لندن- “القدس العربي”:
اهتمت صحيفة “التايمز” بخبر علمي عن اكتشاف العلماء طريقة لإعادة تركيب عطر كانت تستخدمه الملكة المصرية كليوباترا، وذلك بعد كشف حفريات في موقع مدينة تيموس الفرعونية عام 2012 واعتقد الخبراء أنه بيت صانع عطور من تلك الفترة.
وخصصت الصحيفة للموضوع افتتاحية وتقريرا قالت فيه إن البقايا التي عثر عليها في القوارير استخدمت وبمساعدة وصفات عطور وجدت في نصوص تعود إلى تلك الحقبة، في تركيب عطر يعتقد أنه كان يحظى بشعبية كبيرة آنذاك. وتقول الصحيفة إن عطور ذلك الزمان لم تكن سائلة وشفافة كما هي اليوم، وإنما كانت على شكل دهون ومراهم ثخينة ومشبعة بالتوابل، ومعدة بحيث تظل رائحتها تفوح من الجسم لوقت طويل.
وهذه ليست المرة الأولى التي يعاد فيها تركيب عطور مشاهير من التاريخ، فسبق أن تمكن العلماء من تركيب الكولونيا التي صنعت خصيصاً لنابليون خلال فترة نفيه في جزيرة هيلينا. لكن اهتمام المجتمعات المعاصرة بالرائحة الطيبة تراجعت مقارنة مع العصور القديمة. فقد أظهرت دراسة أن الشبان لا يهتمون بالرائحة ولو خيروا بين هواتفهم النقالة واللابتوب والعطور، لاختاروا الخيار الأول.
وعادة ما يشير الفعل “يشم” إلى رائحة طيبة وأخرى كريهة. ولكن سكان المدن ليست لديهم القدرة على التفريق بين الروائح. وتشير الصحيفة إلى تراجع أهمية الرائحة في الثقافة الغربية اليوم، ففي دراسة أجرتها المتخصصة في علم بيولوجيا الآثار كارا هوفر عام 2017، حذرت فيها من أن الروائح الكريهة في المدن تقضي على قدرتنا التفريق بين الروائح الجميلة. وكشفت أن سكان المغاور والصيادين في العصور القديمة كانت لديهم القدرة على وصف الروائح أكثر مما لدينا اليوم.
وفي التايمز أيضاً وعن نفس الموضوع كتب توم نويلز أن الكثير من علماء التاريخ حاولوا تحديد شكل كليوباترا ومدى جمالها، إلا أن قلة منهم اهتموا بالحديث عن العطر الذي كانت تضعه. ومن هنا تمكن فريق من علماء الآثار وخبراء العطور من تركيب عطر، يقولون إنه كان بمثابة “شانيل 5” في ذلك الزمن، وأن آخر ملكة لمصر القديمة ساحرة الجمال ربما تعطرت به.
ويذكر الكاتب، الأسطورة التي تقول بأن كليوباترا قبل إبحارها لزيارة مارك أنطونيو في طرسوس، تعمدت غمس أشرعة مركبها الملكي الذهبي بالعطر بحيث تصل رائحة عطرها إلى الشاطئ قبل نزولها عليه بوقت طويل.
وعثر على وصفة العطر بعد عقد كامل من الحفريات التي قام بها فريق من علماء الآثار من جامعة هاواي في موقع شمالي القاهرة يدعى تل التيماي، وهو موقع مدينة تيموس الفرعونية التي بنيت عام 4500 قبل الميلاد. وهي المدينة التي عرفت بعطر مشهور اسمه ميندسيان أو ميتوبيان.
ويقول روبرت ليتمان، الباحث في الآثار من الجامعة في حديث مع مجلة السفر “أتلاس ابوسكوريا” إن هذا العطر “كان الأغلى في العالم القديم”.
وفي عام 2012 اكتشف الباحثون في الموقع ما يعتقد أنه بيت تاجر عطور يعود إلى عام 300 قبل الميلاد، والذي احتوى على مصنع للعطور وقوارير زجاجية وأباريق لا تزال تحتفظ ببقايا عطور ذلك الزمان.
ومع أن الرائحة اختفت منها، إلا أن التحليل الكيماوي لها كشف عن بعض المكونات. وقدم ليتمام وجي سيلفرستين ما عثروا عليه إلى الخبيرين في العطور المصرية، دورا أغولدسميث وشين كوغلين، حيث قاما بإعادة تركيب العطر بناء على طريقة موجودة في نصوص إغريقية.
وأساس العطر مأخوذ من شجر المر المنتشر في القرن الأفريقي والجزيرة العربية. وأضاف الفريق للمكون حب الهال وزيت الزيتون والقرفة. مما أدى إلى عطر ثخين، مثل زيت الزيتون ولكن تنبعث منه منه رائحة حادة بطعم التوابل تستمر لفترة طويلة. ويقول ليتمان: “المثير هنا أن تتنشق عطراً، لم يشمه أحد طوال 2000 عام”.
إلا أن هذه الاكتشافات لا يمكن الجزم بصحتها، فكما ينقل الكاتب عن ماندي أتفيل أخصائية العطور لدى “بيركلي” في كاليفورنيا والتي ساهمت عام 2005 في إعادة تركيب عطر لمومياء طفل فمن الأرجح أن كليوباترا كان لديها العطّار الخاص بها، والذي يصنع لها عطرها الخاص، برائحة مميزة، وتضيف أتفيل: “لا أعتقد أبداً أن أحداً يعلم بالتأكيد ما الذي كانت تستخدمه”.