مقولة تعلمناها منذ الصغر واعتدنا على تكرارها وتَحَسُّسِ ملامحها في قراءاتنا للأحداث التاريخية الموغلة في القدم والحديثة، وقد أثبتت صحتها سواء أكانت الإنتصارات في المجال العسكري أو السياسي أو العلمي أو الإقتصادي، ولكن عقليتنا وضميرنا المنحازَيْن – للأسف على الأغلب – للمنتصر بشكل عام لم يلزَّانا في يوم من الأيام للوقوف وقفة تأنٍ لاختبار صحة هذه المقولة على المستوى الأخلاقي على الأقل، إذ غالبا ما يتم الخلط بين الحق والانتصار فيظن الكثيرون منا أن هذا الفريق قد انتصر لأنه على حق وأن الفريق الثاني قد انهزم بالمقابل لأنه على باطل، طبعا ينبغي في هذه الحالة التفريق بين السياسة التي أصبحت البراغماتية والمصالح مدخلها الوحيد وبين الحق الذي يستمد مرجعيته من الأخلاق والضمير وفي كثير من الأحيان والمجتمعات من الدين. كانت هذه مقدمة وجيزة لتوضيح بعض النقاط بخصوص المراحل التي مرت بها الثورة العظيمة التي يخوض غمارها الشعب السوري العظيم، خاصة بعد أن رأيت تعليقا كتب على صور مجازر بانياس التي إرتكبتها عصابات الشبيحة والجيش النظامي، إذ كتب تحت الصورة: ‘ولن أعتذر عن بشاعة الصور’، إذ تبادر لذهني على التو خطرُ أن يكون المقتول مضطرا للإعتذار عن جرائم غيره، إذ لم يخطر ببال النظام أوأبواقه ولو لمرة واحدة أن يبدؤوا قباحاتهم على شاشات التلفزة بجمل من قبيل ‘الرحمة لشهدائنا’ أو التأسف لمقتل السوريين، كل ما تجود به حناجرهم وتتفتق عنه أفكارهم هو التكذيب والرمي باللائمة على مؤامرة كونية تكاد تهد أركان المعمورة بينما استطاع النظام الأسطوري الصمود في وجهها، طبعا يقابل هذه الصورة الاتهامات التي تحمل أفعالا على نفس درجة السوء يقوم بها الثوار أو من يحسبون عليهم ويظن المتحدث أنه لكونك مؤيدا للثورة ولمطالب الحرية والكرامة وأن يخرج السوريون من أقبية الإستبداد إلى نور الحرية وفضاء الكرامة ستنبري لتؤيد مثل هذه الجرائم، ويتبع ذلك بالطبع السؤال الغبي: أهذه الثورة التي تريدون؟ أهذا التغيير الذي تنشدون؟ أهذه سورية التي بها تبشرون؟’، بالطبع السؤال الذي يجسد القبح بأفج صوره هو: ‘ألم يكن الوضع فيما سبق أفضل من الآن؟’، طبعا ثمة الكثيرين من مؤيدي الثورة الذي يدخلون حلقة التبرير المفرغة، من قبيل: ‘ولكنك لم ترَ جرائم النظام وشبيحته؟’ أو ‘لماذا لم نسمع صوتكم عندم حدثت مجزرة كذا أو كذا؟’، طبعا يتفاجأ الطرف الآخر عندما تقول له :’ولكننا ندين هذه الجرائم ونرفضها بلكلية بغض النظر عن فاعلها وعن مبرراته’ فالجريمة تبقى جريمة لآتستحق أقل من الإدانة وتجريم فاعله كائنا من كان، وقبل هذا وذاك فإن اللائمة ينبغي أن تلقى على من تسسبب في وصول الأمور إلى ما آلت إليه، على الرغم من أنه كان بإمكانه أن يوفر على نفه أولا وعلى الآخرين الكثير من المآسي والمحن التي نعاني منها اليوم. يخطر ببالي بهذا الشأن ما يؤثر عن الفضيل – رحمه الله – أنه رؤي يوم عرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة حتى إذا كادت الشمس تغرب قبض على لحيته ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال: ‘واسوأتاه منك وإن غفرت’، ثم انقلب مع الناس، أظن أن لا شيء يمكن أن ينطبق على الهجمة البربرية التي يشنها النظام السوري على شعبه تاريخا وحضارة وجيشا وتعايشا مشتركا ووحدة وطنية أكثر من هذه الجملة، إذ حتى ولو انتصر فيها على الشعب فلا أقل من يقال واسوأتاه ولو انتصرت، إذ إن انتصار نظام إستبدادي تعفنت جميع مناحيه بالفساد والمحسوبيات وإهمال المواطن والتنكر لجميع حقوقه لاأقل أن يقال له أقل من: ‘وا سوأتاه لك من شعبك ومن التاريخ، وإن انتصرت’. الدكتور المهندس محمد بسام قباني [email protected]