“التضامن” بين الجلادين!

حجم الخط
19

بعد حصولهما، بالصدفة، على شرائط فيديو توثق مذابح جرت عام 2013 في إحدى ضواحي العاصمة السورية دمشق قام باحثان أكاديميان متخصصان بقضايا الإبادة الجماعية بتقديم نتيجة عملهما الذي دام سنوات والذي يوثق لمقتل 288 ضحية، معظمهم من الشباب، بالإضافة لبعض الأطفال والنساء وكبار السن، ويتابعان، خصوصا، واحدة من تلك المذابح نفّذها شابان من عناصر الفرع 227 التابع للاستخبارات العسكرية للنظام السوري (المسؤول عن حيي التضامن ومخيم اليرموك)، ضد لاجئين سوريين وفلسطينيين نزحوا بعد غزو إسرائيل لمرتفعات الجولان عام 1967.
حسب التقرير الذي أنجزه الباحثان، فإن وسائل الإعلام الرسمية السورية كانت تشير إلى الحي المذكور بوصفه “سوريا المصغرة”، لكون سكانه من خلفيات طائفية وعرقية وسياسية ومناطقية متنوعة، وإذا اعتمدنا هذه الفكرة المقترحة فيمكن القول إن المصير الذي تعرّض له سكان هذا الحي هو تلخيص لمصير سوريا نفسها.
تأثر الحيّ بالمظاهرات ضد السلطة التي جرت عام 2011، ورد عليها النظام بإنشاء مجموعات مسلّحة لقمع الاحتجاجات، وبذلك انقسم سكان الحيّ إلى ضحايا وجلادين، وقام اثنان من عناصر فرع المنطقة المذكور آنفا بتجهيز حفرة مليئة بإطارات السيارات تم إلقاء 41 شخصا فيها بعد قتلهم بإطلاق النار (وذبح أحدهم) ثم حرقهم، ويشير التقرير إلى أن القاتلين كانا ينفذان القتل بشكل إجرائي، وأنهما كانا يقتلان النساء بوحشية وعدائية لا يبديانها بالدرجة نفسها تجاه الرجال، بشكل يدل على اعتيادهما على هذا الفعل، بل ويستمتعان بما يقومان، وأن ذلك تم في وضح النهار، بل وقاما أيضا بتصوير كل ما فعلاه، كدليل ربما يستحقان عليه جائزة أو تهنئة من رؤسائهما.
واحد من منفذي المذبحة كان من سكان حي التضامن نفسه، وحسب الشرائط المصورة فقد كان يقف على حافة المقبرة الجماعية ينظر إلى جثث من قتلهم وهو يدخن سيجارة ويبتسم للكاميرا رافعا “علامة النصر” محييا قائده الأعلى الذي سيرى الشريط من دون أي انزعاج من كونه يقوم بإعدام الجيران الذين جاء بهم سيرا على الأقدام من منازلهم القريبة والذين عاش بينهم ويقذفهم إلى الحفرة.
يكشف التحقيق أن الإبادة والاضطهاد الجماعي هي جزء من سياسة ممنهجة تتضمن العنف الجنسي حيث يستخدم الاغتصاب كعقاب وآلية إذلال للمجتمع الأهلي، وكذلك السخرة، حيث استغل السكان في حفر الأنفاق وبناء الحواجز والجدران، وصولا إلى القمع الاقتصادي عبر مصادرة أملاك المدنيين.
يتزامن الكشف عن تفاصيل هذه المذبحة مع مجازر أخرى تحصل حاليا، كما هو الحال في مذابح منطقة دارفور السودانية، ومذابح بوتشا الأوكرانية، ومذابح مالي التي يظهر أن مرتزقة فاغنر الروس، وربما عناصر من الجيش الفرنسي، مسؤولون عنها.
يتزامن ذلك أيضا مع الكشف عن تفاصيل جديدة عن مذبحة الطنطورة التي وقعت خلال حرب النكبة الفلسطينية، والتي أظهرت شهادات جديدة لجنود إسرائيليين أن عدد الضحايا يفوق المئتين.
في شهادة القاتل السوري للأكاديميين اللذين أجريا البحث، قال إنه لا يعرف عدد الأشخاص الذين قتلهم، وفي شهادة أحد الجنود الإسرائيليين ورد أمر شبيه حيث قال إنه “لا يعرف عدد الذين قتلهم من العرب”، وكما استخدم القاتل السوري بندقية رشاشة ومسدسا، فقد فعل ذلك أحد الجنود الإسرائيليين، كما استخدم أحد الضباط مسدسا كان يقتل به الفلسطيني تلو الآخر.
تحوّل مكان مذبحة الطنطورة إلى موقف سيارات لموقع استجمام إسرائيلي، وقُصف موقع مذبحة التضامن لإخفاء معالم القبر الجماعي، وتحوّل أحد منفذي المجزرة ملاكا لأكثر من ثلاثين عقارا تمت مصادرتها في الحي.
تظهر تشابهات الوقائع “تضامنا” بين الجلادين في مناهج سياساتهم، وقدرة فظيعة على اعتياد التوحّش وتحويل البشاعات إلى مصالح، وهو ما يظهر أيضا ضرورة تضامن الضحايا ضد الجلادين أينما كانوا.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول وليم:

