تتقاسم ولا تتقاسم، تتشارك ولا تتشارك، تتنازل ولا تتنازل، إنها بريطانيا، أو بريطانيا العظمى، بل بعبارة أدق، مملكة بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، أرض التقت عليها الأبوة والشهامة على مرّ التاريخ، فكانت النتيجة تلك التي نعرفها، إشعاعا اقتصاديا وتفوقا عسكريا وفوق هذا وذاك، آلية تفاوضية تربك أكثر من حساب.
لم يكن غريبا أن يكتب شكسبير في بداية مسرحية ريتشارد الثالث أن «بريطانيا تشبه حجرا نفيسا مرصعا محصنا من كل جهة»، ولم يكن غريبا أن يباشر أصحاب الحجر النفيس بإظهاره للقاصي والداني كم هو غال عليهم حجرهم هذا.
إنها بريطانيا، الجزيرة التي ينسحب تصميمها الجغرافي على طبيعة عقلية أهلها، عقلية التفتح حين تقوم المصلحة، والانعزال حين تقوم المصلحة. كل هذا يحكمه سلوك رصين ممزوج بقدرة فائقة على اتخاذ المسافة مع شؤون الحياة وشجونها في هدوء وتؤدة. سلوك أوجدت له اللغة الفرنسية مصطلح flegme في ما يدق على ثروة العربية اللفظية نقل السلوك ذاته بمصطلح واحد.
مرتشفا قدحا من شاي (Earl Grey ) المفضل، أفكر في هذه الاختراقات التي حققتها الديمقراطية البريطانية فاستعرض وزن مجلس العموم، واحد من أكثر مختبرات الحريات الفردية نجاعة عالمياً، في نحت معالم الديمقراطية البريطانية.
فلا استغرب، من الفارق في تقدير المواقف داخل أروقة الاتحاد الأوروبي من جهة، وضمن نقاشات مجلس العموم من جهة أخرى. لا استغرب من العقبة الكأداء التي تواجه من يحاول أن يتلمس طريقه داخل منعرجات الشراكة البريطانية الأوروبية، شراكة جعلت من المملكة المتحدة مملكة من الاتحاد ظلت – قبل بداية قصة البريكست بكثير- تشق سبيلها وفق ما تكيفه لها منافعها، قبل أن تطبق منطق الخضوع لمعايير خاصة. من هنا أيضا لا استغرب عبارة تريزا ماي المدوية Brexit means Brexit ولا استغربها خاصة لغموضها، فالعبارة حمالة أوجه، أبرزها ما إذا كان البريكست سيكون ناعما أم خشنا؟ وهل البريكست الخشن، كما يراه البعض، وضع يمكن أن يرضي أيا من الأطراف؟ من المستعد مثلا لقبول عودة أيرلندا الشمالية والجمهورية الايرلندية إلى حالة ما قبل اتفاق الجمعة المقدسة سنة 1998، الذي وضع حدا لسنوات من تطاحن بين البلدين أدى إلى سقوط العشرات؟ من المستعد للتخلي عن دولة تمثل ثاني أكبر إنفاق عسكري في الاتحاد الأوروبي؟ من المستعد لإرسال منطقة الخدمات – السيتي- بما تقدمه من سوق يجمع حوالي 500 مليون مستهلك إلى مزبلة التاريخ؟
نعم «البريكست يعني بريكست»، لكن نعم أيضاً، إلقاء بريطانيا بنفسها إلى التهلكة أمر خارج عن دائرة التوقع، والمسؤولون البريطانيون، كما الاتحاد الأوروبي على وعي تام بذلك، «فرنسا بدون امبراطوريتها دولة محررة، فرنسا بامبراطوريتها، دولة منتصرة «، قال أحد أقطاب مجلس الشيوخ الفرنسي في زمانه، أي في نهاية الحرب العالمية الثانية. فماذا عن بريطانيا إذن؟ تحرر، انتصار، استقلالية وبراغماتية، رباعية تلاصق هوية الدولة، والمملكة لن تفرط فيها. في سنة 2016، نالت مسرحية الجماعة اللندنية الشهيرة The Mischief Company جائزة موليير للملهاة عن مسرحية The Play That Goes Wrong التي نقلت إلى الفرنسية تحت عنوان Les Faux British.
تتصادف كتابتي للمقال مع حضوري عرض المسرحية، وأقل ما يمكن قوله إن البريطاني الأصيل سيستمر في رفضه بأن تؤول بريطانيته على غير طبيعتها The play has to go right.
باحث وإعلامي فرنسي
إنها عنصرية الرجل الأبيض! سبب إنفصال بريطانيا عن أوروبا هو اللاجئين!! ولا حول ولا قوة الا بالله
لا سبب خروج بريطانيا ليست اللاجئين بل الاحكام والتبعية لبروكسل الذي جعل من البريطانيين المغرورين الانزعاج أن يتقيدوا بحكم كائن من كان يريدون الاستقلالية وعدم التقيد بأحد بحكم انهم سادة القوانين وأعرق وأقوى الديمقراطيات في العالم