التداعيات الإقليمية لتطبيق “قانون قيصر”

صادق الطائي
حجم الخط
0

ستزداد العقوبات الاقتصادية على إيران بعد تطبيق قانون قيصر

 

“قانون قيصر” هو حزمة عقوبات جديدة ستطلقها إدارة الرئيس ترامب منتصف حزيران/يونيو 2020 لمعاقبة شخصيات، وهيئات، ومؤسسات رسمية، وشبه رسمية، وأهلية في سوريا. كما ستطال العقوبة الشخصيات والمؤسسات والشركات الأجنبية والإقليمية التي ستتعامل مع النظام السوري. اسم القانون الذي أصبح يعرف رسميا في الولايات المتحدة الأمريكية بـ”قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” ارتبط بالاسم الرمزي أو”الكودي” لأحد ضباط قوى الأمن السوري الذي عرف باسم “قيصر” الذي عمل في معتقلات وسجون النظام، وقد كانت مهمته تصوير جثث الضحايا من معتقلي الرأي في السجون السورية. وقد انشق هذا الضابط عام 2013 وهرب خارج سوريا، واستطاع تهريب 55 ألف صورة لضحايا التعذيب والقتل من المعتقلين في مختلف المعتقلات والسجون السورية.

لماذا الآن؟

وصل المدعو “قيصر” إلى الولايات المتحدة، وعرض ما لديه من وثائق، حيث قامت لجنة مستقلة بفحص الصور وتأكدت من مصداقيتها وابتدأ التحرك منذ عام 2014 وتحركت بعض أطراف المعارضة السورية باتجاه استصدار قانون يسعى لتقديم كل المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا إلى العدالة، سواء كانوا سوريين أو من المتعاونين معهم إقليما ودوليا.

تعرض مشروع القانون إلى العرقلة حسب رأي بعض المراقبين، ولم يتم تمريره في مجلس النواب الأمريكي إبان الحقبة الرئاسية الثانية للرئيس باراك أوباما، إذ كانت إدارته تعمل حينها على إنجاز اتفاق استراتيجي مع إيران، والذي عرف بـ “الاتفاق النووي مع إيران”. وقد تخوفت إدارة أوباما حينها من التأثيرات السلبية التي قد يحدثها قانون “قيصر” في حال إقراره على “الاتفاق النووي الإيراني” لذا تم عرقلة تمريره في مجلس النواب الذي كانت ترأسه النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي.

 كذلك أشار بعض المراقبين إلى دور السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي راند بول، المعروف بعلاقاته مع روسيا ودعمه الرئيس بشار الأسد، وقد تمكن بول من عرقلة تمرير قانون “قيصر” في مجلس الشيوخ، لأن طبيعة هذا النوع من القوانين لا يمكن أن تمر من دون حصولها على الموافقة بالاجماع في مجلس الشيوخ. وهكذا تم تعطّيل تمرير قانون “قيصر” في مجلس الشيوخ لمدة ثلاث سنوات.

هذه العرقلة دفعت بالناشطين السوريين والقانونيين الأمريكيين إلى أدراج القانون ضمن موازنة الدفاع الأمريكية لعام 2020 لتفادي أي عرقلة جديدة في الكونغرس بعد أكثر من خمس سنوات على كتابته وصياغته. وبذلك تمكنوا من تمرير التصويت في مجلس النواب، كما انه في هذه الحالة لم يعد قانونا مستقلا بحاجة الى موافقة مجلس الشيوخ بالاجماع، وبالفعل مر القانون، ووقعه الرئيس ترامب في كانون الأول/ديسمبر 2019 وقد حدد موعد تنفيذه منتصف شهر حزيران/يونيو الجاري.