    ماخفي كان اعظم. صدقوني اسالييب الفاشية والنازية بداءية عند نظام الاسد. والقتل الممنهج واساليب التعذيب التي يذوقها السوريون فظاءع بكل معنى الكلمة وعلى من مراى ومسمع العالك اجمع. وترى بعض العرب للاسف يقفون مع هذا الجلاد الذي لا يعرف رحمة ويجملونه بالمقاومة والممانعة. يضرب من الخارج ليل نهار على مدى سنوات ولم يرد الا على الشعب الاعزل. حسبي الله فيهم وفي كل ظالم

  2. يقول Farid Furat:

    الدعوة للتضامن بين الضحايا ضد الجلادين ليس بالإمكان تحقيقها لان الضحية تقلد الجلاد عندما تصل الى السلطة وما يفعله الصهاينة دليل على ذلك! وكذلك ما يحدث بالعراق وليبيا على يد من كان يدعون إنهم ضحايا للانظمة السابقة.!!

    1. يقول درغام النقيط بن نُغَيْل (الملقب بالمجلوب):

      ليس كل الضحايا يقلدون الجلاد عندما يصلون الى السلطة تماما مثلما انه ليس كل منتحلي الاسماء يقلدون السيد حامل الاسم الاصلي – التعميم خطير في هذه الحالة

  3. يقول نصار:

    المجرم على درب ابوه المجرم. لن تنسى حماة ومخيم تل الزعتر وغيرها الكثير الذي ربما لم يسمع عنه أحد من قبل…هذه هي مقاومة وممانعة المجرم وأبنه ومن لف معهما من القتلة الجبناء لا يقتلون الا العزل مثل أسيادهم من بني صهيون .حقا لقد انكشف كل شيء…وهذا منذ عام 2013 ولم يكشف عنه الا حديثا لحاجة في نفس من سربوه حاليا .حقا حرب أوكرانيا كشفت لنا الكثير من الحقائق وعرت الكثيرين من مدعوا الحرية والديمقراطية ولسه الحبل جرار.

  4. يقول مسامير طهماسب:

    المقارنة تختلف عن غرباء تغذوا بحقد الصهيونية في ظل حملات التطهير والاضطهاد في اوكرانيا وبولونيا وألمانيا النازية وصدقوا الوكالة الصهيونية بالوطن الموعود وغدروا بالفلسطينيين، بالمقارنة من يدعون العروبة والطائفة الموالية والنسب والمقاومة والممانعة ويعيشون بين ظهرانينا وجرائمهم كما ذكر المعلق وليم لم يقم بها لا نازي ولا فاشي وأزيد عليه ولا شيوعي ولا وحوش والتي تخنق ضحيتها لتموت وترتاح ولا تتوجع! وصدق وليم في كل ما قاله، ومن نسي تل الزعتر وحمص وتدمر وحماه ففي الآخرة سؤال.

  5. يقول زياد:

    في هدا الوضع اتذكر الطفل السوري الذي قال انه سوف يخبر الله عما جري معه ومع اهله وهذه هي القضية المهمه التي لم تسقط بالتقادم وتبقي الحل النهائي عند الحساب عند الخالق وكفي يالله وكيلا وحسب الله ونعم الوكيل فالمجرمين متشابهين غير ان بعضهم ترعرعوا بيننا وعاشوا معنا والاخرين اعدائنا فاموا بقتلنا لانهم اعداء اما الاخرين فهم اشد من الاعداء ولا تحسبن الله بغافل عما يفعل المجرمين والسلام

  6. يقول درغام النقيط بن نُغَيْل (الملقب بالمجلوب):

    في الحقيقة ، أعمق أشكال التضامن في العالم هو الذي يحدث بين الجلادين.هل تعرفون لماذا.فكروا مليا في هذا السؤال المهم.

  7. يقول tikfaren:

    هل أولاءك القتلة هم بشر !!! ؟؟؟

  8. يقول عابر كنانة:

    الاشد استغرابا. ان ابناء الطائفة الكريمة او احدا منهم لم يستنكر هذا العمل الجبان الاجرامي. لماذا؟؟
    ان لم تكن تؤيد القاتل استنكر ولو بكلمة على الاقل.
    للاسف كانت عندما قتل محمد الدرة بدم بارد كل المجتمع العربي والعالمي تحرك وهو طفل واحد. النظام قتل مايقرب من نصف مليون ولم نرى اي رد فعل. ويسمي نفسه نظام مقاوم!!!@!

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية