إن حالات الكبح التي تعرّض لها الفعل الثقافي العربي في بكورية القرن العشرين، بأدواته النقدية الحديثة، المتمثل في بعض عناصر التنوير أمثال علي عبد الرازق وطه حسين، كنماذج أشرنا إليها سابقاً، وزجر وقمع تلك المبادرات، وتحجيمها بشكل أو بآخر، مثلما حدث مع طه حسين في تعديل (صيغة) كتابه، لكي يصبح «في الأدب الجاهلي» بعد عملية «تعديل وحذف» نظرية تستجيب لشروط المنظومات المحافظة آنذاك. وإحكام كبح مبادرات التنوير تلك عند حدود الملامسات السطحية. كل ذلك سوف يؤدي إلى خلق مناخ فكري نكوصيّ، يرى إلى مسألة النظر النقدي للتراث بأشكال تتعايش مع الواقع الاجتماعي والسياسي المهيمن.
وبدل أن يذهب العمل النقدي إلى ذلك التراث بصورة مباشرة، أعتقد أن ثمة طريقة من شأنها قطع الطريق على الرأي المحافظ، المتحفز دوماً لمهاجمة أي محاولة نقدية تؤسس لعملية التجديد الأدبي، أو تحديث أدوات النظر والعمل العربيين في المجال الثقافي، وتوجيه التهمة الجاهزة بمعاداة التراث وهدمه والجهل به أيضاً. وبالتالي عدم الانتماء والاتصال بهذا التراث، الأمر الذي يجعل أي فعالية فنية أو فكرية منبتّة عن جذورها، ومقطوعة عن أصولها العربية. وهي بذلك تشكل ـ حسبَ رأيهم ـ تهديداً وهدماً للتراث الذي تقوم عليه الشخصية العربية، وغالباً ما تؤدي مثل هذه التهم إلى تصوير حركة التجديد العربية، كما لو أنها مؤامرة ضد الثقافة العربية، ولن يوفر المهاجمون ما تطاله أدواتهم الإعلامية من نعوت لوصف المجددين بشتى الصفات، وسوف يكون هؤلاء أيضاً عرضةً لاعتبارهم خوارج عن الدين والأعراف والتقاليد العربية الإسلامية، وغير ذلك من الهذر الذي سيتبرع به جهلة لا يحصون.
ويكاد مجرد مناقشة قضية لغوية، أو تجاوز لغوي يجتهد به شاعر أو كاتب، يُعد خروجاً على اللغة، وهي عندهم، اللغة المقدسة التي لا يجوز التصرف في تقنيتها أو علاقاتها الفنية والتعبيرية، لا لشيء، سوى لأنها لغة مقدسة، لكون القرآن قد وضع في اللغة العربية.
إذن، فإن الاتجاه الذي ستلتفت إليه فئة كبيرة من المجددين، سوف يأخذ طابع الانطلاق من المعرفة العلمية بهذا التراث، وجعل العمل النقدي يستمد أدواته من عناصر التراث ذاته. وبدا الأمر كما لو أن ذهاباً مزدوجاً إلى التراث يجري لدى المحافظين والمجددين في الوقت نفسه. يذهب المحافظون إلى التراث ليستمدوا منه القيم والأحكام والعناصر التي تكرس اتصالهم بالماضي، وتأكيد الضرورة الدائمة للتمسك الشامل لكل ما أسَّس له الماضي. ومحاولة إضفاء الطبيعة الحضارية على المنظورات القديمة لأشياء الحياة الحديثة، وصلاحيتها لكل ما يستجد في حياتنا المعاصرة، مسبغين على ذلك السلوك روح الاحترام والتبجيل المبالغ فيها، إلى الدرجة التي يجيزون فيها لأنفسهم تحقيق المزيد من المقاربات المتفاوتة بين مادة التراث، كمعطى إنساني صنعه البشر، والسلوكِّ الديني الذي لم يتوقف طوال التاريخ العربي عن التغلغل في تفاصيل الحياة اليومية والثقافية العربية، جاعلين من تلك الروح ظهيراً لتنظيراتهم في مقدماتهم أول الأمر، ثم حصناً لما يؤسِّسونه من قيم وأحكام في المجال الفكري والأدبي، ليحول دون اختراق الحوار النقدي لبناهم المحافظة، ليبدو الأمر بذلك، كما لو أن أي نقد لهذه البنى الثقافية، وأي رأي مخالف لهم، هو بمثابة المسّ بتلك البنية الدينية، التي تغلف أو تتماهى بتلك المنظورات الفكرية والأدبية. وبهذه الطريقة يكون موقفهم (التراثي) متمترساً في حصون دينية، بحيث تختلط على المرء حدود التراث الإنساني والتراث الديني، ليصبح بعد ذلك الكلام على أي عناصر من مادة التراث، يشكل ممارسة محفوفة بالمحاذير، ضمن هذا المناخ.
