التشكيلي المغربي عبد الهادي بنبلة: اللقاء بعد الفراق من أجمل الأشياء

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
0

الرباط – «القدس العربي»: نجح معرض «الفن عبر ثلاثة أجيال»، الذي افتتح مؤخرا برواق باب الكبير في العاصمة الرباط، في إعادة الحركة إلى المشهد التشكيلي وإلى صالات العرض بعد غياب قسري دام طيلة فترة الحجر الصحي وتداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد.
المعرض الذي يستمر إلى غاية 18 من تشرين الأول/ أكتوبر، يقدم فيه ثلاثة فنانين منتمين لأجيال مختلفة جديد أعمالهم التشكيلية، حيث تتجاور لوحات إيمان فرياني مع أعمال عبد الهادي بنبلة ويرصعهما جون باتيست بلوحاته كضيف شرف.
على هامش الافتتاح الذي أعاد النبض إلى أروقة الفنون التشكيلية، التقت «القدس العربي» أحد الفنانين العارضين، التشكيلي عبد الهادي بنبلة، الذي تحدث بداية عن اللقاء مع أروقة العرض بعد كل هذا الغياب، قائلا إن اللقاء بعد الفراق من أجمل الأشياء التي قد تحصل للإنسان عامة فما بالك بالفنان التشكيلي، الذي يعتبر أروقة عرض اللوحات متنفسا وفضاء للتجمع العائلي الفني.»
وبخصوص اختيار الظهور من خلال معرض مشترك، أكد أن ذلك الاختيار تموقع «بين الفكرة والرغبة».
وأضاف «بعد أن التقيت انا والفنانة ايمان فرياني بالفنان فالاديي في مراكش التي كنت أوجد فيها بحكم مشاركتي في معرض جماعي احتضنه مطار مراكش المنارة، جاءت فكرة إقامة معرض ثلاثة أجيال ليجمع بين ثلاث فئات عمرية مختلفة وبين ثلاث تجارب لا تقل اختلافا، خاصة وأن الفنان العالمي فالاديي سبق له أن عرض مع بيكاسو ودالي، فتولدت رغبة إغناء الحقل الفني التشكيلي بالمغرب بأعمالي التي تتجلى فيها السريالية الرمزية؛ وأعمال الفنانة التشكيلية ايمان فرياني التي تدخل في إطار السريالية المتقدمة، وبين أعمال الفنان التشكيلي فالاديي التي تجمع بين التجريدي والسريالي والنحت، لتكتمل الصورة لدى الناقد والمتلقي اللذين حتما سيجدان فيها رسالة فنية تحمل مشعلا فنيا يسافر بين الأجيال ليضل راسخا في الذاكرة». ومن الملاحظات المسجلة على أعمال بنبلة، أنه عكس السابق من لوحاته، تبدو أعماله الجديدة مختلفة نوعا ما عمّا أنجزه في مرحلة سابقة، لذلك سألناه «هل يعود ذلك إلى تراكم التجربة أم هناك أسباب دفعتك إلى التغيير قليلا في أسلوبك الفني؟»
وببساطة اجاب الفنان التشكيلي، قائلا إن «الاختلاف لا يفسد للود قضية كما يقال. والاختلاف هنا يخدم الصيرورة الذاتية للفنان ليجعل منه اسما متداولا في ميدان الفن التشكيلي».
وحسب بنبلة، فإن «النضج الفني والظرفية والزمان والمكان، تستدرج الفنان إلى البحث عن التغيير في أسلوب العمل وكذا طريقة التعامل مع اللوحة ليتم إخراجها من إطار الصورة إلى مفهوم الرسالة الفنية الكونية»، ويتابع حديثه موضحا، «من هنا تبدأ المرحلة الانتقالية واللاعبثية» إن جاز التعبير، «التي تتطلب توظيف المهارات والتراكمات الثقافية المعرفية التي قادتني شخصيا إلى السريالية الرمزية حيث وجدت ضالتي بين الرموز والإيحاءات وفلسفة الألوان». وبالنسبة لرده على سؤال تداعيات جائحة فيروس كورونا، وكيف كان أثرها، أكد بنبلة أنها لها أثر بالغ «في تغيير المفاهيم وإعادة تصنيف الأولويات لتصبح الأسرة واحتياجاتها أسبق من اللوحة وصباغاتها؛ فكنت مرغما على التوقف طيلة مدة الحجر الصحي الذي انتقل بنا من الحضوري في المعارض وبيع اللوحات التي تبقى مصدر عيشي كفنان إلى تنظيم لقاءات وندوات عن بعد».
وشدد بنبلة في حديثه لـ «القدس العربي»، على أن مرحلة الجائحة كانت «مريرة وخلفت تأثيرات وتداعيات سلبية اجتماعية ونفسية قوية فقدت فيها الفنان لمدة سنتين وفقدت فيها أشخاصا رحلوا إلى دار البقاء».
وختمنا حوارنا مع بنبلة بسؤاله عن توثيق الجائحة في أعمال تشكيلية، فرد جازما، «أرفض قطعا توثيق الجائحة عبر أعمالي التشكيلية لكي لا أترك بصمة حزن وأسى في مشواري الفني الإبداعي». معرض «الفن عبر ثلاثة أجيال» الذي يقام بدعم من وزارة الثقافة، يقدم لعشاق الفن التشكيلي المعاصر مجموعة من الأعمال التي تأخذهم إلى العوالم الخاصة لهؤلاء الفنانين، النابضة بالأحلام والجرأة، من ثلاثة أجيال، وثلاثة تصورات للعالم، وثلاثة أساليب للتعبير عنها عبر المادة والشكل. وفي بيان للوزارة تلقت «القدس العربي» نسخة منه، أوضحت إحدى المشاركات في المعرض، وهي الفنانة إيمان فرياني أنها تشتغل كثيرا على ثيمة المرأة «لأنه موضوع أثار اهتمامي كثيرا، وأشعر بالحاجة إلى التحدث عنها وتقديمها بطريقة مختلفة تماما».
وتتيح أعمال الفنانة فرياني سفرا مدهشا إلى عالم المرأة في جميع حالاتها ولمساتها، حيث تصورها هذه الفنانة وتسائلها وتبرع في التقاط رد الفعل، بتعبيرات مختلفة وبتراكيب ملونة ومتعددة.
من جانبه أكد الفنان عبد الهادي بن بلة أن هذا المعرض تجربة جديدة هي ثمرة لقاء بين ثلاثة أجيال.
أما الفنان باتيست فالادي العاشق والمغرم بالمغرب، فإنه لم يخف إعجابه بالمملكة المغربية «لقد أقمت بالعديد من البلدان وقمت بتنظيم معارض في كل مكان. وعندما قررت الاستقرار في مكان ما، كنت أشعر أنه من الأفضل أن ينتهي بي الأمر باختيار المغرب».
يذكر أن جان باتيست فالادي هو فنان تشكيلي ونحات ونقاش ومصمم فن الحفر، بدأ مساره الفني في باريس في مونبارناس. وتترك لوحات فالادي انطباعا قويا لدرجة أنها تبدو وكأنها تحاور الزائر حول عوالم المشاعر والولع والأحلام، وكأنها تقول «إنك لا تختار أبدا لوحات فالادي، بل إن لوحات فالاديي هي اللاتي تختارك».
لقد شكل المعرض، فرصة اللقاء بين الأجيال الثلاثة، وتوج افتتاحه بتسليم تذكار لضيف الشرف الفنان جان باتيست فالادي اعترافا وتعبيرا عن الشكر والتقدير باسم إيمان فرياني وعبد الهادي بن بلة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية