البيانات الخليجية خريطة طريق لخلاص لبنان تمر إلزامياً في الضاحية الجنوبية

سعد الياس
حجم الخط
1

استمرار حزب الله في فرض حظر على جلسات مجلس الوزراء وعلى ترجمة مفاعيل الاتصال الثلاثي بين ماكرون وبن سلمان وميقاتي، يعزّز قناعة الدول الخليجية بهيمنة الحزب على مفاصل الدولة اللبنانية.

بيروت-»القدس العربي»: أسبوع مضى على زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى السعودية حيث التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أعقاب استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي التي اعتُبرت مدخلاً لإعادة ترتيب العلاقة بين لبنان والمملكة.
وقد تباينت القراءات لنتائج زيارة ماكرون على الصعيد اللبناني، وبدا أن حزب الله انزعج كثيراً من البيان الختامي الذي صدر عن اللقاء وشكّل له صدمة، لاسيما وأنه أكد على «ضرورة حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، ومصدراً لتجارة المخدّرات» مشدداً «على ضرورة تطبيق القرارات 1559 و1680 و1701 وأهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن لبنان واستقراره». وقد أُتبِع هذا البيان بسلسلة بيانات خليجية أكدت على المضمون ذاته.
وإذا كان الحزب التزم حتى الآن الصمت وعدم الرد على هذه البيانات، إلا أن المقرّبين منه بادروا إلى القول إن إدراج القرار 1559 المتعلق بنزع السلاح غير الشرعي في متن البيان الختامي الفرنسي السعودي يعيد البلد إلى مرحلة عام 2004 وما تلاها من اغتيال للرئيس رفيق الحريري. ويبدي هؤلاء استغرابهم لمجاراة الرئيس الفرنسي ولي العهد السعودي في نظرته إلى الأوضاع اللبنانية وتبنّيه مشروعها الذي يثير انقسامات لبنانية لبنانية، ويضع فريقاً في مواجهة فريق آخر. ولم يوفّر المقرّبون من حزب الله من انتقادهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي «خُيّل» إليه، على حد تعبيرهم، أن المبادرة الفرنسية السعودية هي خشبة الخلاص للبنان من الانهيار، مستندين إلى ما ورد في مقالات ومواقف سعودية عن أن المسألة تتعدّى تصريحاً مسيئاً من وزير لبناني وتتصل بحزب الله وهيمنته على الدولة اللبنانية.
وما لم يقله حزب الله أوحى به المقرّبون الذين قلّلوا من أهمية البيان الفرنسي السعودي وما تلاه من بيانات بقولهم إن أحداً لن يقوى على تنفيذ مضمونها وعلى تجريد المقاومة من سلاحها، بدليل صدور القرار 1559 منذ ما قبل عام 2005 وعدم تطبيقه لغاية تاريخه، مدرجين موافقة ماكرون على البيان لأسباب انتخابية فرنسية.
في المقابل، إن خصوم حزب الله رحّبوا بالبيان السعودي الفرنسي وما تلاه من بيانات ورأوا فيها خريطة طريق وضعت النقاط على الحروف وركّزت على لبّ المشكلة المتمثلة بسلاح حزب الله ودوره، بعد ما منح الرئيس الفرنسي فرصة للحزب بعد انفجار مرفأ بيروت، ووافق على الاجتماع بممثله النائب محمد رعد على الطاولة المستديرة التي جمعت رؤساء الأحزاب والكتل النيابية حرصاً منه على استيلاد حكومة مهمة من اختصاصيين مستقلين، وعلى الرغم من ذلك كان الحزب يناور ويكسب الوقت لتمرير عاصفة الانفجار قبل أن ينقلب على المعايير التي وضعت للحكومة ومن ثم على التحقيقات التي يجريها المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.
ولفت هؤلاء إلى أن القراءة بين السطور للبيانات المشتركة التي صدرت لاحقاً عن لقاءات ولي العهد السعودي في الإمارات وقطر والمنامة والكويت تركّز على ضرورة «ألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال تزعزع أمن واستقرار المنطقة» وفي ذلك إشارة واضحة إلى دور حزب الله المتعاظم عسكرياً وأمنياً خارج لبنان والذي بلغ حدود الدول الخليجية، الأمر الذي دفعها إلى تضمين بياناتها الأخيرة في خلال جولة بن سلمان فقرة خاصة عن لبنان، تحضّه على ألا يكون حاضناً للتنظيمات التي تستهدف أمن المنطقة، ما يعني أن الحزب لم يعد مشكلة لبنانية فحسب بل أصبح مشكلة إقليمية.