ويكاد مجرد مناقشة قضية لغوية، أو تجاوز لغوي يجتهد به شاعر أو كاتب، يُعد خروجاً على اللغة، وهي عندهم، اللغة المقدسة التي لا يجوز التصرف في تقنيتها أو علاقاتها الفنية والتعبيرية، لا لشيء، سوى لأنها لغة مقدسة، لكون القرآن قد وضع في اللغة العربية. ولا نعرف كيف يمكن اعتبار لغة ما مقدسة، هي التي يمكن أن تستخدم لكل أنواع القول، والتعبير جمالاً ورصانة واحتراماً، وفي الوقت نفسه يجري استخدامها عكس ذلك تماماً. من أين لنا أن نقول بقداسة أداة متاحة ومبذولة للجميع مثل الهواء، ناهيك من كون هذه اللغة قد كانت موجودة قبل القرآن بأزمان. ألا يدعو القول بقداسة اللغة العربية موقفاً دينياً، ووقوعاً في السذاجة، التي لا تليق بالدين؟
كما لا يجوز تجاوز السؤال عن تاريخية اللغة العربية، وسبقها زمنياً لنزول القرآن. ففي مناقشة هذه المسألة استكشافٌ مفيدٌ للسلوك المحافظ، الذي تقوم بنيته الفكرية على عناصر لاهوتية، مع قصور في موهبة التبصر إزاء الحقيقة التاريخية التي لا يجوز، علمياً، التغافل عنها، أو استغفال الآخرين في سبيل التعصب لتراثٍ يظل قابلاً للاجتهاد البشري.
كاتب بحريني
السؤال الحقيقي بالنسبة لي، يا (قاسم حداد)، هل أنت بالذات، تقبل (نقد) حاضر مقالاتك الثلاث وفي (حياتك) قبل (مماتك)، التي نشرتها لك جريدة القدس العربي، أولاً؟!
لأن فاقد الشيء، لا أتوقع سأحصل منه عليه، كأسلوب علمي،
لا علاقة له بالجهل بإسم حرية الرأي أو الفهم أو التعبير أو التأويل أو تقليد أساليب التفكير الغربي كآلة أو حيوان، بعيداً عن ضمير الإنسان الحي،
خصوصاً، وأن اللسان اللغوي شيء، والتدوين اللغوي شيء آخر، وإذا لم تستطع التفريق بينهما، أصلاً،
كيف ستفهم، أنّك أنكرت كل جهود وعبقرية الثنائي (أبو الأسود الدوؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي)، في إكمال رسم أو تدوين شكل الحرف وصوته والكلمة وصيغة بنائية، وهيكل الجملة، وقانوني كتاب (العين)، لمعنى المعاني، في الوصول إلى لغة كما تُنطق تُكتب، وبها تم جمع كل ألسنة قراءات القرآن، لتدوينه في نص واحد، ينم عن عبقرية لغوية، لم يصل لها علم التدوين اللغوي، في أي لغة أخرى،
والتي كانت بعد نقل عاصمة الدولة من مدينة رسول الله، بواسطة (علي بن أبي طالب)، إلى مهد تدوين لغة الحضارة الانسانية، حيث أصدر أوامره إلى الثنائي بداية عصر التدوين، وتبعه عصر الترجمة (بيت الحكمة) في بغداد، بعد مدرسة الكوفة والبصرة اللغوية،
عذرًا منك أخي عبد الله, لم أفهم لماذا تستعمل لغة أو تعببر لاأعتقد أ نه مناسب لما يقصده الكاتب, لاأعفي نفسي طبعَا, أي هذا إن فهمت أنا قصدك جيدًا وفهمت الكاتب جيدًا.
أنا لا أفهم مسألة، كيف فهمت قصد الكاتب، أولاً؟!
أنا علقت على مسألة واحدة، وطرحت حجتي عليها، عجبك أهلا وسهلا، لم يعجبك شيء في كلامي، قم بتحديده، أهلا وسهلا
حلو انت اسلوبك والله حليك أكثر وكل عام وانت بخير أخي عبد الله.
باللغة الأبجديّة (المسمارية-السومرية)،
وليس وادي النيل باللغة الصورية (الهيروغليفية -الفرعونية)،
وليس خلاصة (الحكمة الصينية) لغة الأشكال (الماندرين، التقليدية (تايوان)، أو المبسطة (الصين))،
ولذلك تجد كل لغات آسيا وأفريقيا، اعتمدت هذه العبقرية اللغوية في التدوين، كما هو حال:
– اللغة العثمانية،
– اللغة الفارسية،
– اللغات الهندية،
– اللغات الچاوية،
– اللغات الأفريقية،
ودليلي على ذلك، لو رجعت إلى كل عملات آسيا وأفريقيا ما قبل عام 1950، في أي موقع على (الشّابِكة/الإنترنت) المعدنية منها والورقية، ستجد الحرف والكلمة والجملة (العربية)، لماذا؟!??
??????
خلط شعبان برمضان منذ البداية كمثل عوايدك يا س.س.ع. اللغة الأبجدية شيء واللغة المسمارية شيء آخر ، فمن يضحك على من سوى نفسك وانت ما زلت تلف وتدور في اجواء سوق العولمة
أنت ضد أي سوق، لأنك غير منتج، بسبب رباطك في القيروان أنت حر، في اللف والدوران في مكانك، ولكن أنا حر في أن أرفض هذا التفكير
شكرًا أخي قاسم حداد. سلسلة مقالات ممتازة برأيي بل أن التوسع فيها مطلوب. فنحن بأمس الحاجة إلى النقد العلمي وليس ففط لتراثنا بل لكل النواحي الثقافية في حياتنا. لا أستطيع الخوض في الموضوع لأني باحث في المجال العلمي وليس الأدبي وربما, والله أعلم, من هنا تأصلت جذور حبي للنظرة النقدية والنقد العلمي.
الموقف المحافظ من التراث في مقابل الموقف المجدد منه (أو، بكلام آخرى منظور القدامة في مقابل منظور الحداثة)… جل هذه النصوص لا تخرج بعيدا عن الإطار الفكري لمشروع أدونيس عن الثابت والمتحول ، وهو الذي لا يخرج عن الإطار الفكري لمشاريع غربية شائعة ومعروفة وقتها