لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية تقريرا أعدته جين فلانغان عن اعتماد زعيم دولة الكاميرون على الشركات الإسرائيلية الخاصة والتي تقوم بتدريب قواته العسكرية وتكشف عن خطط إسرائيل في القارة الأفريقية. وقالت إن أقدم رئيس حاكم في القارة لا يتسامح مع أمنه في وقت يعاني أبناء وطنه مما تصفه منظمات الإغاثة الدولية “أسوأ كارثة إنسانية لا يعرف عنها الكثير من الناس”.
وقالت الصحيفة إن جيشا خاصا بقيادة الرئيس بول بيا، 87 عاما، متهم بارتكاب أسوأ الجرائم في النزاع الكاميروني المستمر الذي يضع الكاميرون المتحدثة بالإنكليزية ضد الغالبية الفرانكوفونية من أبناء البلاد.
وفيما كان يعرف بأكثر بلدان أفريقيا استقرارا فقد قتل أكثر من 3.000 شخص وفر 900.000 شخص من بيوتهم منذ بداية الحركة الانفصالية المسلحة عام 2018 وإعلانها عن استقلال منطقة أمبازونيا الناطقة بالإنكليزية مما أدى إلى رد فعل انتقامي من الرئيس بيا. وفي تحقيق أجرته “أفريقان أرغيومنت” والقناة الإسرائيلية الـ 12 حول تدريب كتيبة التدخل السريع التابعة للرئيس على يد مرتزقة إسرائيليين كشف عما يدفعه الرئيس الكاميروني من مال للحفاظ على منصبه بل وعن طموحات إسرائيل ومحاولتها بناء قاعدة تأثير لها في دول القارة.
وأنشئت الوحدة قبل عقدين على يد أفي سيفان، الملحق العسكري الإسرائيلي السابق في الكاميرون، وهي متورطة في مذبحة أثارت في شباط/فبراير موجة غضب دولية.
كتيبة التدخل السريع التي جرى تدريبها على يد الإسرائيليين متهمة بانتهاكات صارخة في مجال حقوق الإنسان بما فيها القتل والتعذيب والحرق والعنف الجنسي
وكان 15 طفلا وامرأتان حاملان من بين 23 مدنيا قتلوا في بلدة تقع في شمال- غرب المنطقة التي تعد واحدة من منطقتين تتحدثان بالإنكليزية. وأمر بيا بعد ضغوط دولية بفتح تحقيق بعملية القتل واعترفت الحكومة لاحقا أن قواتها هي من بين المسؤولين عن الجريمة. وقالت ألاريا اليغروزي، الباحثة البارزة بمنظمة هيومان رايتس ووتش، إن “كتيبة التدخل السريع متهمة بانتهاكات صارخة في مجال حقوق الإنسان بما فيها القتل والتعذيب والحرق والعنف الجنسي”، وأضافت: “يكشف تاريخ التعذيب والمشاعر بين أفرادها أنهم فوق القانون”. ومنذ وفاة سيفان عام 2010 استمر المرتزقة الإسرائيليون بتدريب آلاف من جنود الكتيبة. وهذا التدريب مرتبط كما تقول “أفريقان اريغومنت” بالخبير الأمني الإسرائيلي إرفان مواس، 44 عاما. وفي مقابلات مع باحثي المؤسسة قال أفراد سابقون في الكتيبة إن عددا من المدربين الإسرائيليين قضوا ثلاثة أشهر وهم يدربون زملاءهم. واشتمل التدريب على حرب المدن والقتال بالأيدي الذي طورته القوات الإسرائيلية ويعرف بـ “كراف ماغا”. وأكد عدد من أعضاء الكتيبة تدربوا عام 2009 تلقيهم ذخيرة من إنتاج الصناعات الحربية الإسرائيلية بما في ذلك بنادق من نوع “تافور”. وقدمت الشركات الإسرائيلية أيضا لكتيبة التدخل السريع عربات مصفحة. وقال بعض أفراد الكتيبة إن مواس يطلق عليه بالكابتن والجنرال. ومنذ وصوله إلى الكاميرون قبل عقدين ليعمل متعهد اتصالات للجيش الكاميروني بنى مواس ثروة كبيرة. ووجد تحقيق “أفريقان أرغيومنت” سلسلة من العقارات منها شقة بـ 20 مليون دولار في نيويورك اشتراها بدون قرض وفيلا في لوس أنجليس قيمتها 12 مليون دولار. ولم يرد مواس الذي يعيش في العاصمة الكاميرونية ياوندي على أسئلة الصحيفة وعلاقته بكتيبة التدخل السريع.
