يدع المكتب للتحقق من عدد الحاضرين قبل بدء الاقتراع أو إذا أعلن أن النصاب القانوني كان موجوداً قبل طلب التحقق منه أو قبل قيام المكتب بملاحظته”.
وبينما تستمر سخونة النقاش داخل البرلمان، منعت شرطة مكافحة الشغب نشطاء حركة “كفانا” الشبابية المعارضة من تنظيم وقفة احتجاجية على قانون حماية الرموز، أمام مقر البرلمان، تزامناً مع موعد الجلسة العلنية المخصصة لنقاش القانون والتصويت عليه.
وأكد رئيس حركة “كفانا” يعقوب ولد لمرابط “أن الشرطة قمعت المحتجين”، محتجاً على “تعرضهم للضرب لإجبارهم على الابتعاد عن مقر البرلمان”.
وقال “إن مشروع قانون الرموز يشكل تحدياً وانقلاباً على الشرعية وعلى مستقبل الحريات في موريتانيا”، متهماً “نظام الرئيس محمد ولد الغزواني بالتأسيس لتراجع الحريات ومصادرة الرأي والتعبير”، ولافتاً الأنظار “إلى أن وزارة الداخلية الموريتانية أصبحت تمنع ترخيص الأنشطة الاحتجاجية”.
هذا وتواصل، أمس، الجدل حول قانون حماية الرموز بين النظام والمعارضة، حيث احتج حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي المعارض، في بيان توصلت “القدس العربي” بنسخة منه على ما سماه “إعادة السلطات والموالاة الداعمة لها إلى الواجهة من جديد، مشروع القانون سيئ الصيت، والخطير على الحريات العامة، وحرية التعبير، والذي يحمل اسم “حماية الرموز”، وذلك على الرغم من الهبة الشعبية الشاملة والواسعة التي وضعت حداً لمحاولات تمريره في الأيام الأخيرة من الدورة البرلمانية الماضية”.
“إن إصرار الحكومة والنواب الموالين لها، يضيف البيان، على إبقاء مشروع القانون هذا في مسار الإجازة رغم إجماع كل المهتمين بالحريات العامة في البلاد من ساسة، وعلماء ومثقفين وحقوقيين، وقانونين على خطورته، وغرابة مضامينه، وتقديسه للمسؤولين، ومنعه المواطنين من حقهم الطبيعي في تقويم أداء الموظفين العموميين، يكشف نيات المتربصين بمكاسب الشعب الموريتاني في مجالات الحريات العامة، وخصوصاً حرية التعبير”.
وأضاف: “لقد أخذ مشروع القانون مساراً غريباً، سواء في طريقة إجازته من طرف الحكومة، أو سرعة إحالته للبرلمان، وكذا في طريقة محاولة إجازته مجدداً، والالتفاف المستغرب على حق النواب في مناقشته بجد، وتقديم مقترحات لتعديل مضامينه المرفوضة، حيث إنه مشحون بكلمات مطاطة، ومعان غير جازمة، وتوصيفات قابلة لكل تأويل”.
وتابع الحزب: “إن محاولة تمرير مشروع القانون الغريب تأتي في ظل مضايقات متتالية على حرية التعبير، وتوقيف للعديد من الأشخاص بسبب تدوينات أو تسجيلات أو احتجاجات هنا أو هناك عبروا فيها عن استيائهم من أداء الحكومة، أو نقدهم لأداء موظف ما، ليجدوا أنفسهم خلف القضبان، وذلك حتى قبل إصدار هذا القانون الغريب”.
“إننا في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل”، ونحن نتابع باستغراب واستهجان محاولات الحكومة تقنين التكميم، لنعلن أننا نستغرب الإصرار على تمرير مثل هذا القانون بين يدي حوار تتفق جميع الأطراف على أنه ينبغي أن يناقش كل القضايا الأساسية ومن بينها الحريات”. ودعا “الرئيس والحكومة إلى سحب مشروع القانون بشكل نهائي، احتراماً للحقوق والحريات المنصوصة في الدستور، وفي الاتفاقيات التي وقعت عليها موريتانيا”، معتبراً “أن في القوانين الحالية ما يكفي لصيانة الأعراض والخصوصيات والبلد أحوج إلى ما يعزز الحريات العامة”.
وطالب الحزب “القوى الحية، وكل أنصار الحقوق والحريات باليقظة، بالوقوف ضد كل محاولات التكميم، وتقييد الحريات، سواء عبر محاولات تقنينها، أو حتى ممارستها دون قانون”، مؤكداً “أن الشعب الموريتاني الذي ناضل لعقود من أجل انتزاع حقوقه وحرياته العامة لن يقبل التنازل عنها أبداً”.
وفي خضم هذا الجدل، كتب المختار ولد داهي وزير الثقافة، الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، مدوناً عن قانون الرموز بقوله: “ألسنة غالب الموريتانيين رَطِبَةٌ من استهجان تنامى ظاهرة يمكن نعتها ب: “تمييع الحريات” عبر استسهال انتهاك الحرمات الشخصية للمواطنين والإضرار بالسلم الأهلي والوحدة الوطنية و هيبة المؤسسات الجمهورية وذلك بإنتاج وتوزيع مُنْتَجاتٍ ضارةٍ عبر الوسائط الإعلامية و الرقمية”.
“وتأسيساً على هذه “الملاحظة القريبة من الإجماعية”، يضيف الوزير، صاغت الحكومة اضطلاعاً بدورها، مشروع قانون يتخذ من الاحتياطات والإجراءات ما يحارب “تمييع الحريات” ويحمى الحريات من شطط ولُوِّ الحريات”. وأكد “أن القانون سيعرض على البرلمان وفق صياغة وسطية وجامعة بين توسيع وترسيخ الحريات من جهة، وصون الحريات من التمييع والشطط والغلو من جهة أخرى”.