يبدو للوهلة الأولى من مستوى التصعيد الإعلامي لبعض التيارات الدينية ضد إيران، وكأن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد هولاكو عصره وزمانه، وكأن الإيرانيين تتار قادمون ليلتهموا مصر من بابها لمحرابها، والأدهى والأمر أننا ظهرنا وكأننا ملجمون لا حول لنا ولا قوة إن جاء السياح الإيرانيون وانفتحت العلاقات مع إيران.
إنه نفس مبدأ المؤامرة القدرية التي حملناها في عقلنا الجمعي طوال السنين العجاف التي انهارت فيها قيمنا الحضارية، وتكرست فيها عقلية التبعية المرهونة دائماً لإرادة الآخر الذي إن تفاعلنا معه بأي شكل من الأشكال سنصبح فريسة بين أنيابه التي لن ترحمنا أبداً.
إن طريقة التعاطي التي برزت خلال الأيام الماضية مع ملف العلاقات المصرية الإيرانية من قبل جهات دينية محددة في المجتمع، أظهرتنا بدون أن نعلم كأمة مرتهنة يمكن لأي تيار فكري أن يسيطر على فكرها وقيمها ومكونها الحضاري العريق.
لقد وضعتنا هذه التيارات الدينية رهائن لفكرها الإقصائي الوصائي الذي يحاول التدخل في العلاقات بين الدول وحصره في زاوية نظرته الدينية التفسيرية لكل شيء في هذا العالم، وعلينا بالمقابل أن نرفع لوائهم ونحن مغمضون العين لأنهم الوكلاء الحصريون الذين يتحدثون بسم الله والعياذ بالله.
ولكن هل هذا هو معيار العلاقة بين إيران ودول العالم الآخر بما فيها الإسلامية ‘السنية’؟!
بالتأكيد ليس هذا هو المعيار حتى مع أكثر الدول ندية لإيران في المنطقة وهي المملكة العربية السعودية، فالحجاج الإيرانيون الذين يحجون ويعتمرون في بلاد الحرمين لم ولن يستطيعوا طوال هذه السنين أن يغيروا من عقيدة الشعب السعودي، كما أن إيران التي وقفت إلى جانب الحكم في سوريا وربطتها به علاقة تحالف استراتيجي، وكان الإيرانيون يأمون سوريا بمئات الآلف لكنهم لم يستطيعوا أن يؤثروا في عقيدة وقيم أبناء الشعب السوري رغم أن سوريا كانت مفتوحة على كل الاتجاهات الفكرية بحكم التعدد والتنوع الطائفي فيها، وأيضاً إيران التي كانت ومازالت تدعم فصائل المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح وحتى التدريب، لم يجعلها ذلك قادرة على تشييع الشعب الفلسطيني، أو على الأقل الفصائل الفلسطينية.
وإذا أخذنا شكل العلاقة الإيرانية من منطلق آخر هو المنطلق الاقتصادي سنجد أن دولة سنية كبيرة كتركيا يحكمها رئيس ورئيس وزراء لهما انتماء ديني سني واضح، لم يعملا على إغلاق العلاقة مع إيران بالرغم من أن تركيا إضافة إلى ذلك، هي عضو أصيل في حلف شمال الأطلسي المعادي لإيران أصلاً، ولنا أن نتصور حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث بلغ 21 مليار دولار مع نهاية العام 2012، وأكثر من ذلك فإن مستوى الطموح في تطوير العلاقة بين البلدين مرتفع، وهذا ما أكده أحمد داود أغلوا وزير الخارجية التركية الذي كشف أن بلاده تخطط لرفع مستوى التبادل التجاري مع إيران ليصل إلى 30 مليار دولار سنوياً.
أما بالنسبة لحجم التبادل التجاري بين إيران والإمارات فقد ناهز الـ 25 مليار دولار، على الرغم من الخلاف التاريخي بين البلدين على الجزر الإماراتية المتنازع عليها في الخليج العربي، بينما يصل مجمل حجم التبادل التجاري مع دول الخليج العربي مجتمعة حوالي 30 مليار دولار.
إذا أين هو المد الشيعي، ولماذا هذه الدول وقفت منيعة أمام هذا المد طوال سني تفاعلها مع إيران، بينما أسوار مصر الحضارية ستنهار بمجرد قدوم عدة عشرات من السياح الإيرانيين، ولماذا يقيم هؤلاء العلاقات مع إيران وبهذا الكم الهائل من الاستثمارات والتبادلات التجارية، ومحرم على مصر أن تأخذ دورها ومكانتها من في محيطها الإقليمي والدولي بمجرد أن هذا التيار أو ذاك يحاول جرنا إلى أوهامة المعتقدية السطحية التي لا تعطي بالاً ولا وزناً للقيمة الحضارية والفكرية لشعب احتضن الإسلام وهضمه وأنتج فيه من الفكر ما يليق بعقله الواعي البعيد عن التوصيفات السطحية الساذجة لغول ليس إلا في الأساطير وفي عقولهم فقط؟!
الذين يهولون لعودة العلاقات المصرية الايرانية و يخافون على مصر من زيارة بعض الايرانيين لها انما هم يسيئون لمصر و تاريخها و قيمتها فمصر بثقلها الجيوسياسي و البشري و الثقافي اكبر من ان تهددها اقامة علاقات مع دولة ما . والواقع انها المرة الاولى التي نسمع فيها كلاما من قبيل اقامة علاقة مع دولة يمثل خطرا .
لعل هذه القالة المختصرة اهم واصدق ما قيل عن موضوع التشيع والعلاقات التاريخية بين ايران والامة العربيه ، فشكرا للأستاذ القدير غسان أبو حبل وبارك الله فيه ونريد المزيد من افكاره الطيبة المخلصه علها تزيح الغشاوة عن عيون وقلوب اولئك المتعصبين الجهلة من ابناء امتنا.
فات المقال ان المشكلة ليست ان ايران تنشر التشيع بقدر ماهي اثارة النعرات الطائفية فهي اثارت النعرات الطائفية في العراق وسوريا لبنان البحرين القطيف والحوثيين في اليمن فشقت الصف واضعفت الامة في المواجهة مع اسرائيل فايران كالرجل المريض بالانفلوانزا فكلما يدخل على بيت اهله اصحاء يعديهم ليبدؤوا بالسعال والمرض. فماذا يفعل الغزاة الايرانيون في سوريا؟ ماذا كان يفعل الجنرال حسن شاطري من الحرس الثوري الايراني عندما قتل قرب دمشق بينما اهل دمشق نفسهم ينزحون عنها؟ لانريد ان يفعل هؤلاء الغزاة الايرانيون في مصر مافعلوه في سوريا.