إيران وقانون قيصر

سعت إدارة الرئيس دونالد ترامب ومنذ يومها الأول غلى تحجيم القدرات الإيرانية عبر سياسية “تقليم أظافر إيران إقليميا” وذلك بدءا من الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وإطلاق حزم العقوبات الاقتصادية، وتصعيد التوتر الذي وصل في بعض مراحله إلى المواجهة العسكرية والضربات المتبادلة التي تمت في أرض بديلة، مثل الضربات التي نفذتها الطائرات الأمريكية على معسكرات وقواعد  فصائل الحشد الشعبي العراقي المقربة من إيران في مختلف مدن العراق وسوريا، أو الغارة التي اغتالت بها الولايات المتحدة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي ورجل إيران القوي في العراق. من جهتها ردت إيران بضربات صاروخية على قواعد عراقية في محافظتي أربيل وصلاح الدين استهدفت بها القوات الامريكية المتواجدة في العراق ضمن قوات التحالف الدولي لمحاربة “داعش”.

لكن المعروف إقليميا إن أخطر وجود لإيران خارج حدودها حاليا هو تواجدها في سوريا، سواء عبر مقاتلي وضباط الحرس الثوري الإيراني الذين يقاتلون دفاعا عن النظام السوري، أو عبر تواجد ميليشيات حزب الله اللبناني وبعض الميليشيات الشيعية العراقية التي تأتمر بأوامر قادة فيلق القدس الإيراني. وكل هذا التواجد الإيراني في سوريا كان عرضة للضربات العسكرية المتكررة من الطيران الإسرائيلي، من دون أن ترد سوريا أو حلفاؤها الإيرانيون أو حتى الروس على ذلك، ربما بسبب صرامة قواعد الاشتباك المفروضة على الجميع. كما تجدر الملاحظة إن تواجد القوات الأمريكية في قواعدها في شرق الفرات قرب مناطق البترول السورية، والقوات الروسية الموجودة في قواعدها في الساحل السوري، والقوات التركية المتواجدة شمال سوريا، وقوات الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية في مختلف مناطق سيطرة النظام لم تؤد إلى خرق قواعد الاشتباك بين مختلف هذه الأطراف حتى الآن.

لذلك يجد المراقبون إن دخول قانون قيصر حيز التنفيذ سيوجه ضربات اقتصادية واستراتيجية للوجود الإيراني الداعم لنظام بشار الأسد، وسيمثل محاولة جادة لقطع ما بات يعرف بـ”طريق الحرير الإيراني” أو طريق محور المقاومة الممتد من طهران مرورا ببغداد ودمشق ليصل بيروت ويتموضع على الحدود الإسرائيلية.

كما يرى بعض المحللين في قانون قيصر، امكانية تقليم أظافر إيران في الإقليم؛ وذلك عبر إضعاف المنظمات التابعة لها، وخصوصا ميليشيا حزب الله اللبناني، كما يُتوقع أن تضغط الولايات المتحدة الأمريكية على العراقيين لسحب الميليشيات العراقية، أو كشف الغطاء والحماية الحكومية الرسمية المتمثلة بمظلة الحشد الشعبي، كما يسعى الأمريكان الى إغلاق بعض المؤسسات التي تدار من قبل الحرس الثوري المصنف أمريكيا كتنظيم إرهابي؛ وستزداد العقوبات والضربات الاقتصادية على إيران بعد تطبيق قانون قيصر ما سيدفعها لتخفيف التواجد في سوريا، مما يعني ترك نظام الأسد من دون دعم.

لكن، ومن جانب آخر يرى بعض المحللين إن قانون قيصر ليس سوى خطوة ضغط أمريكية جديدة تضاف إلى مساعيها السابقة التي تحاول عبرها الضغط على طهران في محاولة لجرها للجلوس إلى طاولة التفاوض مع واشنطن، وحينها سيتم حل الكثير من العقد الإقليمية التي يقف في مقدمتها تحييد النشاط النووي والصاروخي الإيراني، وإيقاف ما يمثله هذا الملف من تهديد للأمن القومي الإسرائيلي.