وتقول الصحيفة إن جهاز الأمن الكاميروني يعتمد على الخبرات الإسرائيلية منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وبعد محاولة انقلابية كادت تطيح ببيا. فالرئيس الذي يحكم من خلال المراسيم الرئاسية وعادة من جناح خاص بفندق في جنيف كان رئيس وزراء لمدة سبعة أعوام قبل أن يصبح رئيسا عام 1982. ولأنه شك بيد فرنسية في المحاولة الانقلابية الفاشلة فقد بحث عن متعهدين إسرائيليين لتوفير الحماية الوطنية والشخصية. وتعتبر الدولة الغنية بالزيت والكوكا والبالغ عدد سكانها 25 مليون نسمة من أعلى الدول في أفريقيا نسبا بالتعليم. إلا أن تقدمها تباطأ بسبب الفساد المستشري. وتبلغ نسبة الذين يعملون في وظائف رسمية واحدا إلى عشرة. وتعيش نسبة الثلث تحت خط الفقر، ولم تعرف غالبية السكان زعيما غير بيا الذي تلقى تعليمه في باريس وتزوج من شنتال التي تصغره بـ 37 عاما.
وظلت الكاميرون تحت الحكم الألماني حتى تقسيمها بين فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى. وحصلت المستعمرة الفرنسية على استقلالها عام 1960 واتحدت بعد عام مع الجزء الذي تحكمه بريطانيا بالجنوب.
وتقول الصحيفة إن الحكومات الغربية ظلت صامتة حول الأزمة في الكاميرون. ويقول النقاد إن دولا مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة توفر التدريب لقواتها المسلحة لكي تكون قادرة على مواجهة بوكو حرام في منطقة بحيرة تشاد والتي تسببت بموجات من اللاجئين. ويشير المحللون إلى تعيين العقيد أفيزير سيغال “كمحلق متجول” في أفريقيا يعكس طموحات إسرائيل لتعزيز علاقتها الدبلوماسية مع دول القارة. وعادة ما يتم نشر القوات الأفريقية على الحدود الحساسة لإسرائيل مع سوريا ولبنان، وتشعر إسرائيل بالراحة لو كانت هذه بقيادة جنود تلقوا تدريبهم على يد جنود إسرائيليين. ويقول كاه والا، 55 عاما، الذي يعتبر من أبرز المعارضين السياسيين، إن دور الإسرائيليين في جيش بيا الخاص الملوث وبقيادة شخص أجنبي يهدد بجعل الدولة جزءا من قوة قمعية. وينظر إلى علاقات إسرائيل القديمة مع الكاميرون كعماد لطموحاتها في بناء التأثير، كما يقول إيتاي ماكي محامي حقوق الإنسان الإسرائيلي والذي يقود حملة لزيادة الشفافية في الصادرات الإسرائيلية الدفاعية: “يعتبر بول بيا من أفضل أصدقاء إسرائيل في القارة الأفريقية” و”ما تحصل عليه إسرائيل هو دعم الكاميرون لها في المحافل الدولية… والكاميرون هي جزء مهم في منح إسرائيل الشرعية وهذا كله جزء من المواجهة الجيوسياسية مع الفلسطينيين”.
إمعانا في محاولة التجمُّل فإنك لا ترى صور الطغاة إلا أمام صناديق الاقتراع و هم يدلون بأصواتهم.