ومنذ سنوات مضت، لم يتوان أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله عن مهاجمة القيادة السياسية في السعودية والبحرين والإمارات، متجاوزاً سياسة النأي بالنفس التي أقرّتها البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية المتعاقبة والتي شدّدت على أهمية العلاقة بين لبنان وأشقائه العرب، من دون أن يتوقّف عند عواقب إطلاق مثل هذه المواقف على علاقات لبنان العربية التي تشكل الرئة التي يتنفّس منها لبنان والمورد الأساسي لدعم الاقتصاد ولتمكين آلاف العائلات اللبنانية من مواجهة تحديات الأزمة المالية والمعيشية من خلال التحويلات المالية التي يقوم بها شهرياً العاملون في دول الخليج. فيما لا يمكن لمحور الممانعة وتحديداً لا يمكن لإيران ولا لسوريا أن يشكّلا مقصداً للبنانيين وسوقاً للعمل أو مصدراً لدعم الدولة اللبنانية والشعب اللبناني في الأزمات التي يكابدونها نتيجة إقحام البلد في الصراعات وجعله متراساً متقدماً في لعبة المحاور كما سبق وأعلن قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني علي حاجي لجهة أن صواريخ المقاومة هي الخط الأمامي للمواجهة.
كل ذلك، له أثمانه التي جرّت على لبنان المعاناة والحصار والعقوبات إلى أن توّجت بسحب دول الخليج سفراءها من لبنان وطلب مغادرة السفراء اللبنانيين لديها، وهي خطوة فاجأت الدولة التي لا قدرة لها على تحمّل انعكاساتها.
وما لم يفاجئ المعنيين في الداخل هو استمرار حزب الله في فرض حظر على جلسات مجلس الوزراء وعلى ترجمة مفاعيل الاتصال الثلاثي بين ماكرون وبن سلمان وميقاتي، ما يعزّز قناعة الدول الخليجية بهيمنة الحزب على مفاصل الدولة اللبنانية، ويُسقِط الرهان على إنفراج لبناني خليجي تمّ التعويل عليه إثر مبادرة الرئيس الفرنسي.
ومع توالي صدور البيانات عن الدول الخليجية وعجز المعنيين في الداخل اللبناني عن ترجمة خريطة الطريق للحل لالزامية عبورها في الضاحية الجنوبية، يعتقد البعض أن هذه البيانات تمهّد الطريق نحو عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان كما يطالب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي منذ فترة، الذي من دونه لا امكانية لحل الأزمة اللبنانية وفي طليعتها حل معضلة سلاح حزب الله. لكن أوساط بكركي تتخوّف من أن يسبق أو يتزامن المؤتمر الدولي مع تسوية على حساب لبنان أو أحد مكوّناته، خصوصاً في ظل ما تردّد عن مطالب إيرانية تقوم على مقايضة السلاح بمنصب نائب رئيس الجمهورية لشيعي وكذلك أخذ منصب قيادة الجيش من الموارنة وإعطاؤها لشيعي واعتماد المداورة في حاكمية مصرف لبنان ومجلس القضاء الأعلى وهما أيضاً منصبان مارونيان. وهذه المناصب أسندت إلى الموارنة لطمأنتهم بعد إعلان دولة لبنان الكبير ولدى الاتفاق على الميثاق بين الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح، وتمّ تكريس وظائف الفئة الأولى وتوزيعها مناصفة بين المسلمين والمسيحيين في اتفاق الطائف.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول كريم .. فلسطين:

    طالما أصابع الغرب تتدخل في شؤوننا العربية بموافقة عربية او بدون ستبقى الدول العربية في حالة استعمار ابدي … وستبقى اليد الطولى للغرب واعداء الإسلام هم المسيطرون على أنفاس الأمة العربية والإسلامية…
    وسنبقى كالخراف ننتظر الذبح متى شاء الغرب …

إشترك في قائمتنا البريدية