 كما ستسعى واشنطن وحلفاؤها إلى الضغط على طهران لإغلاق أكثر من ملف ساخن مفتوح في المنطقة، مثل ملف الحرب في اليمن، والأزمة الحكومية اللبنانية وملف الصراعات الداخلية في العراق، إذ سيكون هناك بالتأكيد نقلات شطرنجية متبادلة على رقعة الشرق الأوسط في الدست الذي تلعبه طهران ضد واشنطن.

الحوار الأمريكي العراقي

 

يبدو الانهيار الاقتصادي السوري اليوم واضحا، وربما كان أوضح هذه المؤشرات انهيار الليرة السورية التي وصل سعر صرفها مقابل الدولار إلى مستويات غير مسبوقة من التدني، ما ولد موجة تضخم جديدة دفعت بالأسعار إلى الاشتعال، ودفعت المصالح الاقتصادية والتجارية إلى الشلل، كل ذلك قبل أن يدخل قانون قيصر حيز التنفيذ.

وربما نظرت دمشق عبر بوابة حلفائها الإيرانيين صوب بغداد علها تجد لديها الدعم المنشود لإيقاف التدهور الاقتصادي، وربما اعتقدت الإدارة السورية إن إدارة ترامب ستسمح ببعض المرونة أو الاستثناءات في تعامل بغداد مع دمشق، كما حصل في استثناء العراق من حزم العقوبات المفروضة على إيران وعلى من يتعامل معها. لكن الأمر مختلف هذه المرة، إذ إن حكومة الكاظمي ليست أحسن حالا من نظام الأسد، فالعراق يعاني تدهورا اقتصاديا بسبب تدهور أسعار النفط العالمية إثر جائحة كورونا، وانعكاس ذلك على الموازنة العراقية التي اشيع إنها سوف تلجأ للقروض الدولية لتسديد مرتبات موظفي القطاع الحكومي، كما أن شكاوى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من إن خزينة الدولة خاوية باتت تتصاعد يوما بعد آخر منذ تسنمه رئاسة الحكومة.

وبعد أن أعلنت الحكومتان العراقية والأمريكية، أبرز نتائج الحوار الاستراتيجي بين الطرفين، يوم الجمعة 12 حزيران/يونيو الجاري، ووصفت نتائج الحوار الاستراتيجي بين الطرفين بـ”الإيجابية” أصبح من الواضح عدم امكانية حكومة الكاظمي في أن تمد يد المساعدة لدمشق بعد أن بحثت مع الطرف الأمريكي تزويد العراق بالمستشارين الاقتصاديين، الذين سيكونون بالمرصاد لمثل هذه الإجراءات. إذ من غير المتوقع أن يسمح المستشارون الأمريكيون الذين سيعملون بشكل مباشر مع حكومة الكاظمي بخرق قانون قيصر، وستنصب جهود بغداد على الحصول على المساعدة في تعزيز مستوى الدعم الدولي لجهود حكومة بغداد الإصلاحية، بما في ذلك الدعم المقدم من المؤسسات المالية الدولية فيما يخص الخطط الجدية لتشريع إصلاحات اقتصادية جوهرية تحاول إنقاذ العراق من الكارثة الاقتصادية التي يمر بها.

لكن بعض المحللين يرون إن الضغط الإيراني سيستمر بالدفع باتجاه حصول الشركات السورية والإيرانية على حصة من كعكة الإعمار الذي ستفتتح في المناطق العراقية المدمرة نتيجة الحرب ضد تنظيم “داعش” لكن يبقى ذلك رهنا بتوازنات رقعة الشرق الأوسط، ومناورات الأطراف المتنازعة فيه، فقد ترك مشرعو قانون قيصر الباب مفتوحاً للحل الدبلوماسي، فالقانون الجديد يسمح للرئيس الأمريكي رفع العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل النظام السوري، بشرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني له. كما يمكّن للرئيس الأمريكي أن يرفع العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأمريكي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية